شهد اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، أمس الأربعاء، استمرار الجدل حول صفقات الأدوية، إذ في الوقت الذي دافع فيه أمين التهراوي، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، عن نزاهة مساطر وزارته، موجها اتهامات مباشرة لـ"لوبيات قوية" بمحاولة الضغط على النقاش العام لتضارب المصالح.
وقدم سمير أحيد، المدير العام للوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية (AMPS)، معطيات مفصلة حول إشكالية دواء البوتاسيوم (KCl) واللجوء إلى التراخيص الاستثنائية لضمان الأمن الدوائي، تشبثت فرق المعارضة بمطالبتها بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الموضوع وما يرتبط بارتفاع أسعار الأدوية، مؤكدة ضرورة تطوير الصناعة الوطنية لضمان السيادة الدوائية. بينما رحبت فرق الأغلبية بإحداث الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية ودورها في مواجهة تحديات الأمن الدوائي، لكنها أشارت إلى الإشكاليات التي تعرفها أثمنة الأدوية وضرورة دعم الصناعة الدوائية المحلية.
وفي رده على هذا الجدال، أكد التهراوي أن جميع الصفقات التي تبرمها الوزارة "تمر عبر طلبات عروض شفافة وتحترم القانون"، مشددا على أنه لا يقبل أي خلل في هذه المساطر.
وقال التهراوي "لست ألعب بصحة المواطنات والمواطنين"، مطالبا بتقديم الدليل لمن يدعي وجود خرق للقانون أو منح طلبات عروض بشكل غير قانوني. وأضاف في هذا الصدد، "إذا كان شي واحد عندو دليل أن الإدارة ما احترمتش القانون، يجيب لينا الدليل. وإلى كان شي واحد عندو دليل أنني كوزير عطيت طلب عروض لشي حد يجيب الدليل".
وأوضح الوزير أن تدبير الصفقات لا يقوم به شخص واحد، بل عبر إشراك مجموعة من المتدخلين والمراقبين، وكل طرف يتحمل مسؤوليته، مذكرا بأن المؤسسات الدستورية للرقابة، مثل المجلس الأعلى للحسابات ومجلس المنافسة، هي المخولة بمتابعة هذه الملفات، وأن توجيه الاتهامات دون دليل يشكل "مسا بمصداقية هذه المؤسسات".
كما كشف التهراوي أنه يتعرض لـ"محاكمة النوايا" منذ مجيئه إلى الحكومة، خاصة في ملفات الصفقات، مؤكدا أن فتح مجموعة من الأوراش في القطاع، كالتغذية والاستقبال والحراسة، يجعل من الطبيعي أن تواجه الوزارة بـ"لوبيات قوية جدا" تملك قدرة كبيرة على التأثير وتوجيه النقاش العام لخدمة مصالحها الخاصة على حساب المصلحة العامة.
وشدد الوزير على ضرورة الانتباه إلى المغالطات وتأثير هذه اللوبيات، داعيا إلى أن "يبقى النقاش مبنيا على الحجج والدليل، وباش نجو نحطو قول بلا أدلة هاد الشي كيخلق الفوضى. خاصنا نتكلمو بالدليل".
وفي ما يتعلق بصفقة تزويد السوق بمادة "البوتاسيوم" (KCl)، أوضح الوزير أن السوق كانت تعتمد على شركة محلية واحدة قامت بإصلاحات داخلية، ما فرض إعادة الترخيص وفق القانون، وأن الوكالة رفضت منح الترخيص في مرحلة معينة لعدم توفر المعايير، مبرزا أن الهدف الوحيد للوزارة والوكالة هو "ما يكونش انقطاع... ماشي نعطيو الامتياز لشركة على حساب أخرى".
وأكد المسؤول الحكومي أن شركة محلية ثانية بدأت بدورها إنتاج المادة، وعملت الوكالة على تسريع مسطرة الترخيص لها لتفادي الانقطاع، نافيا أن يكون هناك تحكم لشركات محدودة في سوق الأدوية الذي يضم أكثر من 50 شركة.
كما أفاد الوزير أن الأرقام المتعلقة بالصفقات السابقة واضحة ومتاحة على البوابة العمومية.
وبخصوص الربط بين رخص الأدوية (AMM) ومنح الصفقات، أكد الوزير أن هذا الربط "خطأ"، موضحا أن الحصول على الرخصة لا يمنح امتيازا تلقائيا في الصفقات، وأن "الشركات التي تتوفر على صفقة هي التي تقبل على طلب الترخيص المؤقت"، وأن الأهم هو توفر الدواء في السوق. كما أكد أن الوكالة الوطنية للأدوية مستقلة، وليس للوزير أي علاقة بملف التراخيص.
