الحجر الصحي.. عندما تصبح العزلة وسيلة خلاقة لفن العيش المشترك

الصحراء المغربية
الإثنين 06 أبريل 2020 - 12:28

كما يحدث في الرياضة، فإن الخصم عندما تستهين به، سيفاجئك، ثم يصدمك لا محالة، فيغيب عنك رد الفعل المناسب في الوقت المناسب. ولعل هذا ما يقع حاليا للذين لم يتعاملوا بالجدية المطلوبة مع الخطط الاستباقية، التي وضعتها مختلف دول المعمور لمواجهة خصم العالم الأول "كوفيد 19".

في المغرب، تسير الخطة التي وضعتها الدولة وانخرطت كل مكوناتها في التطبيق، بخطى ثابتة نحو إفشال كل محاولات فيروس كورونا المستجد للتجذر في بلدنا، ويعود الفضل في ذلك إلى أن معظم المواطنين استجابوا لإجراءات الطوارئ الصحية، ومنها بالخصوص الدخول في عزلة لمدة 30 يوما (أي ما يعادل 720 ساعة) داخل بيوتهم.
أما الذين استهانوا بقوة الخصم، معتبرين المكوث بالمنزل أمرا مملا ومضجرا، فقد يصبحون من الأهداف السهلة لهجومات الوباء، أو يجري إيقافهم وتطبيق القانون في حقهم حفاظا على سلامة الجميع. تمضي الأيام بالنسبة للمترددين في المكوث في منازلهم كئيبة ومضجرة، لا تكسر رتابتها غير إطلالة محمد اليوبي، مدير مديرية الأوبئة ومكافحة الأمراض بوزارة الصحة، الذي فاقت شهرته مقدمي النشرات الجوية والنتائج الرياضية، إذ يظهر كل مساء على القنوات التلفزيونية الوطنية، ليخبرنا بوضعية الوباء في بلدنا، والتي غالبا ما يطبعها التفاؤل الحذر، خصوصا مع تزايد حالات الشفاء بين المصابين. لكن لا بد من الإشارة إلى أن الوضع مثل البحر فيه مد وجزر. لكن المعطيات المطمئنة، تجعل المتضايقين من الحجر الصحي يستبشرون بقرب انفراج الأزمة ومعانقة "الحرية" من جديد.
وفي انتظار أن يتحقق هذا الحلم، الذي تشتغل من أجل بلورته على أرض الواقع الأطر الطبية والتمريضية المغربية، في مختلف المراكز الاستشفائية بالمملكة، وفي أجواء يطبعها احترم شروط السلامة، استقت "الصحراء المغربية" شهادات لمعظم الصامدين في بيوتهم، حول مدى تعايشهم مع هذا الواقع الجديد في حياتهم.
في هذا الصدد، قال عبد الناصر لقاح، أستاذ جامعي بفاس، إنه بات يستيقظ متأخرا خلال هذه الفترة، وبعد أن يطلع على الأخبار، ينصرف إلى القراءة اليومية، التي تدوم ساعتين أو ثلاث ساعات، وبعد تناول الغداء، يفتح جهاز التلفزيون لمشاهدة فيلم سينمائي أو وثائقي، وعندما يشعر بشيء من التعب يستمع إلى الموسيقى أو يقيّل قليلا.. ثم يشرع في إعداد الدروس التي يبعث بها إلى طلبته كل يوم اثنين. بدورها، وصفت أمينة إسحاقي، وهي شاعرة وروائية من الأطلس المتوسط، مكوثها في البيت بـ"الاعتكاف المفيد"، معتبرة إياه فرصة سانحة للعودة إلى الذات ومساءلتها، للوقوف عند بعض الأسئلة الوجودية وإعادة ترتيب الحياة. وقالت إنها تقضي يومها بين العمل المنزلي وما يتطلبه ذلك من إعداد الطعام الصحي، خصوصا أنه لم يعد ممكنا الاعتماد على المطاعم أو الأكلات السريعة كما كان يحصل قبل الإعلان عن الوباء، وبين عملية التعقيم المتكررة والمنتظمة، حسب التعليمات والنصائح التي تمنحها الجهات المختصة.
أما مصطفى الصوفي، شاعر بمدينة خريبكة، فقال إنه يقضي أيام الطوارئ الصحية بين القراءة والكتابة، معتبرا تثقيف الروح والقلب، في هذه اللحظات الصعبة التي نعيشها حاليا، بمثابة المفصل الجميل والممتع، الذي يجمع شتات الأحاسيس، والالتزام بالعمل اليومي الدؤوب، ولو من بعيد. من جهته، تكلم حسن قادري، منسق جمعية "بيتي" بالصويرة، بلسان الفلاسفة الكبار، وقال "إننا نكتشف تحت وطأة هذه الظروف العالمية الحالكة قيمة ومكانة القيم الإنسانية، ونستوعب أنه لا خلاص فرديا محتملا، وأن التضامن والتعاضد والتآزر من سمات المجتمعات الإنسانية، وخاصية من خصائص العيش والمصير المشترك. والأمر نفسه ينطبق على القيم الإنسانية الأخرى، مثل الحرية التي أخذها منا مؤقتا الفيروس الشبح بعد نشره الفزع بين سكان المعمور، وإكراه الناس على المكوث في منازلهم إجبارا لا طوع".

 ومن الشرق، أبلغنا بوشعيب بنيونس، رئيس جمعية العلامة الجمالية بوجدة، أن نظام الحجر الصحي أمر بفوائد متعددة، نواجه بها ما لا تسعفنا الإمكانيات بمواجهته، فأصبح المألوف محظورا، وحل محله ما كنا نعتقده مستحيلا، بحيث كان البقاء في البيت رديفا لنوع من سلب الحرية. فالباحث، والقارئ، والدارس، والأكاديمي كانوا يجلسون في بيوتهم أكثر من غيرهم، غير أن هذا الجلوس كان مرتهنا بالتزامات ثقافية معينة سرعان ما يتحررون منها ليعود كل واحد منهم إلى طباعه في الخروج، والتنقل بين الفضاءات، والانخراط في الكثير من العلاقات. وقال "منذ ما يقارب أسبوعين، عودت نفسي على نظام عسكري حبّب إلي ما كنت أراه مستحيلا، وما كنت أعتقده انحرافا عن الطبيعة البشرية المشدودة إلى الحرية والانطلاق، وهكذا ألزمت نفسي بعد أن ألزمتني التعليمات بالبقاء في البيت بنظام تتخلله أوقات معينة لأداء بعض الواجبات، فخصصت الأيام الخمسة الأولى من الحجر في مراجعة كل الوثائق والكتب الموجودة في مكتبتي ومكتبي بالترتيب، والتمزيق، وإعادة الكتابة، وتصنيف المحتويات في رفوف وملفات وفق هندسة تراعي طبيعة اشتغالي، ومشاريعي". ومهما اختلفت شهادات الناس حول تجربتهم مع فترة الحجر الصحي، فإنها أثبتت مع مرور الوقت أنها ضرورية ولا محيد عنها لمنع تفشي فيروس كورونا المستجد في بلدنا.




تابعونا على فيسبوك