كاتب عراقي بحس الوطن وشاعر يدافع عن الجمال والحب

علي لفته سعيد: لنا إلمام مهم بعدد من المفكرين والنقاد المغاربة حتى قبل عصر التكنولوجيا والفضائيات

الجمعة 11 دجنبر 2015 - 13:25
5390
علي لفته سعيد كاتب وشاعر عراقي

بإصداره "الصورة الثالثة" يكون الكاتب العراقي علي لفته سعيد أثار سؤال الساعة. سؤال بحجم الكارثة التي ابتلي بها العالم، كارثة الحروب، التي أتت، وما زالت تأتي على الأخضر واليابس، دون أن يجد من يعيشونها مبررا لكل هذه الدموية.

علي لفته سعيد، كاتب وشاعر عراقي، ولد جنوب العراق سنة 1961، أصله سومري من مدينة سوق الشيوخ جنوب الناصرية، المدينة التي منحته "روح النشيج المغمس بالحزن الجنوبي العراقي"، كما يقول. بدأ شاعرا ورساما في مرحلة تعليمه الابتدائي، لكن أحد معلميه اكتشف آنذاك أن ما يكتبه من شعر هو أقرب إلى الدراما، ما دفعه لالتهام الروايات العربية والعالمية والعراقية، لينهل منها السرد كما يتقنه حاليا.  

في سنة 1980، حين اندلعت الحروب في بلاده، وجد علي نفسه أمام منعطف جديد يحور كلامه من صناعة الجمال إلى الدفاع عن الجمال. فبدأ يكتب عن الحرب، التي شوهت كل معالم جمال الكون، في نوع من الانتفاضة ضد القبح والعنف، وفضح كل هذا الغباء الذي انجر إليه العالم. فيما جل إبداعاته الأخرى تنشد الحب والجمال، دون أن تخلو من هم الوطن ومشاكل مجتمعه.

"الصورة الثالثة" هي نتاج أدبي جديد شكل أحد هذه المنعطفات في حياة الكاتب الأدبية، "لأنها تريد أن تثبت أن الحروب هي نتاج عقل سلطة، والخاسر هو المواطن، الذي لا يذكره التاريخ الذي يدون ما تقوله السلطة وما فعلته، وهو تاريخ أعور وصاحب فتنة".

عن هذه الرواية، وعن الشعر، وعن بلده العراق، الذي يرفض الشاعر أن يتنفس هواء غير هوائه، يتحدث علي لفته سعيد في هذا الحوار الذي خص به "المغربية" من العراق الشقيق.

يبدو مولودك الأخير "الصورة الثالثة" مختلفا شيئا ما عن باقي إبداعاتك الأدبية. حدثنا عنه وعن مضمونه؟

هي رواية تتحدث عن الحرب ومأساتها، وعن التدخلات الخارجية بحياة الشعوب، في محاولة بحث عن أجوبة لأسئلة تتناسل حول "من المستفيد من الحرب"، "ما تأثيراتها على الناس والمجتمع والتعايش والأخلاق؟". وللإشارة، هي ليست الرواية الأولى التي تتحدث عن الحرب، بل سبقتها قصص وروايات أخرى مثل "امرأة من النساء" و"اليوبيل الذهبي" و"وشم ناصع البياض" كرواية أولى.. وحتى رواية "مواسم الاسطرلاب" فهي تبحث عن إجابة لسؤال كبير.. من يصنع الدكتاتور؟

رواية "الصورة الثالثة" تحكي قصة "قاص" أنهى حياته يتيما، ومن ثمة مقاتلا في جبهات القتال خلال الحرب العراقية الإيرانية، ثم مقاتلا في حرب الخليج الأولى. وحين يتسرح من الجيش، لا يجد عملا، فيبقى متنقلا من عمل إلى آخر معتمدا على أبيه في الحياة. لكنه يحب كتابة القصة.

