في أجواء الصيف الحارة، يتوجه الكثير من المراهقين إلى الشواطئ الرملية والوجهات السياحية برفقة أسرهم للاستمتاع بالعطلة الصيفية بعد عام شاق من الدراسة والتحصيل، بينما يتخذ بعض أقرانهم مسارا مختلفا، حيث يجد هؤلاء أنفسهم مضطرين للعمل صيفا بدلا من الاستجمام والسفر، هم طلاب قاصرون يحملون أحلاما وتطلعات بمستقبل أفضل غير أن الحياة وضعتهم في سكة التحدي والمثابرة لتحقيق ذواتهم ومساعدة أسرهم على تغطية تكاليف المعيشة على حساب الاسترخاء وقضاء إجازة الصيف في الاستجمام.
تشير الساعة إلى السابعة صباحا، تستيقظ نجية، البالغة من العمر ستة عشر ربيعا، بأحد المنازل العتيقة بحي الخبازات في مدينة القنيطرة، تتناول فطورها سريعا وتجهز نفسها للانطلاق إلى بيت مشغلتها وسط المدينة، سيدة عاملة لديها ثلاثة أطفال تحتاج إلى المساعدة في الأعباء المنزلية والعناية بالأولاد، تحضر أدوات التنظيف والتجهيزات اللازمة لإتمام المهام المنزلية وتبدأ يومها في ترتيب الأثاث وتلميع البلاط قبل أن تجهز الفطور للأطفال.
بنيتها الجسدية القوية التي لا توحي بصغر سنها، ما يجعل نجية مطلوبة للعمل في مساعدة ربات البيوت أو العاملات في منطقتها، لاسيما خلال فصل الصيف حيث يكف الأبناء عن الذهاب إلى المدرسة ويبقون في المنزل وهو ما يزيد الأعباء على هؤلاء النسوة، غير أن نجية تعمل بجد وتفان وتساعدهن في أدق التفاصيل لضمان نظافة المنزل وترتيبه والمساهمة في التخفيف من ضغوطات حياتهن اليومية.
تقول نجية، التلميذة في سنة أولى سلك ثانوي والمتحدرة من أسرة متواضعة، إنها اعتادت استثمار عطلتها الصيفية في العمل المنزلي لحاجتها الملحة للمال من أجل اقتناء الملابس والكتب لبدء العام الدراسي، مشيرة إلى أنه رغم التعب الذي تشعر به بعد الانتهاء من العمل المضني إلا أنها سعيدة ومفتخرة بتجربتها التي اكتشفت من خلالها قدراتها وأهمية تحقيق الذات ودعم الأسرة في تكاليف الحياة.
ورغم العائدات المالية التي تجنيها من عملها الموسمي، فإن نجية أكدت في حديثها لـ»الصحراء المغربية» أن استكمال الدراسة يعد أولوية بالنسبة لها وتسعى جاهدة للتفوق والحصول على نقط جيدة تخولها الالتحاق بأحد المعاهد العليا للإدارة والتسيير ما سيمكنها من ولوج سوق الشغل من أبوابه الواسعة لتحقيق طموحاتها في تحسين واقعها المعيشي . وفي الوقت الذي اقتاد القدر نجية الفتاة الطموحة إلى العمل في أحضان أسر تراعي صغر سنها وحاجتها للمال، ولم تواجه أي صعوبات أو استغلال كيفما كان نوعه من قبل أرباب العمل، كشف يحيى البالغ من العمر 17 سنة، عن واقع مختلف تماما عن العمل الموسمي خلال فصل الصيف، وما يتعرض له طلاب الثانويات من بعض ظروف العمل القاسية، والتي تنعكس على صحتهم الجسدية والنفسية وكذا تؤثر على تحصيلهم الدراسي.
كان يحيى يضطر للعمل خلال الإجازة الصيفية منذ سن الثانية عشرة بعدما تخلى والده عن مسؤولياته تجاه أسرته نتيجة الطلاق، ليجد نفسه يتنقل بين الوظائف البسيطة، تارة يشتغل في دكان لبيع المنتجات الغذائية حيث يحمل قنينات الغاز ويوصلها إلى بيوت الزبائن وتارة أخرى في محل للخياطة أو إصلاح السيارات، لينتهي به المطاف في العمل كنادل بالمطاعم والمقاهي التي تعرف إقبالا منقطع النظير خلال فترة الاصطياف وهو ما يزيد الإرهاق والعبء على الفتى المراهق.
