تشكل ساحة جامع الفنا القلب النابض لمدينة مراكش خلال شهر رمضان المبارك، الوجهة المفضلة للعديد من المواطنين والأسر التي تفضل الإفطار خارج المنزل وزوار المدينة الحمراء، لتناول وجبات إفطار متنوعة، ومتوفرة بأثمنة مناسبة جدا، وفي متناول الجميع، وأحيانا مجانية، بمبادرة من بعض المحسنين.
ومع حلول شهر رمضان المبارك، تأخد الساحة التاريخية، المصنفة تراثا شفهيا عالميا من قبل منظمة اليونسكو، بعدا آخر يتمثل في الجانب التضامني أكثر ما هو ثقافي وفرجوي كما اعتاد عليه زوارها خلال الفترات الأخرى من السنة، سواء مع الأسر المحتاجة أو الأفراد في وضعية هشاشة، الذين يقصدونها، باستمرار، قبل حلول وقت الافطار، للاستفادة من وجبات غذائية يتم تقديمها بهذه المناسبة.
ومع عصر كل يوم من أيام رمضان، تدب في أحشاء الساحة العالمية حركة لا تتوقف من لدن أرباب المطاعم، الذين يحملون أمتعتهم المتمثلة في أواني الطبخ والمواد المستعملة، عبر عربات مجرورة ومدفوعة بالطاقة الجسدية، حيث يسوقها فردان أو أكثر، وهي ممتلئة عن آخرها، بما لذ وطاب، مستعينين بقنينات بلاستيكية كبيرة مملوءة بالمياه من أجل غسيل الأواني، يأتون في مجموعات او فرادى.
وفي دقائق معدودات، تصطف هذه المطاعم الشعبية المتنقلة المحاطة بكراس مستطيلة، وينهمك بعض أصحاب هذه المطاعم في إعداد موائد الإفطار وتزيينها بما يلزم من مأكولات تتنوع بين التمر والحريرة والمعجنات والشباكية، تلبية لحاجيات الوافدين الراغبين في اكتشاف سحر الساحة خلال الأجواء الرمضانية، مع الحرص على إطعام العديد من المحتاجين بدون مقابل، مما يعكس مدى التضامن والتكافل بين المواطنين، ويبرز المكانة التاريخية والبعد الاجتماعي لهذا الفضاء المميز.
وتتحول الساحة عند أذان المغرب إلى مطعم كبير يستقبل أعدادا كبيرة من المحتاجين والراغبين في مشاركة هذه الفئة من المجتمع في فطورها والاستمتاع بأصنافا متنوعة من المأكولات التي يزخر بها المطبخ المغربي المحضرة بعناية من قبل مختصين في جو يعمه التضامن والتكافل والاحترام.
شمس جامع الفنا لا تغيب في رمضان، هنا المطاعم الممتدة على مدى البصر، حيث تحظى هذه المطاعم المتنقلة التي جرى تنظيمها وفق تصميم موحد بإقبال متزايد للزوار من مختلف الأعمار، الذين يفضلون الإفطار بالساحة العالمية خلال هذا الشهر الفضيل بعد عرضها لأصناف متنوعة من وجبات الإفطار بكل مكوناتها التقليدية. وتتميز هذه المطاعم بطابعها الشعبي، كما أنها تثير فضول السياح الأجانب الذين يتصادف وجودهم بمدينة سبعة رجال خلال شهر الصيام.
يقول عبد المنعم، واحد من المدافعين عن نمط الحياة في ساحة جامع الفنا، في حديثه ل"الصحراء المغربية" إن ساحة جامع الفنا تشهد حركة ونشاطا غير عاديين خاصة عند اقتراب موعد الإفطار، حيث يتقاطر الزوار من أجل اقتناء ما يلزم من الحاجيات الغذائية المفضلة لديهم لتزيين مائدة الإفطار وتنويع مأكولاتهم.
