التجول بساحة جامع الفنا، القلب النابض لمدينة مراكش، في الفترات المسائية، خلال هذه الأيام، التي تعرفا انخفاضا ملحوظا في درجة الحرارة، أصبح مقرونا عند زوار الساحة التاريخية على اختلاف أجناسهم وألوانهم بما فيهم المغاربة وبالأخص المراكشيين، بتناول مشروب "خودنجال" ذات الرائحة المنسمة بالأعشاب الطبيعية، أو أكل صحن صغير يتضمن عددا من الحلزون ومرق معد بعناية كبيرة ويحتوي على مجموعة من التوابل التي تعطي طعما لذيذا بالاضافة الى كونها تمنح الجسم المزيد من الطاقة والحيوية خاصة في فصل الشتاء حيث البرد القارس.
وإذا كانت الساحة التاريخية اشتهرت بالدينامية التي تعرفها خاصة على مستوى الفرجة والترفيه التي يقدمها أصحاب الحلقة، فإن الأكل في هذه الساحة أخذ مكانه أيضا وأصبح عنصرا أساسيا ومكملا للفسيفساء التي تؤثث لهذه المعلمة التي تعد القلب النابض للاقتصاد المحلي والوجهة المفضلة للعديد من السياح سواء المغاربة أو الأجانب والتي زادت من اشعاع المدينة الحمراء على المستوى الوطني والدولي.
سحر هذه المشروبات الشعبية وإقبال زوار الساحة عليها، خصوصا المراكشيين خلال فصل الشتاء وقساوة البرد الذي يجتاح المدينة الحمراء، يجد جوابه في الأعشاب المختلفة التي تعطر هذه السوائل الشتوية، والتي تشعل حرارة الجسم بعد الإرتجافات التي تعتريها جراء الطقس البارد، والذي يزيده برودة تهاطل الثلوج على قمم وسفوح جبال الأطلس الكبير القريبة من مراكش.
"زيدني واحد الكاس لملعم"، عبارة يرددها كل من ارتشف كأسا من مشروب "خودنجال" الساحر في هذا الطقس البارد بالمدينة الحمراء، وهي نفس العبارة التي تتكرر من طرف المقبلين على بائعي "الحلزون"، والذين يحتسون كميات إضافية من مرقه.
وبالرغم من الاقبال المتزايد على تناول الحلزون، يبقى عدد مقدمي هذه الأكلة محدودا بساحة جامع الفنا وذلك لما تتطلبه من دقة في التحضير ودراية كبيرة في مقادير مكوناتها، التي تعطيها النكهة المطلوبة التي تستهوي الساكنة المحلية التي تفضل تناول هذه الأكلة بالساحة وتستحسن التلذذ بها بالهواء الطلق، رغم أن بعض السياح الأجانب وعددهم قليل، يتحفظ كثيرا من هذه الأكلة.
ويرجع رشيد شاب من مواليد 1979، أهمية مشروب خودنجال خصوصا خلال فصل الشتاء، الى تحضيرها بأعشاب قوية المفعول ، مشيرا إلى أن العرب استعملوا الخودنجال، منذ القدم حيث كانت تعلف به جيادها لتزداد حرارة ويشربونه مغليا مع الحليب ضد البرد والسعال.
وتتميز هذه الأطباق التي تنتشر في ساحة جامع الفناء التاريخية، وفي عدد من الأحياء الشعبية، خلال فصل الشتاء، باحتوائها على التوابل والمواد الدسمة التي تؤمن للجسم سعرات حرارية مرتفعة وعناصر غذائية متنوعة، حيث يتزايد الاقبال عليها في فصل الشتاء التي ينتشر فيها أمراض الزكام، ونزلات البرد الحادة، خاصة وأن الاعتقاد السائد لدى مستهلكي هذه الأطباق، أنها تقاوم البرد وتمنح حرارة وطاقة للجسم بفعل التوابل التي يتم فيها طبخ الحلزون، والخودنجال، وتضم أعشاب مختلفة وحارة.
يقول محمد الغزاوي بائع خودنجال الذي ورث الحرفة عن أبيه بساحة جامع الفنا منذ سنة 1981، خلال حديثه ل"الصحراء المغربية" عن كيفية إعداد المشروب بمنزله بمساعدة أفراد أسرته، بعد عملية شراء خودنجال وهو عبارة عن نبات عشبي دو أزهار بيضاء وحمراء، يجري طبخه جيدا في "طنجرة" كبيرة، بعد ذلك يجري إضافة القرنفل والقرفة والسكر وإعادة طبخه جيدا، ليكون بعد ذلك جاهزا للاستهلاك، وتقديمه للزبائن.
وأضاف الغزاوي البالغ من العمر حوالي 51 سنة، أن الإقبال على مشروب خودنجال يكون ضعيفا في فصل الصيف، في حين يزداد الإقبال عليه خلال فصل الشتاء، مشيرا الى أنه يجري بيع مابين 30 و40 لتر يوميا خلال أيام فصل الشتاء، وما بين 10 و15 لتر يوميا خلال فصل الصيف.
من جانبه، يشرح حسن بائع الحلزون بساحة جامع الفناء، ل"الصحراء المغربية" كيفية تحضير الحلزون، التي تبتدأ منذ الساعات الأولى من الليل، بعد الانتهاء من غسله لمرات عديدة، حرصا منه على سلامة وصحة المستهلكين، بعد ذلك يجري طبخه بإضافة مجموعة من الاعشاب من قبيل عرق سوس، ورقة سيدنا موسى ، قعقلا، بسيبيسة، الكوزة، الزعتر، فليو، العرق الأصفر، الزنجبيل.
وفي هدا الصدد، قال حسن"لطهي الحلزون، يتعين وضع كميات كبيرة من الحلزون داخل طنجرة كبيرة مملوءة بالماء، وتركها على نار هادئة مع تحريك الخليط باستمرار للتخلص من رغوته، وحين تبدأ بالغليان يتم إضافة الكثير من أنواع الأعشاب المنسمة، قبل أن تصبح جاهزة للاستهلاك".
وتبقى تجارة الخودنجال والحلزون من التجارات التي تمتد على طول الموسم بساحة جامع الفنا، ويكثر الاقبال عليهما خلال ايام فصل الشتاء ولهما زبناؤهما الكثيرون، فتجارة بيع الحلزون، التي يقوى عليها الطلب في هذا الفصل لاستعمالها في معالجة نزلات البرد، كما أنها تدفئ الجسم، وتحتوي على أعشاب صحية، يشعر المرئ بالدفء والراحة، ويساعد مشروبه على مواجهة نزلات البرد الشديدة.
وحسب الأبحات التي أجريت في الميدان الغدائي، فإن القيمة الغذائية للحلزون غنية وتحتوي على الأملاح الدقيقة مثل المغنيزيوم، والفوسفور،والبوتسيوم ، والزنك والنحاس والسيلينيوم، ومن بين الفيتامينات التي يمتاز بها الحلزون النياسين والفيتامين E و B2 والفيتامين B6 والفيتامين B12وحمض الفولك، كما يحتوي على البروتين بنسبة 16 بالمائة، والماء بنسبة تقارب 80 بالمائة.