الرحمة أو التنظيم..تباين آراء المواطنين حول قانون جديد يمنع إطعام الحيوانات الضالة وإيواءها

الصحراء المغربية
الجمعة 29 غشت 2025 - 15:21

في ظل تفاقم ظاهرة انتشار الكلاب والقطط الضالة وما قد تشكله من أخطار صحية وأمنية، صادقت الحكومة على مشروع قانون جديد يهدف إلى حماية هذه الحيوانات وتنظيم التعامل معها بشكل مسؤول، لكن بعض بنوده خاصة تلك المتعلقة بحظر إطعام وإيواء هذه الحيوانات في الأماكن العامة، أثارت نقاشا واسعا بين مؤيدين يعتبرونه ضرورية لحماية السلامة العامة، ومعارضين يخشون أن تحرم الحيوانات من الرعاية الإنسانية.

ويتعلق الأمر بمشروع قانون رقم 19.25 الذي أحالته الحكومة على البرلمان شهر يوليوز المنصرم، والذي ينص في المادة 44 أن يعاقب بغرامة مالية من 1500 إلى 3000 درهم، كل من قام، خلافا للمادة 5 من هذا القانون، بإيواء أو إطعام او علاج الحيوانات الضالة في الأماكن العامة، لاسيما بالشارع العام او المباني السكنية المشتركة او الأماكن المفتوحة للعموم.
في هذا السياق، تباين آراء المواطنين الذين تحدثت إليهم "الصحراء المغربية" بين رافض للقرار ومؤيد له، فمن جهة اعتبر البعض أن إطعام الحيوانات جزء من الرحمة الإنسانية ويمثل خصلة متجذرة في المجتمع المغربي، وأوضحوا أن تقديم الطعام للحيوانات خاصة القطط عادة طبيعية بالنسبة إليهم، شدد البعض الآخر على القانون الجديد سيسمح بالحد من تكاثر الكلاب الضالة التي تقلق الشكان وتؤثر على السلامة العامة.
تقول نزهة، إحدى سكان مدينة القنيطرة، إنها لا تتصور أن تمر أمام قطة جائعة دون أن تقدم لها الطعام، منتقدة قرار الحظر ومعتبرة إياه غير منطقي بالنسبة لها، وفي السياق ذاته، أكد زكرياء، مؤطر تربوي، أن القانون الجديد قاس بعض الشيء، مشيرا إلى أن الدين الإسلامي أوصى بالرفق بالحيوان، وأنه لا يعقل أن يتم إلغاء بعض العادات والممارسات التي دأب المغاربة عليها، والتي تجسد قيم التسامح والرحمة، وأضاف ان هذا القرار قد يحرم الحيوانات من الرعاية الإنسانية، خاصة في ظل نقص مراكز الإيواء التي يمكنها حماية هذه الحيوانات وتوفير الطعام لها، وتضمن بذلك سلامتها وسلامة المجتمع.
في المقابل، اعتبر حسن أن التجمعات التي تحدثها الحيوانات الضالة في الشوارع والأزقة تزعج راحة السكان وتؤثر سلبا على نظافة الأحياء، وأكد أن القانون الجديد من شأنه تنظيم عملية العناية بالحيوانات والحد من انتشارها، داعيا إلى إحداث مراكز إيواء كافية للعدد الهائل من الكلاب المنتشرة في المدن، واعتماد تقنية التعقيم للحد من تزاوجها وتكاثرها بما يضمن السلامة العامة وصحة المواطنين.
وتوافق حسن في هذا الطرح إحدى الطالبات الجامعيات، التي أشارت إلى أن الكثير من الناس، بدل أن يلقوا بالنفايات في الأماكن المخصصة لها، يقدمونها على شكل طعام للكلاب أو القطط، وأوضحت أن هذا السلوك يجعل هذه الحيوانات تعود إلى هذه الأماكن بحثا عن الطعام، فتستقر فيها وتتكاثر، مما يخلق تجمعات تهدد سلامة السكان، خاصة الأطفال.
من جهته، اعتبر أحمد التازي، رئيس جمعية "أدان" للدفاع عن الحيوانات والطبيعة، أن مشروع القانون في صيغته الحالية "غير مقنع"، مؤكدا أن منع الإطعام يند يفتقر إلى الوضوح، وأكد في تصريح لـ"الصحراء المغربية"، أنه "لا يمكن تصديق أن هذه المادة، التي تمنع إطعام الحيوانات الضالة، صادرة عن مشرع مغربي"، مشيرا إلى أن القانون لم يوضح ما إذا كان المنع يشمل فقط ترك الطعام في الأماكن العامة بشكل عشوائي، أن أنه يشمل كل أشكال الإطعام، وزاد أن هذا الإجراء "غير منطقي" و يتنافى مع خصوصية وقيم المجتمع المغربي.
وأكد التازي ضمن تصريحه أن الحل لا يكمن في حظر إطعام الحيوانات الضالة، بل في اعتماد مقاربة شاملة قائمة على التقاط- تعقيم- تلقيح- إرجاع كحل مستدام للحد من انتشار وتكاثر الحيوانات الضالة، وهو البرنامج الذي تنص عليه الاتفاقية الإطار لسنة 2019، موضحا أنه إذا كان هناك تعقيم وتلقيح، فلا بد أن يرافقه إطعام منظم ومقنن، لأن الحيوان لا يمكن أني يعيش جائعا مريضا، وهو ما يتعارض مع القيم الإنسانية والدينية للمغاربة.
وأضاف التازي أن الإطعام جزء من الثقافة المغربية، حيث جرت العادة أن يضع الناس الطعام والماء للطيور والقطط بجانب بيوتهم، معتبرا أن هذه الممارسات مستمدة من روح الرحمة في الدين الإسلامي ومن الهوية المجتمعية للمغاربة.
ورغم انتقاداته، أشاد رئيس الجمعية ببعض الإجراءات التي جاء بها مشروع القانون، مثل اعتماد نظام ترميز الحيوانات (Identification) الذي يسمح بتتبع وضعها الصحي والبيطري، لكنه شدد على أن القانون يحتاج إلى تعديلات أساسية حتى يصبح أكثر واقعية وملائما للهوية المغربية.
وشدد التازي أن الوسيلة الفعالة والإنسانية والمستدامة للحد من انتشار الحيوانات الضالة والأمراض المرتبطة بها، هي تطبيق البرنامج السالف الذكر والتي يتم بالإمساك بالحيوان بطريقة إنسانية ومهنية، تلقيحه وتعقيمه للحد من التزاوج، ومنع تكوين مجموعات كبيرة، ثم إعادته إلى مكانه الطبيعي بعد ترميزه، وليس حجزه في ملاجئ، موضحا أن هذا الأسلوب يحمي المنطقة من الحيوانات الضالة الأخرى، ويتيح للحيوان ان يعيش في بية هادئة بعيدا عن تجمعات قد تكون خطرا على السكان، وهي الطريق الأنسب للحد من الظاهرة مع الحفاظ على الرحمة والرفق بالحيوان التي تعد جزءا من قيمنا وهويتنا.




تابعونا على فيسبوك