على انفراد يصدر من بيروت

حسن نجمي يهدي ديوانه الجديد الى موتاه

الجمعة 31 غشت 2007 - 10:36

في وقت تحاول فيه دور النشرالعربية جاهدة الابتعاد عن مأزق الشعر وخسائره المؤكدة، قررت دار النهضة العربية في بيروت.

ان تخوض تجربة عكس التيار وتغامر بإطلاق سلسلة من الدواوين الشعرية ستصل الى 17 ديواناً على مدار العام الحالي، معتبرة انها الدفعة الأولى من مشروع مستمر.

وقد عمدت لينا كريدية صاحبة المبادرة إلى شرح فكرة المشروع على انها تأتي من باب الحرص على التطوير والتجديد المستمرين، وإيمانا من الدار بأن للبنان دوراً ريادياً فاعلاً
في عملية النهوض بالواقع الثقافي العربي، وان لدور النشر عامة ولـ دار النهضة بشكل خاص، أثراً كبيراً في تفعيل هذا الدور واستمراره وبذلك عرفت الساحة الثقافية المغربية أخيرا نزول مجموعة من الاصدارات الى الاسواق، تباينت بين الدواوين الشعرية، والمجموعات القصصية، والرواية.

ومن هذه الدواوين صدر للشاعر حسن نجمي رئيس بيت الشعر بالمغرب ديوان شعري جديد تحت عنوان على انفراد عبارة عن مجموعات شعرية كتبها ما بين 2002 و2006 بين الرباط وسطات
ويضم الديوان عددا من القصائد التي أهداها الشاعر كما يكتب : الى موتاي
وعن هذا التوجه نحو الطبع والنشر بلبنان يذكر حسن نجمي ان المبادرة جاءت من لينا كريدية صاحبة دار النهضة العربية«، ببيروت وهي مبادرة تحمل أكثر من اشارة رمزية، لعل أهمها انها تنخرط في مغامرة نشر الكتاب الشعري العربي الجديد، في لحظة انحسرت فيها قراءة الشعر والتداول في المجاميع الشعرية الجديدة
كما ان هذه المبادرة تعيد الحياة الى العلاقة بين المشرق الأدبي والشعري والثقافي والمغرب الذي رغم كل تعبيراته عن المشاعر والعواطف والآفاق المشتركة يظل جغرافيا نائيا وقصيا ومنسيا أحياناً
لذلك فإن النشر في بيروت من شأنه ان يعمق العلائق الثقافية ويعزز الصداقة الشعرية، ويصلنا بقارئ جديد لعله لم يقرأنا من قبل، أو لم يتعرف علينا بالصورة التي تشبه ملامحنا
ذلك ان النشر المتقطع في الصحافة العربية والاطلاع غير الكامل على تجارب الشعراء في المغرب العربي لا يعكس حقيقتنا الشعرية لدى أصدقائنا وأشقائنا في المشرق العربي، ولاحاجة للتأكيد عن بيروت بكل رمزيتها الثقافية والحضارية ودورها في الحياة الثقافية العربية
اضافة مجموعة على انفراد4 تشكل اضافة نوعية في سيرورة كتابات حسن نجمي الشعرية
التي يريد بها ان يخرج من تجربة شعرية وجمالية الى أخرى مميزة ومغايرة لا تشبه سابقتها ولاتكررها
بهذا المعنى فان هذه المجموعة الجديدة تمتلك بعضاً من المميزات التي تنأى بها عن مجموعاته الشعرية السابقة
مثل أشعاره في : لك الامارة ايها الخزامى، سقط سهواً4، الرياح البينية حياة صغيرة، المستحمات أبوية صغيرة، مفتاح غرناطة وكتاباته النصية والنقدية الشاعروالتجربة، وشعرية الفضاء، وشعرية الانقاض


يدعو حسن نجمي في ديوانه الجديد على انفراد القارئ أن يقف خارج الجغرافيا التي يتم في داخلها العمل الشعري، وأن نتركه وحده مع موتاه
يتخذ قرارا خطيرا، ولا يريد أن يشاركه أحد في التلذذ بنتائجه الباهرة أو في تحمل مسؤولية انتاجه وتحويله واقعاً فعلياً
قرر أن يهدي كتابه الى موتاه وهم كثر، ولا يستطيع التخلص منهم الا من خلال الخضوع التام لهم

لا يؤدي الخضوع الى حلول ناجحة لمشكلة الكتابة الشعرية المحتاجة دائما الى تمرد والى عصيان.