فيحاول كتابة رواية عن علاقته بامرأة جميلة يتعرف عليها، وهنا تحدث المفارقات التي تبحث عن الإجابة حول من المستفيد من الحرب، وما أثرها على المجتمع. كما تثير تفاعل الناس مع أحداث التدخل الأمريكي في العراق وترقبهم للنتائج والمآل، وتثير مآسيهم من خلال العلاقة بين القاص (بطل الرواية) وزوجة الرجل العسكري الذي سيتضح أن له "صورة ثالثة" غير اللتين يزينان البيت، وهو في كامل وسامته وفتوته، وهي صورة لرجل عاجز، أصيب في حرب اجتياح العراق للكويت سنة 1991. الرواية يقع زمنها في يوم واحد، وتنتهي بهروب "القاص" إلى العمل، إلى حين استدعائه لخوض الحرب من جديد حين أٌعلن عن إسقاط النظام في العراق في 2003".

علي سعيد ليس قاصا وروائيا فحسب، بل هو شاعر تنبض حروفه بالحب والجمال، وتسائل الواقع عن إمكانية التخلص من كل هذا القبح الذي يشوه الأرض والإنسان.  لكن أيهما الأقرب إليك الشعر أم السرد؟

بشكل عام، الحرف بالنسبة لي روح ينفخها الواقع والموهبة في داخلي، ويجعلاني أسيرا له. الحرف هو الذي يحدد قامته في أن يكون شعرا أم سردا.

لأن الفكرة التي تنحت قوامها، تبحث عن لغة لتحولها من مجرد حكاية إلى لحظة تنويرية تشويقية، قادرة على بث أسئلة تتعلق بهذا الواقع الذي نعيش فيه، ومدى قدرتنا على مواجهة ما يمكن أن يؤخر ولادة الجمال. أنا أعيش هاجس الخوف من موت الجمال.

الجمال الذي يمكن أن يصنعه الفن يواجه قتلا متعمدا من عدة جهات، أولها السلطة التي تحكم البلاد، والتي لا تهتم بالفن كوسيلة من وسائل التنمية والتنوير والبناء، والسلطة الدينية التي لا تؤمن بالفن، لأنه لا يمنح سلطة المساهمة في خمول العقل. لذلك كان الحرف مسؤولية كبيرة ينوء بها الفكر والخيال.

أميل إلى السرد لأنه يمنحني طاقة للمخيلة، التي تجنح بالحياة إلى آماد أوسع، دون أن أغفل الشعر، الذي يمنحني قوة هائلة على صياغة الجمال بلغة الخلق الجديد.

أيضا، تشكل لدي وعي نقدي منذ بداياتي الأولى في الكتابة الأدبية، فتناولت بالنقد نتاجات عديدة لأدباء عرب وعراقيين، ما خولني اجتراح خاصية نقدية جديدة في النقد العربي أسميتها بنية الكتابة. وهي متابعة الأثر التدويني، وإدارة التدوين بالنسبة للمنتج الأدبي، وفق ستة مستويات سردية، يتشارك فيها جميع الأدباء، سواء منتجو السرد أو الشعر وحتى المسرح.

لدي روايتان مخطوطتان، ومجموعة قصصية، وثلاثة كتب نقدية، ومجموعتان شعريتان، تبحث عن مال لطباعتها أو دار تتبرع بنشرها، لأن الأديب العربي ينزف مالا من شرايين عائلته ليساهم في بث روح الحرف في هذا الواقع المأزوم.

ولهذا، لا مجال لأحدد لأي الانتماءات أميل، هل إلى الشعر أم السرد. فأنا، كما قلت سابقا، مسكون بالحروف، ومحتشد بصناعة الجمال، الذي أريد أن يشع على عالمنا العربي، فبالجمال وحده يمكن أن نكون أقرب إلى الله، وأكثر التصاقا بالحياة ومنافعها.

لم تغادر العراق بسبب الأوضاع الأمنية المنفلتة جراء الحروب، كبعض الكتاب والمثقفين، لماذا؟

لأنه البلد الذي يمنحني كل الطاقة التي أريدها لصناعة الجمال. العراق بلدي رغم حصولي على الكثير من الفرص للهجرة إلى الخارج، لكنني لا أستطيع التنفس خارج أرضه أكثر من شهر على أبعد تقدير. سافرت إلى الأردن وتونس وإسبانيا وتركيا، وكنت أنوي السفر إلى المغرب لولا إكراهات الفيزا. لكن سرعان ما أعود إلى العراق.

لا مجال لتقمص دور التمساح الذي يعيش برمائيا، فأنا سمكة فقط، اختارني الله لأعيش في العراق. أعمل الآن صحافيا مراسلا لجريدة الصباح بمحافظة كربلاء، وهي أكبر صحيفة عراقية.

