ارتفاع معدلات البطالة في المغرب.. الغنبوري يحلل الأسباب ويدعو لمراجعة شاملة

الصحراء المغربية
الإثنين 23 دجنبر 2024 - 12:27

أدى الارتفاع المتواصل في معدلات البطالة بالمغرب خلال العقد الأخير إلى إثارة العديد من التساؤلات حول العوامل التي تساهم في زيادة عدد العاطلين عن العمل، ومدى فعالية السياسات الحكومية المتبعة في تعزيز فرص التشغيل وتقليص نسب البطالة، خصوصا في صفوف الشباب، وقد أظهرت الأرقام المعلنة في الإحصاء العام لسنة 2024 أن نسبة البطالة شهدت ارتفاعا ملحوظا، حيث بلغت 21.3 في المائة مقابل 16.2 في المائة في سنة 2014.

هذا التزايد المستمر، وفقا لرئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، علي الغنبوري، يبرز الحاجة الملحة لمراجعة الاستراتيجيات المعتمدة في التشغيل وتحديد أوجه القصور فيها، من أجل وضع حلول فعالة ومستدامة للتصدي لظاهرة البطالة في المغرب.

وفي هذا الصدد، أشار علي الغنبوري، في تصريح لـ"الصحراء المغربية"، إلى أن نسبة البطالة المعلنة في الإحصاء العام للسكنى والسكان لعام 2024، التي بلغت 21.3 في المائة، تختلف بشكل جوهري عن النسب المفصلية، التي تصدرها المندوبية السامية للتخطيط، وأوضح في هذا السياق، أن الإحصاء العام يعتمد على استبيانات شاملة تطرح على جميع الأسر المغربية، ويركز على سؤال بسيط حول ما إذا كان الفرد يعمل أم لا، دون التعمق في طبيعة العمل أو الظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة به، بالمقابل تعتمد الإحصائيات الفصلية على عينة موسعة وممثلة من الأسر، وتحليل بيانات دقيقة تشمل تفاصيل مثل استقرار العمل ومستوى الدخل، مما يتيح صورة أكثر دقة عن سوق العمل، بما في ذلك البطالة الجزئية والمقنعة.

وأبرز الغنبوري أن الفرق بين المنهجيتين يجعل نسبة البطالة في الإحصاء العام عادة أعلى من النسب الفصلية بسبب شموليتها وغياب التمييز بين مختلف الفئات، مما يستدعي التعامل مع هذه النسبة بحذر وفهمها في سياقها الصحيح، مشيرا إلى أن الإحصائيات الفصلية توفر أدوات أعمق لفهم طبيعة التحديات المرتبطة بسوق الشغل في المغرب.

وأفاد الغنبوري أن الارتفاع الكبير في معدلات البطالة خلال العقد الأخير يعكس مجموعة معقدة من العوامل المتشابكة، حيث أن الاقتصاد الوطني شهد تباطؤا في خلق فرص العمل، خاصة في القطاعات التقليدية مثل الفلاحة، التي كانت تاريخيا المحرك الأساسي للتشغيل، وأشار إلى أن هذا التباطؤ مرتبط بالتحولات الاقتصادية العالمية والمحلية، بما في ذلك التركيز المتزايد على القطاعات الخدماتية والتي رغم أهميتها، لا توفر العدد الكافي من مناصب الشغل لاستيعاب التزايد المطرد في عدد الباحثين عن العمل.

وأضاف الغنبوري أن جائحة كورونا كان لها تأثير عميق على سوق الشغل، حيث تسببت في إغلاق العديد من المقاولات، خاصة الصغيرة والمتوسطة، كما أدت إلى تراجع الأنشطة الإنتاجية في القطاعات الحيوية، مما فاقم من أعداد العاطلين عن العمل، إذ فقد المغرب أزيد من 400 ألف مصب شغل، وزادت من هشاشة فرص العمل المتاحة، علاوة على ذلك، أشار الغنبوري إلى وجود خلل هيكلي في سوق الشغل بالمغرب يتمثل في عدم ملاءمة منظومة التكوين والتعليم مع حاجيات السوق، فعلى الرغم من تزايد عدد خريجي الجامعات والتكوين المهني، يظل الطلب على الكفاءات محدودا بسبب بطء تطور النسيج الاقتصادي واعتماده على أنماط إنتاج تقليدية، وهذا الخلل يؤدي إلى تفاقم البطالة، خصوصا في صفوف الشباب وحاملي الشهادات العليا.