من جهته، استعرض سمير أحيد، المدير العام للوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، آلية الترخيص الاستثنائي للاستيراد كإجراء استباقي لتفادي انقطاع الأدوية الحيوية، خاصة دواء كلورور البوتاسيوم (KCl)، الذي توقف إنتاجه مؤقتا لدى المنتج المحلي بسبب أعمال إعادة التأهيل.
وكشف أحيد أن الوكالة سجلت 529 ترخيصا استثنائيا للاستيراد في عام 2024، لتتراجع إلى 319 ترخيصا حتى أكتوبر 2025 بفضل إجراءات تصحيحية، كتحسين تتبع المخزون وفرض احترام المخزون الاحتياطي الإلزامي، وتسريع دراسة ملفات التسجيل لتقليل الاعتماد على هذه الآلية الاستثنائية.
وقال أحيد إن إحداث الوكالة، يأتي ضمن ورش إصلاحي عميق في قطاع الصحة يهدف لتقوية الأمن الصحي، وتحسين الحكامة، وضمان استمرارية العلاجات وجودتها، مع تعزيز السيادة الصحية والدوائية، مضيفا أن الوكالة تعتبر مؤسسة عمومية استراتيجية مكلفة بضمان الأمن الدوائي الوطني.
كما أبرز أن الوكالة تتكلف بتنظيم وتتبع سوق الدواء والمنتجات الصحية، ومراقبة الجودة والسلامة والفعالية خلال دورة حياة الدواء، ثم رصد الانقطاعات والتدخل الاستباقي لتأمين توفر الأدوية الأساسية، وكذا تعزيز التصنيع المحلي ودعم السيادة الدوائية.
وبخصوص إشكالية دواء كلورور البوتاسيوم (KCl)، أكد أحيد أهمية الدواء، حيث يعتبر من الأدوية الحيوية، ويستخدم بشكل خاص في أقسام الإنعاش وطب القلب، مفيدا أن توفر الدواء واجه تحديا وطنيا وخطر اضطرابات نبض القلب في حالات نقص البوتاسيوم الحاد.
وأوضح أن خط إنتاج الحقن توقف بسبب أشغال إعادة بناء الوحدة الصناعية الخاصة بالأشكال الحقنية، وكذا بسبب تبادل متكرر للوثائق التقنية بين المؤسسة والجهات التنظيمية خلال سنتي 2023 و 2024، فضلا عن كون نتائج أولية للتفتيش في فبراير 2025، أظهرت عدم جاهزية بعض التجهيزات الأساسية (مركز الوزن، فضاء أخذ العينات، تجهيزات التعقيم)، ليتم السماح بعد الزيارات المتعددة، باستغلال الوحدة الجديدة بتاريخ 28 ماي 2025.
وبالنسبة لتدخلات الوكالة لضمان توفر KCl، قال أحيد إنه تم تفعيل الترخيص الاستثنائي للاستيراد عند الضرورة، من خلال الدراسة العاجلة للطلبات، ومنح التراخيص بشكل فوري لتأمين المخزون الوطني، موضحا أن الوكالة قامت بتقييم مستمر للملفات التقنية خلال مرحلة إعادة التأهيل، وتعبئة فرق التفتيش للقيام بزيارات متقاربة وفق المعايير التنظيمية. كما قامت بتنسيق مستمر مع مديرية التموين والمؤسسات الصحية لتتبع المخزون وتحديد الاحتياجات العاجلة وضمان التزويد المنتظم لأقسام الإنعاش والطب الاستعجالي، والتزمت بالتسريع المرتقب لدراسة تحيين الإذن بالعرض في السوق (AMM) فور إيداعه، بهدف عودة الإنتاج الوطني واستقرار السوق.
وفي ما يتعلق بتفاصيل الترخيص الاستثنائي للاستيراد، شدد أحيد أنه وفق القانون بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة (المادة السابعة المتعلقة باستيراد الأدوية غير المتوفرة، والقانون المتعلق بمهام الوكالة في ضمان توافر الأدوية)، فإن هذا الترخيص يتميز بالطابع الاستثنائي ويمنح فقط في الحالات التي تستوجب ضرورة علاجية مؤكدة لدواء موصوف غير مسجل بالمغرب، مؤكدا أنه يتم اللجوء إلى هذا النوع من الترخيص، في حالة ما إذا كان تم وصف دواء ضروري لا يتوفر في السوق المغربي، أوفي حالة استعجالية تهدد حياة المريض، ثم في حالة طلبات من المؤسسات الصحية أو صفقات عمومية في حالة دواء غير مسجل أو في حالة فقدان، أو انعدام البديل العلاجي.
وأكد أحيد أن إجراءات الوكالة الاستباقية مكنت من تفادي انقطاع دواء حيوي يستعمل في الحالات القلبية الحرجة، وضمان عودة الإنتاج الوطني بعد تأهيل الوحدة الصناعية.