في إطار الجهود المستمرة للارتقاء بأداء المدرسة العمومية وتعزيز جودة التعلمات، تواصل وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة تنفيذ مشروع "مدارس الريادة" في المؤسسات التعليمية.
وقد تمكن هذا المشروع، في غضون عامين فقط، من تحقيق نتائج ملموسة، أسهمت بشكل إيجابي في تعزيز التحصيل الدراسي للتلاميذ وتحسين كفاءاتهم، وفي هذا السياق، قامت "الصحراء المغربية" بزيارة ميدانية إلى مدرسة الأوداية الابتدائية بالرباط، التي تعتمد نموذج الريادة الجديد، من أجل تسليط الضوء على الأثر الإيجابي لهذه التجربة على الأطر التربوية والتلاميذ وأولياء أمورهم.
في هذا الصدد، أكد عبد القادر حاديني، المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بجهة الرباط سلا القنيطرة، أن نموذج "مؤسسة الريادة" يعد خطوة هيكلية وجوهرية في تنزيل خارطة طريق الإصلاح التربوي 2022-2026، وهو ما يعكس التزام الوزارة بتطوير القطاع التعليمي بشكل متكامل، عبر أهداف استراتيجية تروم تحسين الأداء التربوي للمؤسسات التعليمية، وتعزيز جودة تعلمات التلاميذ، وتفعيل أدوار الأطر التربوية بالمؤسسة .
وأبرز حاديني، في تصريح لـ"الصحراء المغربية"، أن تجربة "مدارس الريادة"، والتي تشمل حاليا 626 مؤسسة تعليمية ابتدائية، حققت تقدما ملحوظا في غضون سنتين من انطلاقها، مشيرا إلى أن هذا التقدم كان واضحا بشكل خاص في تحسين التحصيل الدراسي للمتعلمين، خصوصا على مستوى اللغات والرياضيات، وهو ما تم تأكيده في تقارير لتقييم مشروع "مدارس الريادة"، التي أنجزها كل من المرصد الوطني للتنمية البشرية، ومختبر مغرب للابتكار والتقييم، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين. وأضاف المتحدث ذاته أن نتائج التقارير المذكورة أظهرت كذلك مدى رضى المفتشين والأسر عن الأثر الإيجابي الذي حققته مدارس الريادة على مستوى الحصيلة الدراسية للموسم الدراسي المنصرم، واعتبر هذا الأمر بمثابة اعتراف بنجاح التجربة، مؤكدا أن الوزارة تواصل العمل على تعزيز المهارات الحياتية والشخصية للمتعلمين، من خلال الأنشطة الموازية والأندية التربوية، لتحقيق أفضل النتائج وتطوير المشروع.
من جهته، وصف محمد البركي، مدير مدرسة الأوداية الابتدائية، نموذج "مدارس الريادة" الذي اعتمدته المؤسسة التعليمية منذ سنتين بـ"التجربة الرائعة"، خاصة على مستوى البنية التحتية، مشيرا إلى أن المدرسة شهدت تغييرا جذريا في فضاءاتها الداخلية، مما أسهم في خلق بيئة تعليمية محفزة، مؤكدا أن هذا التحول ساهم في تشجيع التلميذات والتلاميذ على تحسين تحصيلهم الدراسي وتعزيز تفاعلهم الإيجابي داخل الأقسام.
وأشار مدير المؤسسة، في حديثه لـ"الصحراء المغربية"، إلى أن «المدرسة الرائدة» وفرت بيئة مناسبة للأطر التربوية والمعلمين للاشتغال بأريحية، معتمدين على وسائل بيداغوجية حديثة تركز على الابتكار وتعزيز التفاعل والتواصل الإيجابي بين الأستاذ والتلميذ، موضحا أن هذه المقاربة تساهم بشكل كبير في تحسين جودة التعلمات الأساسية للتلاميذ وتطوير مهاراتهم، ومبرزا أن «مدرسة الريادة» تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق النجاحات والأهداف المرجوة.