إضافة إلى ذلك، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن العدالة المجالية تلعب دورا كبيرا في تأثيرها على سوق الشغل، حيث يسهم التفاوت في توزيع الاستثمارات وفرص العمل بين المدن الكبرى والمناطق القروية في تعميق فجوة البطالة، كما لفت إلى أن غياب سياسات فعالة لدعم الإدماج الاقتصادي للنساء والشباب يضعف من قدرة السوق على الاستفادة من الإمكانات البشرية المتاحة.

وفي هذا السياق، أبرز الغنبوري إلى أن معدلات البطالة المرتفعة تترك آثارا عميقة ومتعددة الأبعاد على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، مما يجعلها تحديا مركزيا يتطلب معالجة جادة، مشيرا إلى أنه من الناحة الاقتصادية، تمثل البطالة إهدارا كبيرا للموارد البشرية التي تعد أساس أي عملية تنموية، فعندما تكون شريحة كبيرة من القوى العاملة عاطلة، تتقلص المساهمة الإنتاجية للاقتصاد، مما يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي كما أن البطالة تؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، مما يضعف الطلب الداخلي على السلع والخدمات، ويخلق بذلك حلقة مفرغة، حيث يؤثر تراجع الاستهلاك سلبا على الاستثمارات والإنتاجية، مما يزيد من تفاقم أزمة البطالة.

من الناحية الاجتماعية، سجل الغنبوري أن تأثيرات البطالة تكون أكثر خطورة، حيث لا تقتصر على الأفراد الذين يعانون من غياب الدخل، بل تمتد لتطال الأسر والمجتمع بأسره، والشباب الذين يمثلون الفئة الأكثر تضررا، يشعرون بالإحباط واليأس نتيجة غياب فرص العمل، مما يدفع البعض إلى التفكير في الهجرة، بما في ذلك الهجرة غير الشرعية، مع ما تحمله من مخاطر اجتماعية وأمنية.

وأبرز الغنبوري أن البطالة ليست مجرد تحدي اقتصادي، بل تشكل عاملا رئيسيا يؤثر على استقرار المجتمع ومستقبله، لذا فإن معالجتها تتطلب رؤية شاملة وسياسات منسقة تتجاوز الحلول المؤقتة إلى تعزيز التنمية المستدامة والإدماج الاقتصادي.

مشيرا في هذا السياق، إلى أحد أوجه القصور في السياسات الحكومية، وهو غياب رؤية شاملة طويلة الأمد تدمج مختلف القطاعات الاقتصادية في استراتيجية متكاملة للتشغيل، وبدلا من ذلك، تعتمد الحلول غالبا على مبادرات جزئية أو مؤقتة، مما يجعلها غير قادرة على مواجهة التغيرات البنيوية في سوق الشغل، كما لفت إلى أن السياسات الحكومية لم تنجح في معالجة الاختلالات الكبرى مثل ضعف ملاءمة التكوين لسوق العمل أو توسيع الفرص في القطاعات القادرة على خلق عدد كبير من الفرص.

ومع ذلك، شدد الخبير الاقتصادي في التصريح ذاته، على أن هناك عوامل خارجة عن نطاق السيطرة الوطنية تساهم أيضا في تعقيد المشكلة، مثل تقلبات الاقتصاد العالمي التي تؤثر مباشرة على القطاعات الموجهة نحو التصدير، والتي تشكل جزءا مهما من الاقتصاد المغربي، كما أشار إلى أن الأزمات العالمية، مثل جائحة كورونا عطلت الاقتصاد وأسهمت في تسريح العمالة وتراجع الطلب الداخلي، علاوة على ذلك، أثرت التغيرات المناخية بشكل سلبي على القطاعات الحيوية مثل الفلاحة، مما أدى إلى فقدان العديد من مناصب الشغل فاقت 400 ألف.

وأوضح الغنبوري أن الأرقام الحالية لنسب البطالة بالمغرب، ليست مجرد انعكاس لفشل السياسات الحكومية، بل هي نتاج تفاعل عوامل محلية ودولية متعددة، وشدد في هذا السياق على ضرورة إجراء مراجعة شاملة للسياسات العمومية المتعلقة بالتشغيل، بحيث تتسم بالتكامل والتنسيق بين مختلف القطاعات، كما دعا إلى تعزيز الابتكار والاستثمار في القطاعات المستقبلية مثل الاقتصاد الأخضر والتكنولوجيا، إضافة إلى تحسين منظومة التكوين وربطها بمتطلبات السوق، وأكد أهمية الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في مواجهة هذه التحديات.

 




تابعونا على فيسبوك