على كورنيش شاطئ المهدية، تعلو ضحكات الأطفال وهم يتنقلون بين فضاءات متنوعة تحمل عناوين مختلفة، ورشة للرسم والتلوين، حلبة نموذجية لتجارب السياقة، وفضاء رقمي للتربية الطرقية، هنا في قلب قرية السلامة الطرقية التي تنظمها الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، كل مساء، منذ 11 من غشت الجاري وإلى غاية 31 منه، يتحول الترفيه إلى درس عملي في التربية المرورية، حيث يكتشف الأطفال قوانين السير بطريقة مبسطة، والشباب يشاركون في مسابقة للسياقة بالدراجات النارية، بينما ينشغل الآباء بمتابعة الأنشطة وإدراك أهمية هذا الفضاء الذي يجمع بين المتعة والتحسيس.
أهداف تربوية وتحسيسية للتصدي لنزيف الطرقات
المبادرة، التي تحمل شعار " من أجل دراجة آمنة"، تسعى إلى ترسيخ ثقافة احترام قانون السير ورفع وعي الناشئة بمسؤوليتهم على الطريق، بهدف تكوين جيل جديد واع بخطورة الاستهتار بقوانين السير والقيادة المتهورة، فالتحدي الأكبر، يقول نور الدين بوطيب، المشرف على القرية ورئيس المرصد المغربي للسلامة الطرقية والتكوين المهني، يكمن في تحويل هذه الثقافة إلى ممارسة يومية دائمة، للتصدي لمعضلة نزيف الحوادث، فسنويا، تسجل أكثر من 1700 حالة وفاة بين مستعملي الدراجات النارية، ويظل تهور السائقين، خاصة الشباب منهم، أحد أبرز العوامل المؤدية لهذه الحوادث المميتة، يؤكد المتحدث ذاته.
فضاءات تعليمية وترفيهية موجهة لجميع الفئات
أوضح بوطيب ضمن تصريحه لـ"الصحراء المغربية"، أن القرية صممت لتكون فضاء تفاعليا مفتوحا أمام جميع الفئات، وتتوزع أنشطتها بين فضاءات تعليمية وترفيهية، حيث يجد الزوار أنفسهم أمام تجربة متكاملة للتعرف على قواعد السلامة الطرقية ومحاكاة للسلوكيات المرورية الصحيحة، فيما تتيح حلبة التجارب للأطفال ممارسة السياقة بطريقة آمنة، وفضاء الرسم والتلوين للتعبير عن فهمهم لقوانين السير، كما تضم القرية فضاء خاص بالدراجات النارية، يحتضن مسابقات معرفية حول قانون السير، وتوزيع خوذ واقية معتمدة على الفائزين، إضافة إلى محاكاة حوادث فعلية بالدارجات النارية لتسليط الضوء على مخاطر القيادة المتهورة وإبراز هشاشة هذه الفئة من مستعملي الطريق.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن القرية شهدت إقبالا ملحوظا من طرف الشباب والأطفال وأولياء أمورهم، وهو ما يعكس تنامي الوعي المجتمعي بأهمية هذه المبادرة التي تهدف أساسا إلى غرس ثقافة السلامة الطرقية في نفوس مكونات المجتمع وتحديدا الأطفال باعتبارهم جيل المستقبل، كما تم التركيز على التواصل المباشر مع مستعملي الطريق، من أجل توعيتهم وتزويدهم بالنصائح الضرورية لتعزيز الحماية وضمان السلامة الطرقية.
44 في المائة من حوادث السير ناجمة عن الدراجات النارية والعامل البشري السبب الرئيسي
أكد رئيس المرصد المغربي للسلامة الطرقية والتكوين المهني أن 44 في للمائة من حوادث السير ناجمة عن الدراجات النارية، مشيرا إلى أن الوضعية الحالية لحوادث الطرقات مقلقة للغاية إذ يتم فقدان أزيد من 1700 من مستعملي الدراجات النارية سنويا، ونبه إلى أن العامل البشري يظل السبب الرئيسي لهذه الحوادث، نتيجة الاستهتار بالقوانين، وعدم احترام إشارات المرور والأسبقية، بالإضافة إلى السرعة المفرطة.
وأعرب بوطيب عن قلقه من أن الفئة الشابة من مستعملي الدراجات النارية غالبا ما تكون غير واعية بخطورة القيادة المتهورة والاستعراضية، التي تنتهي في كثير من الحالات بحوادث مميتة، كما أشار إلى أن أغلب هؤلاء السائقين لا يرتدون الخوذة الواقية، رغم أنها تقلل من احتمال الوفاة أو الإصابات الخطيرة جدا بنسبة تصل إلى 70 في المائة، وشدد على أن الدراجة النارية وسيلة للتنقل وليست أداة للاستعراض أو لإظهار المهارات، لأن مثل هذه السلوكيات تنتهي غالبا بمآسي لا تؤثر فقط على الضحية بل تؤثر على أسرته وأصدقاؤه والمجتمع ككل.
وختم رئيس المرصد تصريحه بالتأكيد على أن قرية السلامة الطرقية ومثيلاتها من المبادرات التوعوية التي تحرص الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية على تنظيمها على طول السنة، تهدف إلى رفع الوعي بأهمية احترام قوانين السير لدى الأطفال والشباب، مشيرا إلى أن الوكالة تبذل مجهودات جبارة ميدانيا للتوعية والتحسيس، غير أن هذه الجهود يجب أن تتكامل بين جميع المتدخلين، لاسيما الأسر والاطر التربوية، من أجل ترسيخ ثقافة احترام الطريق في نفوس الناشئة، وتغيير السلوكيات والممارسات بما يضمن الحد من الحوادث وإنقاذ الأرواح.