أصوات محركات الجرافة تعلو في مكان الحادث، وأعين دامعة وأخرى ملؤها الحزن والأسى على من قضوا نحبهم، وأيادي من عائلات الضحايا تنظر للركام وتراقب عن قرب ظهور بعض المعدات المنزلية التي لازالت صالحة للاستعمال للاحتفاظ بها وإعادة استعمالها، فيما خفة عناصر الوقاية المدنية تتجه لجمع قنينات الغاز درءا لأي انفجار محتمل...
مشاهد محزنة تخيم على مكان سقوط حادثة البنايتين ب حي "المستقبل" التابع لمنطقة "المسيرة" بمقاطعة "زواغة" التابعة بدورها لجماعة فاس، بعد ليلة دامية خلفت وفاة 22 شخصا أغلبهم سلموا أرواحهم للخالق تعالى في حينه تحت الأنقاض، فيما بعضهم ورغم المجهودات الطبية وافتهم المنية.
غليان واستنفار كبير في مختلف المصالح
قبل أن تدق الساعة منتصف الليل، سارع سكان بنايات مجاورة للخارج خوفا على حياتهم بعد أن وصل إلى أسماعهم اهتزاز بالجوار اعتقدوا أنه هزة أرضية جديدة، لكن المفاجئة كانت لا تتصور ومشهد لا يرونه كل يوم، إذ رغم الظلام الحالك ارتفعت في السماء سحابة من دخان الأتربة والركام، تطلب بضع دقائق من أجل تبيان ما وقع...
وقبل وصول عناصر الوقاية المدنية والأمنية والسلطات المحلية ولاحقا باقي المصالح المتدخلة، سارع سكان الحي نحو الركام في محاولة لإنقاذ الأرواح وتقديم الإسعافات للمصابين، خصوصا من بعض الشباب الذين كانت تجمعهم علاقة صداقة ببعض القاطنين بالبنايتين...
هي دقائق معدودة تجمع فيها سكان الحي بجوار مكان الحادث وأيديهم فوق أنوفهم من شدة الغبار الذي تصاعد في السماء، فيما أطلق بعضهم صيحات عالية حسرة وأسى على الفاجعة التي لم تكن في الحساب.
وقبل أن يستفيق سكان الحي من الصدمة انطلقت عناصر الوقاية المدنية في أداء مهامهم التي تعودوا عليها، فيما سارعت القوات العمومية الأمنية والسلطات المحلية، لفرض طوق على مكان الحادث، وإفراغ على وجه السرعة البنايتين اللصيقتين بالبنايتين المهدمتين، من أجل تسهيل مهمة الإنقاذ ونقل الجرحى إلى المستشفى، وانتشال الجثث من تحت الأنقاض.
جرافات وسيارات الإسعاف تصل لمكان الحادث
ازداد شدة الضغط على مكان الحادث والسرعة القصوى التي عملت بها فرق الإنقاذ بقيادة عناصر الوقاية المدنية، قبل أن تصل الجرافات التي استعملت لرفع الأثقال والركام الثقيل، فيما تجندت سيارات الإسعاف لنقل المصابين وتقديم الإسعافات للحالات الحرجة في عين المكان قبل نقلهم للمستشفى لإكمال عملية علاجهم...
بالمركز الاستشفائي الجامعي "الحسن الثاني"، تعبأت الأطقم الطبية لاستقبال سيارات الإسعاف التي نقلت الجرحى والحالات الخطيرة إلى قسم المستعجلات، فيما وجهت المصابين الذين لا يعانون إصابات خطيرة للعلاج.
أفراد أسر الضحايا في حسرة وألم عميقين
فور العلم بالحادث، دبت الحسرة والألم العميقين في نفوس أفراد أسر الضحايا، من بينهم أسرة كانت تقطن بأحد البنايتين، كانوا في الخارج لتقديم التعازي لعائلة ما، شاءت الأقدار والألطاف الإلهية أن ينجوا من الحادث، لكن الصدمة كانت لا توصف وهم يتابعون وضعية باقي أفراد الأسرة الذين كانوا داخل البناية...