فكيف يمكن اذن حل المشكلة، وخصوصاً انه لم يكتف بإهداء الكتاب الى موتاه فقط بل كتب مجموعة قصائد سمّاها امتثالات وسمّى مجموعة أخرى من التي يضمها هذا الديوان »مرايا : تصريح بالتطابق.

المسألة لا تعود قائمة في مجال الاحتمال بل تقع في علن القصائد وتسعى الى عرض نفسها من خلاله.

يحوّل هؤلاء الموتى الحميمين المعشوقين، وهؤلاء الآباء من الشعراء والرسامين والفنانين فعلاً ثقافياً، وهكذا يقتلهم.

يصير الامتثال عملية استيعاب ويصبح التصريح بالتطابق مدخلا الى صناعة الاختلاف، وينبني تاليا الخطاب المؤسس للقول الشعري في هذا الديوان.

عندما يصبح الآباء أثرا عاما، يمكن النجاة من التأثر الأعمى لأن عملية القتل تكون نضجت ويصبح من الممكن الخروج من نفق التكرار الى عملية خلق مرجل شعري تنصهر فيه المواد الضرورية لعملية الابداع، لتتحول اسلوباً ومعماراً خاصاً.

تؤدي عملية القتل الى ولادات جديدة ودائمة للمقتولين، ولكن من دون السماح لهم بأن يكونوا سلطة.

يحيون في مجال الذات ويشكلون جزءا أساسيا من تكوينها، لكنهم ليسوا الذات نفسها، وإن كان من الممكن دائما اللجوء اليهم كلما احتاجت هذه الذات الى وصف نفسها وتقديمها.

يمنحنا الشاعر إضاءات تمهد للدخول في عالمه الذي يشاؤه منحازا الى فن البحث الدؤوب عن حضور العزلة في قلب الحدث الانفعالي الشعري ومحاولة البرهنة على ذلك من خلال احالات متنوعة.

الاحالة الأولى لاسحاق الموصلي متحدثا الى أبي تمام : يا فتى ما أشدّ ما تتّكئ على نفسك.

الاحالة الثانية الى أزن كوان : نعرف الصوت الذي تحدثه يدان تصفقان لكن ما هو الصوت الذي تحدثه يد واحدة تصفّق؟

الاحالة الثالثة لمحمود درويش من كتابه في حضرة الغياب : لا تعاتب أسلافك على ما أورثوك من براءة النظر الى التلال .

تظهر الأولى معادلة الصراع بين سلطة الزمني والتاريخي من جهة وسلطة اللازمني من جهة ثانية.

الشاعر ممتلئ بنفسه، لذا فهو ينتمي الى سلطة الحضور الزمني ويصنع تاريخه من انتمائه الى سلطة القول الذي يطمح دائما الى أن يكون ظلا للسيف.

ينتمي الموسيقي الى مجال آخر هو مجال اللازمني، لذا فهو لا يحتاج الى الدخول الدائم في ذاته بل الى الخروج منها ليدعها تمتلئ بسلطة الوجود اللازمني الذي تمثله الموسيقى وتصنعه.

بين اهتزاز السيف واهتزاز الاوتار، تبدو العزلة التي يسعى حسن نجمي الى مديحها حاضرة في اهتزاز الوتر وليس في اهتزاز السيف.

لا يستطيع الشاعر المتكئ على نفسه ان يختلي بها، كونه يستعملها دائما، وتالياً لا يستطيع ان يخلق مسافة يراها من خلالها.

