مع بداية كل شتاء في الأطلس المتوسط، وتحديدا في إقليم إفران، تعود نفس المعاناة التي يعرفها السكان عاما بعد عام. فالثلوج التي كانت في السابق تصل إلى أمتار كاملة لم تعد تتساقط بالكثافة نفسها، لكن البرد القارس ما زال حاضرا بقوة، وتبعاته أثقل على الأسر.
وبينما تنشغل السلطات بفتح الطرقات وفك العزلة عن المناطق الجبلية، ينشغل السكان بالسؤال المعتاد: من أين سنأتي بحطب الوقود؟.
في القرى والمناطق المرتفعة، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى ما بين عشر وثماني عشرة درجة تحت الصفر، يصبح الحطب ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها.
أسعاره تتراوح بين 1000 و1200 درهم للطن، دون احتساب النقل، وهو ما يجعل كل أسرة بحاجة إلى ما بين أربعة وخمسة أطنان لتجاوز أشهر البرد. هذا يعني تكلفة قد تصل إلى ستة آلاف درهم في موسم واحد، إضافة إلى مصاريف أخرى تفرضها قساوة الشتاء كشراء الملابس الدافئة والغذاء الجيد.
ويقول حميد أكورام، أحد أبناء إفران، إن الظروف تغيرت كثيراً مقارنة بسنوات الستينيات والسبعينيات. صحيح أن سمك الثلوج اليوم لا يتجاوز في الغالب خمسين سنتيمتراً، لكن تأثير البرد والصقيع أقوى، مما يفرض على السكان تخزين كميات كبيرة من الحطب كل سنة. ويضيف أن أي أسرة لا تتوفر على أربعة أو خمسة أطنان من الحطب تجد نفسها عاجزة عن مواجهة أول موجة صقيع.
غير أن الضغط المتزايد على حطب التدفئة أدى إلى بروز سلوكيات تهدد الغابة نفسها. فالكثير من السكان، خاصة في الأحياء القروية المحيطة بالغابات، يلجأون إلى قطع الأشجار بشكل عشوائي وغير قانوني، بحثاً عن وسيلة للتدفئة، وهو ما يعرّض الغطاء الغابوي لخطر كبير. وتتميز المنطقة أصلاً بتضاريس وعرة ومناخ قاسٍ، ما يجعل اللجوء إلى موارد الغابة خياراً مفروضاً بالنسبة لكثير من الأسر.
وتشير أرقام سنة 2021 إلى حجم الاستغلال الكبير لهذه الموارد. فقد بلغ مجموع الحطب المستخرج من غابات المديرية الجهوية للأطلس المتوسط حوالي 300 ألف ستير ("ستير" تساوي متر مكعب من الحطب)، منها 50 ألف ستير خاضعة للبيع بالمزاد العلني، و35 ألفا مستخرجة من الغابات الخاصة، بينما حصل السكان على ما يقارب 215 ألف ستير مباشرة في إطار حق الاستغلال التقليدي.
استراتيجية وطنية لتنظيم حطب الوقود
أمام هذا الوضع، أطلقت إدارة المياه والغابات منذ 2016 استراتيجية وطنية لتنظيم حطب الوقود، تم تطبيقها بشكل خاص في منطقة الأطلس المتوسط عبر خطة عمل امتدت من 2020 إلى 2024. وباعتماد الاستراتيجية الجديدة "الغابات بالمغرب 2020-2030"، تم تعزيز هذه الجهود بمقاربات تشاركية تشمل السكان المحليين وتراعي خصوصيات كل إقليم.
وترتكز هذه الاستراتيجية على خمسة محاور أساسية، أولها زيادة الموارد الحطبية عبر توسيع التشجير وإعادة تأهيل الغابات وإنتاج ملايين الشتلات وتوزيعها على السكان. كما يتم العمل على ترشيد استهلاك الحطب عبر توزيع أفران محسّنة وتشجيع إنتاج الفحم الأخضر، إلى جانب البحث عن بدائل جديدة للتدفئة، وتنظيم التعاونيات والجمعيات المحلية لحماية الغابة، إضافة إلى تطوير نظام معلوماتي لمتابعة سلسلة إنتاج وتوزيع واستهلاك الحطب.
وشهدت سنة 2021 تنفيذ عدد من الأنشطة التكميليّة، من بينها تحديد المناطق الأكثر حاجة للتشجير، وتدريب السكان على أساليب تخزين الحطب وتقنيات الاستهلاك الرشيد، وتطوير مشاريع صغيرة لتثمين الكتلة الحيوية.
وتمتاز غابات الأطلس المتوسط بأهمية وطنية كبرى، إذ تضم 80% من غابة الأرز المغربية و16% من الأرز العالمي، وهو ما يمنح إفران أعلى معدل تشجير وطنياً بنسبة 34%. كما تُعتبر المنطقة من أغنى المناطق المغربية من حيث التنوع البيئي، إذ تحتضن نصف الثدييات المغربية و60% من الطيور ونحو 60 نوعا من الزواحف والبرمائيات.
ورغم كل الجهود المبذولة، يبقى سؤال التدفئة مطروحا بقوة كل شتاء. فالحطب ضرورة للحياة في هذه المناطق، لكن الحفاظ على الغابة ضرورة أيضا. وبين الحاجة المستعجلة والموارد المحدودة، يستمر سكان إفران في البحث عن توازن يضمن لهم الدفء… ويحمي غاباتهم للأجيال المقبلة.
إفران: محمد الدريهم