وفي السياق ذاته، أفاد البكري أن دور المدير لم يعد مقتصرا على العمل الفردي، بل أصبح يتم في إطار فريق متكامل يشمل المفتشين والأطر التربوية، وهو ما يساهم في تعزيز فعالية العملية التعليمية، مشيرا إلى أن "المدرسة الرائدة" لعبت دورا كبيرا في تطوير أساليب التدريس وتكوين الأساتذة تكوينا متينا يتماشى مع البرامج والدروس التي يتم تقديمها داخل الأقسام، كما أكد أن المشروع مكن من إشراك أولياء أمور التلاميذ في المقاربة التعليمية، إذ صارت الأسر شريكا أساسيا في تحسين أداء العملية التعليمية.
من جانبها، قالت منى علام، رئيسة جمعية أمهات وآباء وأولياء تلاميذ مدرسة الأوداية الابتدائية، إن تجربة «مدرسة الريادة» بالمؤسسة التعليمية الأوداية أظهرت نتائج إيجابية على مستوى التحصيل الدراسي للتلاميذ، موضحة أنه في بداية الموسم الدراسي الحالي تم تقييم مستوى تعلم التلاميذ، واستفادوا من دعم استمر لستة أسابيع، ما ساهم في خلق بيئة تنافسية داخل الوسط المدرسي، مشيرة إلى أن بداية التعلمات اتسمت بانخراط الأساتذة بشكل كبير في تطبيق أساليب تعليمية مبتكرة، حيث مكن استخدام الوسائل الرقمية والألعاب التعليمية من تحفيز التلاميذ في الانفتاح على الدراسة.
وفي هذا الصدد، أكدت علام أن إدخال الترفيه في المنظومة التعليمية ساهم بشكل كبير في تعزيز عملية التعلم، مشيرة، في هذا السياق، إلى أولياء الأمور انتابهم القلق في بداية التجربة، إلا أن هذا الخوف تلاشى بعد أن عاينوا أثرها الإيجابي، خاصة التقدم الملحوظ الذي حققته خلال فترة زمنية قصيرة على مستوى التعلمات، حيث كانت حصيلة النتائج مشرفة، وأظهرت تحسنا في الأداء الدراسي للتلاميذ.
وأوضحت رئيسة جمعية أولياء الأمور، في تصريحها لـ"الصحراء المغربية"، أن الألعاب التعليمية والتقنيات الحديثة المعتمدة في مدرسة الأوداية الرائدة، ساهمت في تحسين مهارات التلاميذ في الحساب والقراءة، وأفادت أن معظم التلاميذ بالمؤسسة التعليمية كانوا يواجهون صعوبة في قراءة النصوص باللغتين الفرنسية والعربية في بداية التجربة، وجزمت بأن جميع التلاميذ حاليا صاروا قادرين على قراءة النصوص، مؤكدة أن أساليب التدريس المبتكرة التي تم اعتمادها في مدرسة الريادة مكنت من تعزيز قدرة المتعلمين على التواصل والتعبير وتحقيق مستوى دراسي جيد.
وأوضحت عائشة الهناوي، مفتشة تربوية للتعليم الابتدائي بمدينة الرباط، أن التفاوتات التي شهدها مشروع "مؤسسات الريادة" في بعض الجهات أثناء تنزيله، تعود لأسباب تقنية وليست منهجية، من قبيل تأخر وصول الكراسات أو العدة الرقمية، مؤكدة أن هذه الوسائل تعتبر مكملة للعمل وليست أساسية في تقديم الدروس، التي يتم إعدادها وفقا لمنهجية بيداغوجية واضحة.
وفي هذا السياق، أشارت الهناوي إلى أن المؤسسات التعليمية التي انطلقت فيها التجربة في ظروف جيدة ومهيأة بالشكل المطلوب حققت نتائج إيجابية في تحسين التعلمات الأساسية لدى التلاميذ، مؤكدة أن الاستمرار في تطوير أداء هذه التجربة والنهوض بالمؤسسة العمومية هو مسؤولية مشتركة بين الجميع.