هكذا تصبح العزلة مستحيلة ويتحول الكلام الصادر عن الشاعر كلاماً للآخرين، وبشكل أدق كلام السلطة والسيف.

تفرض الموسيقى على متعاطيها مسافة يختلي فيها مع ذاته ليتركها تتكاثر في حشد الاهتزازات الدائخة .

هكذا تنبني العزلة ويجد الشاعر لحظته التي يدافع عن حقه فيها يستمر سؤال الشاعر عن أحوال العزلة وبحثه عن حوادثها ولغتها ومفرداتها في الاحالة الثانية اليد الواحدة التي تصفق، تحدث صوتا لا شأن للحشود في صناعته انه صوت العزلة ونشيدها.

الاحالة الثالثة تظهر أن وراثة التمعن في أحوال التلال الحاضرة، في مجال براءة تأملية خاصة وعصية على التشويه، هي تركة يجب ان يحمد الاسلاف على توريثها لأنها تحمل مادة العزلة وتغرسها في قلب التكوين الوراثي للشاعر وتجعلها طبعا وميزة.

بعد أن يهبنا الشاعر هذه المداخل يدعونا الى عالم من العزف المنفرد، تساعده في انجازه قافلة طويلة من الموتى والمرايا الذابلة.

يقول الشاعر في قصيدة بورخيس :
لست أقل عمى منك / ومثلك أعرف كيف أسدد خطوي / ومع أن عينيّ ليستا ميتتين تماما/ مع أن فيض الضوء وافر -/ لا أحب أن أرى ما يرى / أعمى مثلك -/ ولست نادما على شيء تركته في الضوء / فقط، مثلك حرمت من السواد

يصنع العمى في هذه القصيدة مجالا غنيا تحتشد فيه مرئيات مضاءة بالوضوح الباهر لنفسٍ تتخلص من الحاجة الى النظر الى الاشياء المعروضة في العلن العام
هذه الاشياء الموجودة في الضوء الوافر هي اشياء العماء لا يدعو هذا الضوء الكثير الى النظر والتبصر بل الى العمى من هنا لا نعثر على حسرة بسبب ترك المشاهدة والكون الى عالم الالوان، حيث أسود الظلام هو اللون الوحيد المفقود في هذه اللوحة الكاملة.

يقول حسن نجمي في قصيدة من القلب : صفاتي مختلة في تلك الجريدة
ولي فيها أسماء كثيرة / ولفرط الشرب تترنح الصفحات يتعتعها السكر/ وتسقط
وكل ذلك شذوذ لا علاقة لحسن نجمي به / انما أحيانا -/ لا بد من اثارة / ولا بد من صحف على الرصيف / ولا بدّ من غفران / وبعد كل شيء / لا بدّ أن يتكلم الأنذال قليلا -/ اننا لا نحب أن يشيخ اللعاب القسم الرابع والأخير يحمل عنوان دفتر الشذرات، يحتوي على قصائد برقية نختار منها نظرة : منذ سنين وأنا أنظر اليك لم تتجعد نظرتي
النظرة غير القابلة للهرم والذبول، تدل على انحياز الشاعر الى اللازمني الذي يجد في سكر الموسيقى وحركتها الدائمة مثاله.

من هنا نستطيع القول ان النظرة التي لا تتجعد، ليست الا الموسيقى وقد اختلى بها الشاعر ليبثها عشقه على انفراد حسن نجمي من مواليد 1960بمدينةابن احمد إقليم سطات
تابع دراسته بسطات والدارالبيضاء في بداية الثمانينات التحق حسن نجمي بجامعة محمد الخامس ليتابع دراسته في الآداب

حاصل على الإجازة ودبلوم الدراسات العليا له دكتوراه الدولة في الشعر الشفوي
اشتغل منذ منتصف الثمانينات بالصحافة

وقد انتخب هذا الكاتب رئيسا لاتحاد كتاب المغرب من 1998 الى 2005 وهو حاليا رئيس بيت الشعر بالمغرب




تابعونا على فيسبوك