الصويرة تختنق بالرمال .. هل يسمع صناع القرار صرخة شباب المدينة؟

الصحراء المغربية
الأربعاء 01 أكتوبر 2025 - 10:30

الصويرة ليست مجرد مدينة، إنها أيقونة على شاطئ الأطلسي، عرفت عبر القرون بأنها مدينة الرياح، ومرفأ الثقافات، وذاكرة معمارية وفنية نادرة وضعتها اليونسكو على قائمة التراث العالمي. لكن خلف هذا البريق، تختفي مأساة يومية لا تخطئها العين: زحف الرمال الذي يخنق الأزقة والساحات، ويهدد روح المدينة.

من يزور ساحة الفنانين اليوم، لن يتعرف بسهولة على الفضاء الذي دُشن ذات يوم في احتفال رسمي بعيد العرش سنة 1993، بعد أن تحول إلى رمز للفن والإبداع. الرمال غطّت الأرضية، تسللت إلى الأروقة، وأغلقت الأبواب. الفنان المصطفى خليلي، رئيس جمعية ساحة الفنانين، يصف المشهد بكلمات موجعة: "الريح الشرقي يجتاح الصويرة كلها بالرمال، وليس فقط الساحة. هذه المعضلة البيئية تمنعنا من فتح الأروقة والمساهمة في الأنشطة الثقافية والفنية والاجتماعية التي تميزت بها المدينة طيلة تاريخها".

 

حصار  يومي

مع كل صباح، تصل الرياح الشرقية محملة بآلاف الأطنان من الرمال. تغطي الساحات، تحتل الشوارع الرئيسية، وتسد أبواب الفنادق ودور الضيافة. حتى مداخل المقابر لم تسلم. المقاهي والمتاجر تضطر يوميا لإزالة الرمال قبل استقبال زبائنها. سكان المدينة باتوا يرون في هذه الظاهرة أكثر من مجرد إزعاج، إنها معركة يومية مرهقة، تقضم تفاصيل الحياة العادية، وتشوّه صورة المدينة أمام الزوار والسياح.

زحف الرمال ليس حدثا عرضيا. إنه جزء من حلقة أوسع من التحديات: تغيّر المناخ الذي يضرب السواحل، تآكل الشواطئ، وغياب الأحزمة النباتية التي كانت تحمي المدينة. خبراء البيئة يحذرون من أن الوضع سيتفاقم إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة. الحلول موجودة: تثبيت الكثبان الرملية، وزرع حواجز نباتية تتحمل الرياح، وإعادة تأهيل الساحات والفضاءات العامة، وإقامة حواجز صناعية مدروسة. لكن هذه الحلول تظل رهينة غياب إرادة سياسية قوية، وتنسيق مؤسسي جاد.

 

خطة شاملة

ما يحدث في الصويرة لا يهدد فقط النشاط الاقتصادي أو الحياة اليومية للسكان، بل يضرب في العمق هوية المدينة. التراث المعماري والإنساني الذي جعلها وجهة عالمية أصبح في مهب الريح. الرمال تغطي المعالم التاريخية، وتحوّل الفضاءات العامة إلى أماكن مهجورة. الصمت أو التأجيل في مواجهة هذا الخطر يعني ببساطة خسارة رصيد حضاري تتقاسمه البشرية.
الوقت ليس في صالح الصويرة. ما تحتاجه المدينة اليوم خطة شاملة تتجاوز الوعود الفضفاضة: برنامج بيئي متكامل، ميزانية واضحة، وحملات تحسيسية تشرك السكان في حماية مدينتهم. الكرة الآن في ملعب السلطات المحلية والوطنية، والهيئات المنتخبة، والجمعيات المدنية، قبل أن يصبح الحديث عن إنقاذ الصويرة مجرد ذكرى.

الصويرة، التي صمدت لقرون في وجه الرياح والتيارات، لا يمكن أن تُترك اليوم رهينة الرمال. إنقاذها ليس خيارا ثانويا، بل مسؤولية تاريخية وأخلاقية. بين أيدي صناع القرار مفترق طرق: إما التحرك العاجل لحماية هذه الجوهرة الأطلسية، أو ترك الرمال تدفن روحها شيئا فشيئا.




تابعونا على فيسبوك