مدارس الريــادة.. تجربة رائــدة لتعــزيز جودة التعلــم بالمؤسســات العموميــة
وفقا لوزارة التربية الوطنية والتعليم الاولي والرياضة، يعد مشروع "مدارس الريادة" إطارا عمليا لتنزيل خارطة طريق الإصلاح التربوي 2022-2026، ويهدف إلى تعزيز التحكم في التعلمات الأساسية لدى المتعلمين، إلى جانب ترسيخ قيم التفتح والمواطنة، ويعتمد في تنزيله على مقاربة شاملة تركز على الجودة والابتكار، مع تعزيز دور جميع الفاعلين في المجالي التعلمي.
ويرتكز المشروع على مجموعة من الأسس التي تهدف إلى تحسين الأداء المدرسي وتعزيز جودة التعلم، من بينها تحسين جودة التعلمات الأساس من خلال اعتماد استراتيجيات تدريس مبتكرة تركز على الفهم العميق للمحتوى الدراسي وتطوير المهارات الأساسية، كما يعكف المشروع على تهيئة بيئة مدرسية محفزة، عبر إعادة تأهيل الفضاء المدرسي وتوفير بيئة تعليمية تشجع على التحصيل الدراسي والتفاعل الإيجابي، بالإضافة إلى ذلك، يعزز المشروع التفتح والمواطنة من خلال تنظيم أنشطة موازية تساهم في تطوير شخصية التلاميذ وصقل مهاراتهم الاجتماعية.
ويركز المشروع على تبني مقاربات مبتكرة في التدريس، مثل التدريس الصريح الذي يعتمد على تقديم الدروس بشكل واضح ومنهجي، مع التركيز على التوضيح التدريجي للمفاهيم وتقديم أمثلة عملية، فضلا عن التدرج من التوجيه المباشر إلى الاستقلالية في التعلم، كما يشمل التدريس وفق المستوى المناسب، الذي يعزز الدعم التربوي من خلال التركيز على التعلمات الأساسية وقياس تقدمها بشكل مستمر لضمان اكتساب المعارف بفعالية. وتستند ركائز "مدارس الريادة" على إصلاح المناهج الدراسية بما يتماشى مع متطلبات التعلم الفعال، وتعزيز أنشطة الحياة المدرسية بهدف ترسيخ قيم التفتح والمواطنة والانضباط، كما يركز المشروع على دعم الفاعلين التربويين، من خلال التكوين المستمر والمواكبة البيداغوجية، إلى جانب إرساء حكامة تربوية محكمة تعتمد على التتبع المستمر والتقييم لتحقيق الأهداف المرجوة.
2.626 مدرسة عمومية ومليون و300 ألف تلميذ يستفيدون من "الريادة"
يمثل مشروع "مدارس الريادة" خطوة أساسية نحو تحسين جودة التعلم في المدرسة العمومية، حيث يعتمد على مقاربات تربوية حديثة مثل التدريس الصريح والتدريس وفق المستوى المطلوب، بما يضمن نجاح جميع التلميذات والتلاميذ وفق إيقاع تعلمهم الخاص، وهو ما يعزز تكافؤ الفرص ويضمن إنصافا تعليميا حقيقيا.
وتم إطلاق هذا المشروع خلال الموسم الدراسي 2023-2024 في مرحلة تجريبية، حيث شمل 626 مؤسسة تعليمية ابتدائية عمومية، في المناطق الحضرية، وشبه الحضرية، والقروية، واستفاد منه 322 ألف تلميذ، بتعبئة ومشاركة طوعية من 10.700 أستاذ وأستاذة عاملين بهذه المؤسسات التعلمية، مع تأطير ومواكبة من 157 مفتشا ومفتشة شغل.
كما عملت الوزارة على التوسيع التدريجي لهذا المشروع، حيث ارتفع عدد المؤسسات المشاركة من 626 إلى 2.626 مؤسسة ابتدائية خلال الموسم الدراسي الحالي، ومن المرتقب أن يصل عدد التلاميذ المستفيدين برسم هذه السنة إلى 1.300.000 تلميذ، وذلك في أفق تعميم هذا المشروع وبلوغ 8630 مؤسسة ابتدائية بحلول الموسم الدراسي 2027-2028.