على الرغم من الحملات التوعوية المستمرة التي تطلقها البنوك والهيئات المعنية لتحذير المواطنين من مخاطر التعامل مع الصفحات والمواقع المشبوهة في مجال التسويق الإلكتروني، إلا أن هذه المنصات ما تزال توقع الضحايا بأساليب احتيالية جديدة.
وفي هذا السياق، اشتكى مواطنون من تعرضهم لعمليات احتيال وسرقة أموالهم من حساباتهم البنكية بعد أن قاموا بشراء ما يعرف بـ"العلب السرية" أو "صناديق الغموض" التي تروج لها صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تزعم أن العلب تحتوي على منتجات قيمة من علامات تجارية مشهورة بأسعار "استثنائية"، إلا أن الحقيقة كانت مغايرة تماما، حيث اكتشفوا لاحقا أنهم وقعوا في فخ النصب الإلكتروني، إذ لم يتسلموا العلب الموعودة، وتم سحب مبالغ مالية أكبر من المبالغ المعلنة دون علمهم أو موافقتهم.
شهادات ضحايا الاحتيال الإلكتروني عبر شراء "العلب السرية" من الأنترنت
أيوب شاب من مدينة فاس، أحد ضحايا "العلب السرية"، أفاد أنه اشترى علبة سرية مقابل 22 درهما، معتقدا أنه سيحصل على سلع من ماركات معروفة، وبعد إتمام عملية الدفع الإلكتروني المسبق، فوجئ بعد ثلاثة أيام بأن مبلغا قدره 287 درهما قد تم سحبه من حسابه دون أي إشعار مسبق، وعندما حاول الاتصال بالموقع لاسترجاع أمواله أو استلام المنتجات، لم يتلق أي رد، وأوضح أنه قام بالتبليغ عن الحساب الوهمي إلى البنك، كما قام بتجميد بطاقته المصرفية لضمان عدم سرقة أموال إضافية من حسابه.
وأضاف أيوب، في تصريحه لـ"الصحراء المغربية"، أنه شعر بإحباط شديد عندما اكتشف أنه وقع ضحية عملية احتيال، خاصة أن المبلغ المسحوب من حسابه كان أعلى بكثير من المبلغ الذي دفعه مقابل العلبة السرية، وأشار إلى أنه كان متحمسا في البداية للحصول على منتجات ذات قيمة من علامات تجارية معروفة، خصوصا أن الموقع الذي اشترى منه بدا موثوقا، كما أن معظم تعليقات العملاء السابقين كانت إيجابية وتشيد بالمنتجات التي حصلوا عليها، لكنه الآن يجهل ما إذا كان بإمكانه استعادة ما خسره.
وأوضح أيوب أنه بعد هذه التجربة أصبح أكثر حذرا، وأخذ على عاتقه إبلاغ مستخدمي هذه الصفحات بعمليات النصب التي تعرض لها من خلال التعليقات، مؤكدا أهمية تعزيز الوعي والتحقق من مصداقية المواقع الإلكترونية قبل إجراء أي عملية شراء، ولفت إلى ضرورة الحذر من العروض المغرية التي قد تكون فخا للاحتيال.
وعاشت إحدى المواطنات تجربة مشابهة، حيث صرحت بأنها تعرضت لاقتطاع مبلغ قدره 328 درهما، بعد أن قامت بشراء "علبة سرية" كان ثمنها المعلن لا يتجاوز 22 درهما، ورغم دفع المبلغ المحدد، اكتشفت لاحقا أن المبلغ المسحوب من حسابها البنكي كان أكبر من المبلغ الأصلي، إضافة إلى ذلك، لم تتسلم العلبة الموعودة، وعند محاولتها التواصل مع الموقع لاسترجاع أموالها أو الاستفسار عن مصير المنتجات، لم تتلق أي رد أو تفسير، مما جعلها تشعر بالإحباط والخذلان.