يقول يحيى في حديثه لـ»الصحراء المغربية» إنه يحلم كل صيف أن تتاح له الفرصة للسفر وقضاء أوقات ممتعة برفقة والدته وأشقائه على الشاطئ، وبدلا من ذلك يجد نفسه يتنقل بين المطبخ وقاعة المطعم الذي يشتغل فيه لتقديم المشروبات والوجبات السريعة وتحمل المزاجات المتقلبة للزبناء، وفقا لتعبيره، مشيرا إلى أن العمل الصيفي يمكنه من جني المال ومساعدة أسرته لكن ذلك يكون على حساب أحلامه وصحته النفسية والجسدية.
وفي هذا السياق، أشار يحيى إلى أنه يجب عليه العمل لساعات طويلة دون استراحة كافية لتناول الطعام أو الراحة، وهذا كان يؤثر على صحته ونموه الجسدي، ناهيك عن الأجر الزهيد الذي كان يحصل عليه مقارنة بالجهد الذي يبذله الفتى المراهق، ولم يكن هناك أي زيادة في الأجر بالنسبة للساعات الإضافية التي يعملها، معتبرا هذا الأمر استغلالا لصغر سنه وفقره. علاوة على ذلك، كانت ظروف العمل سيئة للغاية حيث لم يتلق يحيى أي تدريب أو توجيه مناسبين من أرباب العمل وهو ما كان يزيده ضغطا وتوترا للقيام بالمهام المطلوبة منه على أكمل وجه وبسرعة ودقة عاليتين، موردا في هذا الصدد، أنه حاول في بادئ الأمر مقاومة هذه الظروف الصعبة لكن سرعان ما بدأت الآثار السلبية تظهر على صحته ونفسيته، وبدأ يشعر بالتعب المستمر وعدم الرضا عن الوضع، لكن «ما باليد حيلة» يختم طالب الثانوية حديثه لـ»الصحراء المغربية».
من جهتها، قالت وديعة العماري، المحامية والناشطة الحقوقية، إن القانون المغربي يمنع توظيف الأطفال ولا قبولهم للعمل لدى المقاولات أو المشغلين قبل بلوغهم سن 15 عاما كاملة مع أخذ الموافقة من أولياء أمورهم، وفقا للفصل 143 من مدونة الشغل، كما يحظر أيضا تشغيل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 سنة ليلا، أما بالنسبة للأطفال الذين يبلغون ست عشرة سنة ويعملون ليلا فيتعين على المشغل أن يمنحهم راحة لا تقل عن 11 ساعة بين كل يومي عمل، وأن يضمن أن العمل لا يؤثر على نموهم أو صحتهم. وفي حالة مخالفة هذه الأحكام، تشير وديعة العماري في تصريحها لـ»الصحراء المغربية»، إلى أنه تترتب على ذلك عقوبات بغرامات مالية تتراوح بين ألفين و30 ألف درهم وفي حالة العود تضاعف الغرامة والحكم بحبس تتراوح مدته بين 6 أيام و3 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبيتن.
وأكدت أن حماية العمال القاصرين البالغين السن المحددة في مدونة الشغل تتم باحترام مقتضيات القانون وتوفير جميع الإجراءات اللازمة لضمان سلامتهم الجسدية، كما يجب أن يتم تسجيلهم لدى مؤسسات التأمين والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كعمال موسميين.
وتابعت العماري أنه يتعين على مفتش الشغل أن يكون حازما في مراقبته للمقاولات وأرباب العمل، وألا يتسامح إذا تم اكتشاف أي حالة يعمل فيها الأطفال في ظروف تخالف مقتضيات قانون الشغل، حيث أن مفتش الشغل يبقى المسؤول الأول بعد المشغل عن حماية حقوق العمال الموسميين القاصرين.
أسماء إزواون