أوضح الأستاذ مصطفى محمد صدقي، المحامي بهيئة المحامين بالدارالبيضاء، أن أبرز ما يميز مشروع قانون الشيكات "مشروع القانون رقم 71.24 المتعلق بتعديل وتتميم مدونة التجارة (القانون رقم 15.95)"، هو تبنيه فلسفة جديدة للعقوبة تقوم على التناسب والمرونة، مضيفا أنه تم تخفيض مدة الحبس إلى ما بين ستة أشهر وسنتين فقط، بعد أن كانت تصل إلى خمس سنوات.
وأكد أن المشروع ألغى التجريم في حالات خاصة تجمع بين الأزواج أو الأقارب من الدرجة الأولى، بالنظر إلى أن هذه النزاعات ذات طبيعة مدنية وليست إجرامية.
وأضاف الأستاذ صدقي أن من بين مستجدات المشروع، أيضا، إلغاء الحبس في القضايا التي لا تتجاوز فيها قيمة الشيكات 20 ألف درهم، وهو إجراء يروم تقليص عدد المتابعات الجنائية الصغيرة وتخفيف العبء على المنظومة القضائية.
وشدد على أن المشروع يكرس مبدأ الصلح كآلية رئيسية لتسوية النزاعات المالية، من خلال إسقاط المتابعة بمجرد الأداء أو التنازل عن الشكاية، مع إقرار غرامة إبرائية بنسبة 2 في المائة من مبلغ الشيك كبديل عن العقوبة السالبة للحرية، بما يرسخ ثقافة التسوية الودية على حساب العقاب.
وأشار إلى أن المشروع يمنح مهلة 30 يومًا للساحب لتسوية وضعيته قبل المتابعة، مع إمكانية إخضاعه لتدابير المراقبة مثل السوار الإلكتروني.
كما أبرز أن النص الجديد يُلزم المؤسسات البنكية بالتأكد من الوضعية المالية للزبناء قبل تسليم دفاتر الشيكات، ويشجع على استخدام الشيكات المسطرة للحد من التعامل النقدي.
ولفت إلى أن المشروع أقر منع الوفاء نقدًا في المعاملات التجارية التي تتجاوز عشرة آلاف درهم، وهو إجراء يهدف، بحسبه، إلى تقليص الاقتصاد غير المهيكل وتعزيز تتبّع العمليات المالية.
وفي ما يتعلق بالكمبيالة، أبرز صدقي أن القانون الجديد عزز مكانتها كبديل موثوق في المعاملات التجارية، من خلال فرض شكل موحد معتمد من بنك المغرب، وإقرار عقوبات على المؤسسات التي لا تصرح بعوارض الأداء.
غير أن المحامي نبه إلى وجود عدد من الملاحظات التي تثير التساؤل حول مدى فعالية هذه المقتضيات في تحقيق الردع وضمان حماية المستفيدين من الشيكات.
وقال في هذا الصدد إن تخفيف العقوبات الحبسية قد يفهم من زاوية الردع على أنه رسالة تساهل مع الممارسات غير المشروعة، خاصة في بيئة ما تزال فيها الثقة محدودة في وسائل الأداء غير النقدية، مما قد يدفع البعض إلى المخاطرة بإصدار شيكات دون مؤونة، معتمدين على إمكانية التسوية اللاحقة أو الأداء بعد الإعذار، فضلًا عن ازدياد المعاملات النقدية.
كما اعتبر أن استبعاد التجريم بين الأقارب، رغم وجاهته من الناحية الاجتماعية، قد يفتح الباب أمام سوء الاستعمال، خصوصًا في حالات استغلال الروابط العائلية للتهرب من الالتزامات المالية أو التلاعب بالضمانات القانونية، مبرزا أن غياب العقوبة في هذا السياق يمكن أن يفرغ النص من مضمونه الردعي في بعض النزاعات التي تتخذ طابعا تجاريا رغم وجود علاقة قرابة.
وأشار صدقي أيضا إلى أن تحديد الغرامة بنسبة 2 في المائة من مبلغ الشيك قد لا يكون كافيا لتعويض الضرر أو ردع المتهربين في الحالات الكبرى، مضيفا أن تعقيد الإجراءات البنكية الجديدة قد يُثقل كاهل المؤسسات المالية والزبناء على السواء، خاصة ما يتعلق بإجبارية الشيكات المسطرة ومنع الوفاء نقدًا في المعاملات التي تتجاوز 10 آلاف درهم، وهو ما قد يطرح إشكالات في الوسط التجاري الصغير الذي يعتمد جزئيًا على التعاملات النقدية المباشرة.
وختم الأستاذ مصطفى صدقي تصريحه بالتأكيد على أن فعالية القانون الجديد تبقى رهينة بمدى صرامة التنفيذ والتنسيق بين القضاء وبنك المغرب والمؤسسات البنكية، مشددا على أنه من دون آليات رقابة واضحة وقاعدة بيانات موحدة حول عوارض الأداء، قد يفقد القانون أثره الإصلاحي، ويظل التحدي قائما بين حماية الحقوق وتعزيز الثقة في الأوراق التجارية دون المساس بصلابة الردع القانوني.