صفحات احتيالية تروج لـ"العلب السرية" عبر عروض مغرية للإيقاع بالضحايا
من خلال البحث في الموضوع، اكتشفت "الصحراء المغربية" أن الصفحات التي نصبت على المصرحين تعود لأشخاص ينتحلون أسماء مزيفة، ويغرقون المنصات الاجتماعية بعروض ترويجية مغرية لفرصة شراء علبة تحتوي على سلع من ماركات معروفة بأسعار مخفضة، وتستهدف هذه الإعلانات الجذابة المشترين، موهمة إياهم بأنهم سيحصلون على سلع قيمة مقابل مبلغ ضئيل مقارنة بأسعارها الفعلية، وتدعي هذه الصفحات أن العلب المعروضة لم يتم تسليمها لأصحابها الفعليين، وأنها ستصرف بأسعار مغرية من خلال لعبة اختيار العلبة الفائزة من بين مجموعة من العلب الأخرى.
وما يجعل هذه العلب السرية مغرية للمستهلكين، هو تنوع المنتجات التي تحتوي عليها، مثل الملابس والأدوات الإلكترونية ومستحضرات التجميل، وغيرها من السلع التي تحظى بالإقبال الكبير، خاصة في الفترة الحالية التي تسبق احتفالات رأس السنة الجديدة، حيث يعتقد المستهلكون أنهم أمام فرصة استثنائية للحصول على منتجات من ماركات عالمية بأسعار مخفضة، مما يدفعهم إلى الانجذاب لهذه العروض، إضافة إلى ذلك تقوم الصفحات المزعومة بتسويق هذه العروض باستخدام صور ومقاطع فيديو لعملاء يزعمون أنهم فازوا بالعلبة السرية، مما يزيد من الإثارة والرغبة لدى المستهلكين للاستفادة بدورهم من العلب السرية.
ولا يمكن إغفال دور تعليقات العملاء في جذب الضحايا، حيث عاينت "الصحراء المغربية" العشرات من التعليقات الإيجابية من عملاء سابقين يشيدون بالمنتجات ويؤكدون أنهم استلموا السلع بعد ثلاثة أو خمسة أيام من إجراء عملية الشراء، إلا أن هذه التعليقات بالرغم من كتابتها بالدارجة المغربية، تعود لحسابات مقفلة تحمل أسماء غير عربية وصورا لأشخاص آسيويين، مما يثير الشكوك حول مصداقيتها ويعطي انطباعا بالتزييف والنصب والاحتيال.
وبالرغم من محاولاتنا التواصل مع أصحاب الصفحات والمواقع المعنية، إلا أن الرد الذي تلقيناه كان غير مباشر، فقد تم إرسال رابط يحيل إلى موقع إلكتروني يطلب من المستخدم إدخال بياناته الشخصية، بالإضافة إلى اختيار "العلبة الفائزة" ضمن مجموعة من العلب الأخرى، كما يطلب الموقع إتمام عملية الشراء عبر الدفع الإلكتروني المسبق بواسطة البطاقة البنكية، هذا النوع من الردود يثير الشكوك حول مصداقية عمليات البيع بالمواقع المذكورة، ويطرح التساؤل حول محاولة القائمين على هذه المواقع جمع المعلومات الشخصية للمستخدمين بطريقة غير آمنة، مما يعرضهم لخطر سرقة بياناتهم أو تعرضهم لعمليات احتيال مالية.
حيث يعتمد المحتالون على عروض مغرية مثل "العلب السرية" التي تحتوي على سلع ماركات معروفة بأسعار مخفضة، وفي ظل فضول المستخدمين ورغبتهم في الحصول على هذه العروض، يقومون بإجراء عمليات شراء عبر الدفع الإلكتروني المسبق، ويدخلون بيانات حساباتهم البنكية، هذه الخطوة تتيح للمحتالين فرصة سحب مبالغ مالية غير مبررة من حساباتهم دون أن يتسلموا السلع التي قاموا بشرائها.