من جانبه، أوضح عبد الحق بلخدير رئيس جمعية تجار وحرفيي سوق الجديد بساحة جامع الفنا، أن مرتادي هذه الساحة من الأجانب يقبلون كثيرا على أكلة "باولو" والطنجية المراكشية علاوة على اهتمامهم بمجموعة من الأكلات المقدمة بهذه المطاعم المفتوحة، في حين يفضل زوار الساحة من المغاربة، كثيرا، تناول لحم رأس الخروف وشربة الحلزون و"خودنجال" المحضرة من مجموعة من التوابل، فضلا عن الاقبال على الطاجين المغربي المحضر بطرق مختلفة سواء بالنسبة للسياح الاجانب أوالمغاربة، الى جانب وجبة السمك.
الجانب التضامني يوازيه جانب آخر تجاري وسياحي، من خلال توافد السياح الاجانب من جنسيات مختلفة على الساحة العالمية من أجل تذوق الأطباق المغربية، وتناول وجبة الإفطار داخل هذا الفضاء الشعبي المفعم بالحياة. وبعد الإفطار، تمارس ساحة التراث العالمي، بأنوارها وألوانها، إغراءها بجولة لاكتشاف سحر لياليها الرمضانية.
كانت الساعة تشير إلى الثامنة ليلا، تنقلت "الصحراء المغربية" لترصد بأم العين ما يجول ويدور في هذه الرقعة الجغرافية من خريطة مراكش، المكان هادئ والحركة بدأت تدب في كل جنبات الساحة، الحلايقية بدؤوا يؤثثون فضاءها، كل في مكانه، ينتظرون زبائنهم المعتادين. المطاعم مملوءة برواد موسميين تقطعت بهم السبل، ووجدوا فيها ما يؤنس وحشتهم، وينعش الأجساد بعد يوم طويل من الصيام.
عبد الله، نادل يعمل بمقهى ومطعم يتواجد بممر البرانس القريب من الساحة، أكد في حديثه ل"الصحراء المغربية"، أن معظم رواد المطعم هم سياح أجانب من دول غير إسلامية، لذلك يفتح أبوابه بشكل عادي خلال شهر رمضان، محترما توقيت الوجبات من إفطار صباحي وغداء وعشاء، كما أن هناك مطاعم ومقاه، تشتغل خلال هذا الشهر مقدمة خدماتها للأجانب، مبرزا أن كثيرا من الأجانب يجدون حرجا في التدخين أو تناول وجبة غداء أو ارتشاف مشروب، في وقت يكون فيه المغاربة الصائمون يحثون الخطى في ممر البرانس لقضاء أغراضهم أو قتل الوقت في انتظار أذان المغرب.
وأشار هشام، أحد أبناء حي القنارية بالمدينة القديمة التي أصبحت منازلها سكنا لكثير من الأجانب، إلى أنه يعرف بعض الأجانب المسيحيين الذين صاروا يعاندون المراكشيين المسلمين، فيصومون أياما من شهر رمضان أو يتجنبون الأكل أمام جيرانهم المسلمين، بل ويحرصون على تقليد المراكشيين في لباسهم التقليدي ونمط أيامهم الرمضانية، كما يشاركونهم فرحة الاحتفال بعيد الفطر.
وطوال الليالي الرمضانية التي يقضي فيها الساهرون مسامرات تستمر إلى وقت متأخر من الليل يستمتعون بالاجواء الرمضانية بساحة جامع الفنا الفضاء الغرائبي، الذي شكل فهرسا عريضا لمختلف التراث الشفوي والفني وفضاءا عجائبيا يختلط فيه الخيال والواقع ، بإمكان أي شخص أن يجد جو المرح الذي يريحه في حلقة من الحلقات عبر هذا الفضاء المتناثر.
وبعد صلاة التراويح، تعرف مختلف المحاور وشوارع المدينة الحمراء حركة خاصة مما يعطي لمراكش سحرا فريدا من نوعه ويساهم بشكل كبير في تنشيطها السوسيو الثقافي، وتعرف المقاهي هي الأخرى رواجا منقطع النظير من خلال اقبال عدد من المواطنين الذين يفضلون الجلوس بالمقاهي لتبادل أطراف الحديث مع الأصدقاء والأقارب حول مواضيع آنية أو حكي قصص ونكث وطرائف.