مشروع القانون الجديد للشيكات.. نحو خلق توازن بين الزجر والتصالح

الصحراء المغربية
الخميس 23 أكتوبر 2025 - 14:47

يرتقب أن تحيل وزارة العدل على البرلمان مشروع القانون رقم 71.24 المتعلق بتعديل وتتميم مدونة التجارة (القانون رقم 15.95)، الذي قدمته، أخيرا، في خطوة تشريعية تروم تحديث الإطار القانوني المنظم للمعاملات التجارية، وتعزيز الثقة في وسائل الأداء، لا سيما الشيك والكمبيالة، ليفتح بذلك صفحة جديدة في سجل المعاملات المالية والتجارية بالمملكة.

ويهدف هذا المشروع، الذي يأتي في إطار تحديث البيئة القانونية والتشريعية الوطنية المتعلقة بالأوراق التجارية، إلى معالجة الإشكالية المزمنة لإصدار الشيكات بدون مؤونة، التي طالما أرقت المستثمرين وهددت مصداقية الأوراق التجارية، وذلك عبر مقاربة جديدة تجمع بين الردع والمرونة، وتهدف إلى تخفيف الطابع الزجري والدفع به نحو التصالح.

ومن المنتظر أن يحدث هذا النص تحولا نوعيا عبر إعادة هيكلة شاملة للإطار القانوني للشيك والكمبيالة، وتخفيف العقوبات لضمان مرونة أكبر، لا سيما مع الارتفاع المستمر لحالات الرفض وما ترتب عنه من اكتظاظ في السجون.

 

1:  تخفيف جزئي وإلغاء التجريم بين الأزواج والأقارب

يتضمن مشروع القانون مجموعة من الأحكام الجوهرية التي من شأنها تخفيف عدد حالات الحبس المرتبطة بهذه الجريمة، وفتح المجال أمام تسوية ودية وأكثر مرونة بين الأطراف، مع تحديد دقيق للعقوبات حسب نوع الجرم المرتكب:

تخفيف العقوبة الحبسية: تم إرساء مبدأ التناسب بين خطورة الفعل الجرمي وشدة العقوبة، حيث أصبحت عقوبة الحبس في حالة إغفال توفير المؤونة أو تكوينها تتراوح بين ستة أشهر وسنتين وغرامة من 5.000 إلى 20.000 درهم. ويشكل هذا تخفيفاً للحد الأقصى السابق للعقوبة.

إلغاء التجريم بين الأزواج والأقارب: نص المشروع صراحة على عدم وجود جريمة ولا عقوبة في حالات إغفال توفير المؤونة إذا تعلق الأمر بالأزواج أو الأصول أو الفروع من الدرجة الأولى، وهو ما يجعل النزاعات في هذا الإطار ذات طبيعة مدنية خالصة. كما تسري هذه المقتضيات على الأزواج خلال فترة الأربع سنوات الموالية لانحلال ميثاق الزوجية.

إلغاء الحبس الجزئي: من أبرز التعديلات التي جاء بها النص، إلغاء الحبس في القضايا التي تتراوح قيمة الشيكات فيها بين 10 آلاف و20 ألف درهم، في خطوة لترشيد العقوبات السالبة للحرية.

عقوبات مغلظة للتزوير: تتراوح عقوبة الحبس بين سنة وثلاث سنوات وبغرامة بين 20.000 و50.000 درهم في حالات تزييف أو تزوير الشيك أو استعماله عن علم.

عقوبات على الأفعال الجرمية الأخرى: يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين وبغرامة لا تقل عن 2.000 درهم ولا تتجاوز 10.000 درهم على أفعال أخرى ارتكبها الساحب، مثل إصداره أمرا بالامتناع من الأداء بغير مبرر مشروع، أو سحب كل أو جزء من المؤونة بهدف منع الأداء، أو إصداره شيكا دون بيان تاريخ سحبه وأدائه، أو سحبه على غير مؤسسة بنكية.

 

2: تكريس الصلح القضائي ودور النيابة العامة

عزز مشروع القانون آليات تسوية الوضعية المالية للساحب، وكرس مبدأ الصلح الجنائي في جميع مراحل الخصومة الجنائية:

سقوط المتابعة بالأداء: نص المشروع على أن الأداء أو التنازل عن الشكاية يترتب عنه عدم تحريك الدعوى العمومية أو سقوطها حسب الحالة. كما يضع حداً لتنفيذ العقوبة السالبة للحرية إذا وقع الوفاء أو التنازل بعد صدور مقرر قضائي غير قابل للطعن.

الغرامة الإبرائية البديلة: يشترط لإسقاط الدعوى أو وقف تنفيذ العقوبة أداء مساهمة إبرائية تحل محل الغرامة المنصوص عليها، تحدد قيمتها في 2 في المائة فقط من مبلغ الشيك أو الخصاص، بعد أن كانت تصل في السابق إلى نسب أعلى.

