العنف الرقمي.. اتساع دائرة الابتزاز والتشهير في زمن المنصات وغياب حماية فعالة للنساء والفتيات

الصحراء المغربية
الخميس 27 نونبر 2025 - 11:46

مليكة، شابة في الثامنة والعشرين من عمرها تعمل في معمل للخياطة، وجدت نفسها في قلب تجربة قاسية بعدما تحولت علاقة عاطفية سابقة إلى مصدر تهديد وابتزاز، فبعدما قررت وضع حد للعلاقة، تفاجأت بشريكها السابق يساومها على نشر صور حميمية كانت قد تبادلتها معه خلال فترة ارتباطهما، مقابل مبالغ مالية.

تقول مليكة إن أول طلب للمعني بالأمر كان ألف درهم، قبل أن يرتفع إلى ثلاثة آلاف درهم، ما جعلها تدرك أن الاستجابة لابتزازه لن تكون نهاية المطاف، وأن مسلسل التهديد سيستمر كلما دفعت، هذا الامر جعلها تلجأ إلى أحد أقاربها وروت له تفاصيل ما تتعرض له، فبادر هذا الأخير إلى الاتصال بالمبتز وتحذيره من التمادي، مهددا إياه بتقديم شكاية رسمية لدى المصالح الأمنية، وهو ما كان  كافيا لجعل المبتز يختفي ويتوقف عن ملاحقتها.
وحين سألنا مليكة عن سبب عدم توجهها مباشرة إلى الأمن، أوضحت أن خوفها من الفضيحة وكشف الأمر أمام العائلة كان يثنيها عن ذلك، مشيرة إلى أن الخوف من الفضيحة هو ما يشجع الكثير من المبتزين على الاستمرار في استغلال ضحاياهم، وأكدت على أنه وبالرغم من أن الكابوس انتهى، إلا أن آثار هذا الابتزاز ما زالت تلازمها، إذ تعيش حالة من القلق الدائم وتتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بحذر شديد، مؤكدة أن هذه التجربة خلفت لديها جرحا نفسيا عميقا لم يلتئم بعد.
14 في المائة من النساء المغربيات ضحايا العنف الرقمي: أرقام تكشف تفاقم الظاهرة 
قصة مليكة ليست سوى واحدة من بين آلاف القصص التي تعكس واقعا مقلقا للعنف الرقمي الذي يطوق النساء في المغرب، فوفقا للأرقام التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط، تبلغ نسبة النساء اللواتي تعرضن لأحد أشكال هذا العنف 14في المائة، أي ما يناهز مليون ونصف مليون امرأة، ويستهدف هذا النوع الجديد من العنف أكثر الفئات الشابة، حيث كشفت معطيات المندوبية أن 29 في المائة من الفتيات ما بين 15 و19 سنة تعرضن للعنف الرقمي، و30 في المائة من العازبات، بينما تسجل الطالبات أعلى نسبة من المستهدفات بـ30 في المائة، وحتى النساء الحاصلات على مستوى تعليمي عال لسن في مأمن من هذا العنف الذي يبلغ بينهن 25 في المائة.
ويشير المصدر ذاته إلى أن الفضاء الرقمي، وفي مقدمته "فيسبوك"، يشكل بوابة رئيسية لهذه الانتهاكات، إذ تتعرض 43 في المائة من الضحايا للاعتداء عبره، إضافة إلى المكالمات الهاتفية والرسائل النصية التي يعتمدها المبتزون كوسائل للتهديد والتشهير، أما مرتكبو هذه الأفعال، فيبقى 77 في المائة منهم مجهولي الهوية، في حين تنصرف النسبة المتبقية إلى علاقات قريبة من الضحية، كالشركاء السابقين أو الزملاء أو معارف من داخل الوسط التعليمي والمهني.
هذه الأرقام تكشف عن حجم هذه الظاهرة التي أضحت تتغذى على توسع المنصات الرقمية وضعف آليات الحماية، ما يجعل العنف الرقمي اليوم أحد أبرز التهديدات التي تطال الأمن النفسي والاجتماعي والرقمي لعدد كبير من النساء والفتيات.