كيف تعيش الحركة الثقافية اليوم داخل العراق؟ ألا تعتبر أن للمثقف أو الكاتب دورا في إحياء وصيانة وإنقاذ ما يزخر به بلده من أدب وفن وتراث ثقافي؟

الحركة الثقافية داخل العراق تعيش الآن أوجها من حيث التنوع الفكري والحرية التي لا مثيل لها في الجو العام، رغم الارتباك السياسي الذي يمر به العراق، بسبب الاحتلال الأمريكي من جهة، وصراع السياسيين من جهة أخرى، ما جعل البلد يقف على فوهة تفجيرات وصراعات عديدة.

لكن الأدب والنتاج الثقافي يزخران بما يمكن أن أطلق عليه الثورة الثقافية، لكنها ثورة شخصية ينفذها ويقوم بها أدباء ومثقفون وفنانون من مختلف الأجيال، حتى إن العراق شهد، خلال السنوات الماضية، إنتاج أكثر من 600 رواية، وهو رقم كبير قياسا بكل النتاجات العربية.

ولو تتبعنا مآرب الحركة الثقافية في توجهاتنا لوجدنا أنها تحاول رسم الصورة الحقيقية للواقع العراقي. فهي تنتقده من جهة، وتبرز هويته من جهة أخرى، مثلما تحاول الإبقاء على الروح العراقية من خلال نبذها كل ما يفرق الإنسان العراقي.. بل إن الحركة الثقافية إذا ما قصدنا بها النتاج الأدبي، فإننا نرى اليوم، حرقا للمراحل الأدبية في كل التاريخ العراقي، وقتلا للطابوهات الثلاثة التي تمزق الأديب والمثقف العربي.. فهنا في العراق لا خوف من الكتابة في موضوع الجنس والدين، فيما كان أول طابو اخترقناه بعد عام 2003، هو الطابو السياسي..

ولهذا، فإن الإرث العراقي، في مجاله الثقافي والأدبي، يحتاج فقط إلى قراءة نقدية كبيرة، لا تستند الى الماضي الإعلامي، الذي يعيش عليه المثقف والمتلقي العربي، بل على ما هو حاضر الآن دون مقدمات سياسية تقابل الحركة الثقافية المتوهجة، التي اعتبرناها ثورة كبيرة في الإنتاج الأدبي، يقابلها غفوة في مجال التلقي والنقد معا.

أكيد لدى المثقفين العراقيين فكرة معينة عن نظرائهم المغاربة. ما هو تقييمكم للحركة الثقافية المغربية؟ أو للكتاب المغاربة؟

بالتأكيد لدينا معرفة واسعة بالأدب المغربي، حتى أنها معرفة كانت أفضل في السابق منها في الزمن الحالي. بمعنى أن الأديب العربي كان يعرف الأدباء وأعمالهم في مختلف الوطن العربي، رغم عدم توفر الانترنت والفايسبوك ولا حتى الفضائيات آنذاك. لذلك فإن المعرفة حاضرة جدا على مستوى الأسماء. لقد كنا نقرأ نتاجات روائيين كبار من المغرب، مثل محمد شكري، وادريس الشرايبي، ومحمد زفزاف، وادريس الخوري، وكذلك عبد الحميد عقار ومحمد برادة، كما كنا نتابع الأعمال النقدية والفكرية لمحمد عابد الجابري، ومحمد مفتاح، وسعيد بن كراد... وغيرهم.

لهذا أقول إن الأدب المغربي، شأنه شأن أي أدب عربي، ظل يحتاج إلى توزيع إعلامي، حتى تتنوع المعرفة والآداب.

أما عني شخصيا، كتبت مقالين نقديين عن شاعرتين من المغرب تبثان نصوصهما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولا ننسى أن هناك أدباء عراقيين في المغرب الآن، هم حلقة وصل بيننا، ينشرون مقالات عن هذا الأدب المغربي في الصحافة العراقية، كما لا ننسى أن أهمية الأدب المغربي تكمن في قربه من الخارطة الأدبية الأوروبية، وهو الناقل لنا نحن في المشرق العربي لكل ما هو جديد على الساحة العالمية.




تابعونا على فيسبوك