هي ثمانية أسر كانت تقطن بالبنايتين، حسب ما سجل لدى السلطات المحلية، منهم من كان داخل البناية ومنهم من كان خارجها لظرف ما (العمل، السفر...)، خصوصا أن هذا الأسبوع يتزامن مع عطلة مدرسة، ليعودوا مرة أخرى ويجدون منازلهم تحولت إلى ركام، وتدمرت أشياؤهم ومقتنياتهم المنزلية، وفق كل ذلك فقدانهم أفراد أسرهم الذين لبوا نداء الخالق تعالى.
أشعة شمس صباح الأربعاء تكشف هول الفاجعة
هي سويعات من العمل المستمر قضاها عناصر الوقاية المدنية والأمنية والسلطات المحلية والمتطوعون دون أن يغفل لهم جفن، بحثا عن أحياء وسط الركام من إسمنت وحديد ورمل، قبل أن تضيء أشعة شمس الصباح البارد القليلة، المكان وتكشف هول الفاجعة، وتعري الواقع الذي تعيشه باقي البنايات بالمكان الشبيهة بالبنايتين اللتان سقطتا عن آخرهما.
وواصلت جرافتين عملهما الدؤوب لإزاحة الركام ووضعه جانبا، فيما عناصر الوقاية المدنية تتابع بحثها عن أي أحياء أو جثث تحت الأنقاض، ومن جانب آخر تبحث السلطات المختصة في المكان عن الأسباب الحقيقة التي أدت إلى إزهاق الأرواح وإصابة آخرين، وتدمير ممتلكات ثمانية أسر...
البحث عن الأسباب مع ارتفاع حصيلة الضحايا
بمجرد وقوع الحادث، سجل 9 إصابات، وما هي إلا دقائق معدودة بدأت معها عدد الضحايا في تصاعد مستمر، في البداية سجل وفاة أربعة أشخاص، ثم 8 أشخاص، وارتفع العدد إلى 13 شخصا، ثم إلى 19 شخصا وفي وقت الظهيرة ارتفع العدد إلى 22 شخصا من بينهم 8 أطفال...
وانطلقت أسئلة المحققين والسلطات المختصة، للبحث عن أسباب الحادثة، إذ المعطيات الأولية تؤكد أن البناية يعود إحداثها لسنوات قليلة ماضية، برخصة بناء طابقين فقط (بدون مرآب)، غير أن أحد البنايتين المتلاصقتين أصبح يضم علوه أربع طوابق والآخر خمس طوابق، بطبيعة الحال تقول مصادر من عين المكان بدون الحصول على ترخيص لإضافة الطوابق.
مشهد صادم بالحي وأحياء أخرى بمقاطعة "زواغة"
إن البحث عن الأسباب الحقيقية لسقوط البنايتين، يكشف تفاصيل صادمة، فالحي يقع بجاور أحياء أخرى ب منطقة تعرف ب "المسيرة" واقعة بنفوذ مقاطعة "زواغة" التي يفوق تعداد نسمتها 300 ألف، تعاني العديد من أحيائها من نقض في الولوج إلى الخدمات والمرافق الضرورية.
نظرة بانورامية عن الجي وأحياء أخرى، تعكس نفس الوضع، فالعديد من البنايات السكنية تشبه البنايتين اللتان سقطتا، ليتجدد طرح الأسئلة حول مصير سكان هذه البنايات وكيف تم إضافة الطوابق...؟
هي فاجعة جديدة لسقوط بنايات مهددة إما ب الانهيار أولم تحترم الضوابط القانونية للتعمير، تضاف إلى حادثة أخرى عاشتها مدين فاس شهر ماي الأخير بمقاطعة "المرينيين"، إثر حادثة سقوط بناية مشكلة من ستة طوابق سبق وظهر عليها آثار تصدعات وشقوق، خلفت وفاة 9 أشخاص والعديد من الجرحى.
فاس: محمد الزغاري