عماري: مساطر معقدة وعقوبات غير كافية لمواجهة جريمة مستمرة في الزمن
في هذا الصدد، قالت الناشطة والفاعلة الحقوقية، وديعة عماري، والمحامية بهيئة الدار البيضاء، إن الإطار القانوني المغربي لا يتضمن إلى حدود اليوم تعريفا خاصا ودقيقا للعنف الرقمي، باستثناء بعض الإشارات المتفرقة داخل القانون الجنائي وفي مقتضيات القانون 103-13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، وأوضحت أن أبرز صور هذا العنف تشمل التشهير والابتزاز عبر الوسائط الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي، وهي ممارسات أضحت تمس النساء على نطاق واسع.
وأشارت المحامية في تصريحها لـ"الصحراء المغربية"، إلى أن الضحايا يواجهن عراقيل كثيرة عند محاولة تقديم الشكايات، من بينها الخوف من نظرة المجتمع ومن تكرار الخطاب المحمل للضحية مسؤولية ما تعرضت له، سواء خلال الاستماع الأولي لدى الضابطة القضائية أو أمام النيابة العامة، مبرزة أن هذه الضغوط الاجتماعية والنفسية تجعل الكثير من الضحايا يمتنعن عن تفعيل المسطرة القانونية.
وفي هذا السياق، أكدت عماري على أهمية الاحتفاظ بالمحتوى الرقمي المتعلق بالواقعة، باعتباره دليلا أساسيا، مشددة على ضرورة تفريغ هذا المحتوى لدى مفوض قضائي ضمن محضر رسمي مرفق بقرص يتضمن جميع المعطيات الرقمية، حتى يكتسب قوة إثباتية تسمح للنيابة العامة بفتح المتابعة، كما نبهت إلى أن الشكاية تودع لدى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية المختصة بحسب موطن المشتكى به، أو بحسب موطن الضحية إذا كان المشتكى به مجهول الهوية.
وسجلت المحامية أن خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف داخل المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف أصبحت تؤدي دورا محوريا في التعاطي مع ملفات العنف الرقمي، خاصة مع تنامي الظاهرة وتجاوزها فئة النساء لتشمل الرجال والقاصرين، وكذا الشخصيات العامة والمؤسسات.
وأشارت عماري إلى أن العقوبات الحالية تتراوح في أغلبها بين ستة أشهر وثلاث سنوات حبسا، إضافة إلى غرامات مالية قد تصل إلى 20 ألف درهم، فضلا عن التعويض المدني عند تنصيب الضحية طرفا مطالبا بالحق المدني، غير أن هذه الترسانة، وفقا للمتحدثة ذاتها، تبقى غير كافية أمام طبيعة الجريمة الرقمية، التي تعد جريمة مستمرة وغير محدودة زمانا ولا مكانا، إذ يمكن إعادة نشر المحتوى في أي وقت رغم تنفيذ المتهم للعقوبة وأدائه الغرامات والتعويضات.
وفي هذا السياق، أكدت المحامية بهيئة الدار البيضاء على ضرورة إصدار قانون خاص بالعنف الرقمي، يواكب التطور التقني ويقر عقوبات زجرية أكثر صرامة، تراعي حجم الأذى النفسي الدائم الذي تخلفه هذه الجرائم على الضحايا، خاصة مع إمكانية عودة المحتوى للظهور في أي لحظة، مما يجعل الضرر مستمرا لمدى الحياة بالنسبة للضحية.

ياسين أجانا: الفضاء الرقمي أعاد إنتاج العنف القائم على النوع الاجتماعي بأشكال جديدة
من جهته، اعتبر ياسين أجانا، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، أن العنف الرقمي ضد النساء لا يمثل تحولا جذريا في أنماط السيطرة الاجتماعية بقدر ما يعكس امتدادا لبنى الهيمنة التقليدية داخل فضاء جديد هو الفضاء الرقمي، ويوضح أن مظاهر الهيمنة المبنية على النوع ظلت قائمة اجتماعيا، غير أن الرقمنة منحتها أشكالا جديدة من التعبير نتيجة التحولات التقنية والثقافية التي غيرت أساليب التفاعل والتواصل داخل المجتمع المغربي.
وأشار أجانا في تصريحه لـ" الصحراء المغربية" إلى أن العنف الرقمي القائم على النوع يعد جزءا من ظاهرة اجتماعية تتغذى من الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك وواتساب، وتشمل هذه الممارسات أنماطا متعددة، منها التحرش الإلكتروني، والابتزاز، وتسريب الصور والمعلومات الخاصة، وفبركة المحتويات، ونشر بيانات مضللة بهدف التحكم أو الإخضاع على أساس الهوية أو انتماءات الجنسية.
وسجل الباحث في علم الاجتماع أن غياب الوعي الرقمي لدى فئات واسعة وضعف الثقافة التي تعلي من احترام الخصوصية وحماية المعطيات الشخصية، بالإضافة إلى سهولة مشاركة الصور والمحتويات الشخصية في ظل غياب إدراك لمخاطر إعادة استخدامها، من أبرز العوامل التي تؤدي إلى اتساع رقعة هذا النوع من العنف،  ناهيك عن هشاشة التشريعات مقارنة مع سرعة تطور التكنولوجيا، مما يخلق فراغا تنظيميا تستغله الممارسات العنيفة، خاصة في ظل انتشار الحسابات الوهمية وصعوبة التتبع التقني.
وأبرز المتحدث ذاته أن للعنف الرقمي تداعيات خطيرة على تمثلات النساء لأنفسهن، إذ ينعكس على إحساسهن بالأمان داخل الفضاء الرقمي، ويحد من مشاركتهن في النقاش العام، وقد ينتج عن ذلك أشكال جديدة من الإقصاء الرقمي، حيث تتراجع بعض النساء عن الظهور والتفاعل وتبادل الأفكار خوفا من التشهير أو الاستهداف.
وأكد أجانا أن هذه الظاهرة تندرج ضمن ما يطلق عليه بـ"الظاهرة الاجتماعية الكلية"، لأنها تمتد إلى مختلف الفئات والطبقات والأعمار، وتؤثر في الحياة الاجتماعية بكل مستوياتها، كما شدد على أن بعض المظاهر السلوكية داخل الفضاء الرقمي تتم غالبا دون وعي بالمآلات القانونية أو الأخلاقية، سواء من طرف الجناة أو الضحايا، ما يضاعف خطر الوقوع في ممارسات عنيفة أو الانزلاق نحو الإدمان الرقمي وما يرافقه من انعكاسات نفسية واجتماعية.
وعن التدابير الكفيلة بالحد من مظاهر العنف الرقمي ضد النساء، أكد أباجا على ضرورة تعزيز التربية والوعي الرقمي، وتأطير السلوكيات داخل الشبكات الاجتماعية بثقافة تحترم الحقوق والخصوصيات، كما شدد على ضرورة تطوير ترسانة قانونية تتماشى مع سرعة التحول التقني، بما في ذلك آليات حماية المعطيات الشخصية، ومعايير صارمة لتتبع الحسابات الوهمية، إضافة إلى مواكبة جهود المجتمع المدني الذي يلعب دورا محوريا في التوعية والدفاع عن ضحايا العنف الرقمي القائم على النوع الاجتماعي.

اسماء ازواوان




تابعونا على فيسبوك