المحامية عماري: صعوبة التبليغ تعقد ملاحقة الجرائم الإلكترونية والمواطنون مطالبون بالحذر
من جهتها، أفادت الأستاذة وديعة عماري، محامية بهيئة الدار البيضاء وفاعلة جمعوية وحقوقية، بأن الجرائم الإلكترونية تعد من أخطر القضايا التي تواجه المجتمع في الوقت الراهن، وتكمن صعوبة ملاحقة هذا النوع من الجرائم في كون مرتكبيها عادة ما يخفون هوياتهم تحت غطاء شركات عالمية والتي غالبا ما تكون مجهولة العنوان، مما يحتم على المستهلكين توخي الحذر الشديد عند التسوق عبر المتاجر الإلكترونية، خصوصا عندما يكون الدفع باستخدام البطاقة البنكية، وأن يطرحوا العديد من التساؤلات من قبيل هل هذا المتجر الإلكتروني سيحمي بياناته الشخصية، وبالأخص رقم البطاقة البنكية؟ ومن هي الجهة المسؤولة عن حماية المعلومات التي أقدمها عند التعامل مع هذا المتجر؟
أما بالنسبة للإجراءات التي يجب على ضحايا الاحتيال الإلكتروني وسرقة البيانات اتخاذها، فقد أشارت عماري إلى قانون 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، الذي يعتبر من الأدوات القانونية المهمة التي وضعت لمواكبة العصر وتعزيز حماية المستهلكين ومستعملي فضاءات الإنترنت، وبموجب هذا القانون تم إحداث اللجنة الوطنية لمراقبة وحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، والتي أطلقت منصة إلكترونية خاصة بها، تتوفر على نافذة الشكايات، إذ يمكن لضحايا الجرائم الإلكترونية تقديم شكاياتهم والتبليغ عن أي تعسف طال معطياتهم الشخصية.
وفي ما يتعلق بالتعويضات، أوضحت المحامية بهيئة الدار البيضاء أن ضحايا الاحتيال الإلكتروني قد يواجهون صعوبة كبيرة في استرداد حقوقهم، خاصة إذا كان الموقع الإلكتروني المرتكب للجريمة مجهول مكانه بالعالم، مما يعقد تنفيذ أي حكم بالتعويض في حال حصول الضحية على تعويضات، كذلك يواجه الضحايا تحديات كبيرة في تبليغ المشتكى به صاحب الموقع الإلكتروني أو الاستماع إليه، خصوصا إذا كانت هوية المشتكى به غير واضحة أو إذا كان عنوانه مجهولا.
وفي هذا الصدد، أكدت عماري أنه يجب على جميع الأطراف المعنية والفاعلين الرئيسين، بما في ذلك المؤسسات التعليمية، والجامعات ودور الشباب وهيئات المجتمع المدني وأولياء الأمور، تكثيف الجهود والعمل على تعزيز التوعية بمخاطر الجرائم الإلكترونية، خصوصا بين فئة الطلبة والشباب، الذين يعتبرون الأكثر تعرضا لهذه الجرائم بشتى أنواعها، وذلك بسبب الاستخدام الواسع للإنترنت، وأشارت المحامية إلى ضرورة توجيه الشباب وتأطيرهم وتعليمهم كيفية حماية أنفسهم وتجنب الوقوع في فخ الاحتيال الإلكتروني، وذلك من خلال تعزيز الحملات التوعوية الموجهة إلى الطلبة والشباب.
وأكدت الفاعلة الحقوقية في ختام حديثها لـ"الصحراء المغربية" على أهمية الحماية والتوجيه للحيلولة دون الوقوع في شراك الجريمة، كما شددت على ضرورة أخذ الحيطة والحذر عند تقديم أي معلومات شخصية عبر الإنترنت، والامتناع عن التعامل مع المواقع الإلكترونية غير الرسمية أو غير المعروفة، خصوصا إذا كانت لا تمتلك عنوانا ثابتا في المغرب أو لا تمثل متجرا موثوقا.