مهلة الإعذار والسوار الإلكتروني: يجب أن يسبق المتابعة إعذار ساحب الشيك بأن يقوم بتسوية وضعيته خلال أجل 30 يوماً من تاريخ الإعذار. وتمنح هذه المهلة مع إمكانية إخضاع الساحب لواحد أو أكثر من تدابير المراقبة القضائية بما فيها السوار الإلكتروني، لتفادي الفرار. كما يمكن للنيابة العامة تمديد الأجل لمدة مماثلة أو أكثر، بعد موافقة المستفيد.

 

3:  إجراءات لتعزيز الشفافية وإعادة هيكلة المنع البنكي

قدم المشروع قواعد تهدف إلى تقليص الاعتماد على النقد وتعزيز الشفافية، مع إرساء التزامات جديدة مشددة على المؤسسات البنكية:

منع التعامل النقدي: يمنع الوفاء نقدا بين التجار في المعاملات التجارية إذا زاد المبلغ على عشرة آلاف (10.000) درهم، ويعاقب على مخالفته بغرامة تتراوح بين 10.000 و20.000 درهم.

الشيكات المسطرة إجباريا: يتعين على المؤسسات البنكية تسليم زبنائها صيغ شيكات مسطرة أو تتضمن عبارة «غير قابل للتظهير إلا لفائدة مؤسسة بنكية»، ما لم يطلب الزبون صراحة صيغاً عادية وتستجيب له المؤسسة لزوماً داخل أجل 15 يوما.

التأكد من الوضعية المالية: يتعين على المؤسسة البنكية، قبل تسليم صيغ الشيكات، الاطلاع على وضعية الزبون لدى مصلحة مركزة عوارض أداء الشيكات للتأكد من وضعيته إزاء عوارض الأداء.

المنع البنكي الشامل: يمنع تسليم صيغ الشيكات لصاحب الحساب أو وكيله لمدة خمس سنوات ابتداء من تاريخ عارض الأداء المسجل باسمه، لعدم توفر المؤونة الكافية أو إغفال المحافظة عليها، ما لم يتم تسوية الوضعية. كما يمتد المنع ليشمل من صدر في حقه قرار بالمنع من إصدار الشيكات من سلطات أجنبية.

عقوبات على المسحوب عليه (البنك): يعاقب المسحوب عليه الذي يرفض عن سوء نية أداء شيك له مؤونة كافية وموجودة، بغرامة من 2.000 إلى 10.000 درهم. كما يُعاقب بغرامة من 2.000 إلى 5.000 درهم كل مسحوب عليه يصرح بسوء نية بوجود مؤونة يقرر فيما بعد أنها غير كافية.

 

4:  آجال جديدة للتقادم في دعاوى الشيكات

جاء المشروع بتعديلات هامة على آجال التقادم المتعلقة بدعاوى الشيك لضمان الاستقرار في المعاملات وتحديد الفترات الزمنية للمطالبة القانونية:

دعاوى الحامل: تتقادم دعاوى حامل الشيك ضد الساحب والمظهرين والملتزمين الآخرين بمضي سنة واحدة ابتداء من انقضاء أجل التقديم.

دعاوى الملتزمين: تتقادم دعاوى مختلف الملتزمين بالشيك بعضهم في مواجهة البعض الآخر بمضي سنة واحدة ابتداء من اليوم الذي أدى فيه الملتزم قيمة الشيك أو من يوم رفع الدعوى ضده.

دعوى المسحوب عليه: تتقادم دعوى المسحوب عليه ضد الساحب بمضي سنتين ابتداء من انقضاء أجل التقديم.

في حالة رفع دعوى: إذا تم رفع دعوى قضائية، لا يسري التقادم إلا بمضي سنة واحدة ابتداء من تاريخ آخر إجراء في الدعوى، وإذا حكم على الساحب بالإدانة، فتبقى الدعوى سارية المفعول إلى حين تنفيذ الحكم أو سقوطه.

 

5: أحكام خاصة بالكمبيالة المسحوبة

عزز المشروع الإطار القانوني للكمبيالة المسحوبة على مؤسسة بنكية، كبديل موثوق عن الكمبيالة غير المسحوبة على مؤسسة بنكية:

الشكل المحدد إجباريا: يتعين تحرير الكمبيالة المسحوبة على مؤسسة بنكية وفق الشكل المحدد بمنشور يصدره والي بنك المغرب.

منع تسليم دفاتر الكمبيالات: يمنع تسليم دفاتر كمبيالات لصاحب الحساب أو وكيله لمدة خمس سنوات ابتداء من تاريخ عارض أداء مسجل باسمه، لعدم توفر مقابل الوفاء. ويرفع هذا المنع إذا أدى صاحب الحساب مبلغ الكمبيالة غير الموفاة أو قام بتوفير مقابل وفاء كاف وموجود لأدائها.

التصريح بعوارض الأداء: تلزم المؤسسات البنكية بالتصريح لبنك المغرب عن كل عارض أداء يتعلق بكمبيالة، تحت طائلة غرامة تتراوح بين 10.000 و100.000 درهم.




تابعونا على فيسبوك