الذكاء الاصطناعي يقتحم الطب في المغرب .. ومكناس تتحول إلى مختبر للمستقبل

الصحراء المغربية
الأربعاء 03 دجنبر 2025 - 12:39

على مدى يومين، تحوّلت مكناس إلى منصة نقاش طبي رفيع، وهي تحتضن الدورة الرابعة للأيام العلمية لجمعية أطباء الإسماعيلية، في زمن لم يعد السؤال فيه عن حضور الذكاء الاصطناعي في الممارسة الطبية، بل عن حجم تأثيره واتساع مجالات اشتغاله.

ذلك أن الطب، كما اتضح من نقاشات هذه الدورة، يدخل مرحلة جديدة تتجاوز الأدوات التقليدية نحو فضاء رقمي يفرض إيقاعه على التشخيص والعلاج وإدارة المعلومة الصحية.

منذ الجلسة الافتتاحية، بدا واضحاً أن الجمعية تراهن على التكوين المستمر كمدخل أساسي لمواجهة التحول الرقمي. ففي كلمته، شدد رئيس الجمعية، الدكتور نبيل لحلو، على أن الذكاء الاصطناعي لم يعد ترفاً معرفياً، بل أصبح جزءا من الأدوات اليومية التي يحتاجها الطبيب. كلمة ممثل المديرية الجهوية للصحة، الدكتور طارق، سارت في الاتجاه نفسه، مؤكداً أن الإصلاحات الجارية في القطاع الصحي، في سياق الورش الملكي للحماية الاجتماعية، ترتبط عضويا بمواكبة الرقمنة وتحديث أساليب العمل. فيما اعتبر الدكتور الصماكي، نائب رئيس هيئة الأطباء بالجهة، أن الجمعية تقوم بدور محوري في خلق فضاءات للتبادل العلمي الهادئ والدقيق.
اليوم الأول حمل زخماً علمياً لافتاً. فقد استعرض البروفيسور بنبريك، من جامعة القاضي عياض بمراكش، التحولات الكبيرة في التشخيص الطبي اعتماداً على الذكاء الاصطناعي، وكيف أصبحت الخوارزميات قادرة على التقاط مؤشرات دقيقة تفوق العين المجردة. أما البروفيسور نجيب الإدريسي، مدير مختبر الطب الدقيق بجامعة محمد السادس للعلوم والصحة، فقد توقف عند الاندماج المتسارع للذكاء الاصطناعي في المنظومة الصحية الوطنية، وتأثيره المباشر على الطب الدقيق، الذي يفتح آفاقاً جديدة للعلاج الموجّه. ثم جاء عرض البروفيسور أيت الزاوين، من جامعة شعيب الدكالي، ليضع الأصبع على التحدي الأكبر: حماية المعطيات الصحية في زمن الرقمنة، وما يفرضه ذلك من يقظة تقنية وقانونية.
في اليوم الثاني، انتقل المشاركون من النظري إلى التطبيقي عبر ورشتين حول تقنيات الفحص بالأكوكرافيا وتشخيص أمراض الغدة الدرقية، بإشراف الدكتور عبد اللطيف عشيبات والدكتورة كنزة بنعمر. وقد شهدت الورشتان تفاعلاً مكثفاً عكس تعطش الأطباء لاكتساب مهارات تطبيقية مباشرة.
الفترة الزوالية حملت عروضاً علمية دقيقة ومتنوعة. البروفيسور التويحم بسط مقاربات تدبير اعتلال العقد اللمفاوية لدى الأطفال والبالغين، بينما قدمت الدكتورة بهية البوحامدي قراءة علمية وافية حول جرثومة المعدة، بين ما يُشاع وما تثبته الأدلة الطبية. أما البروفيسور سعيد عسو، القادم من مونبوليي بفرنسا، ففتح باب النقاش حول الخلايا الجذعية، بين الأمل العلاجي والحدود العلمية الراهنة. وتناول البروفيسور النشيط مضاعفات الحمل وإشكالاته المستجدة، قبل أن يعرض البروفيسور حيدا مستجدات التلقيح وأهمية جرعات التذكير لدى الأطفال واليافعين. ثم جاء دور البروفيسور اليوناسي ليقدم مقاربات علاج آلام الصدر، ليتوّج البروفيسور يونس أحلال، القادم من فرنسا، سلسلة المداخلات بعرض حول الجراحة الروبوتية واتساع حضورها عالمياً ووطنياً.
في ختام هذه الدورة التي حضرها مندوب وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، أكد الدكتور نبيل لحلو أن الأيام العلمية للجمعية تحولت إلى موعد وطني يجمع الأطباء والباحثين، وأن الذكاء الاصطناعي والخلايا الجذعية والجراحة الروبوتية لم تعد مجرد رؤى مستقبلية، بل أصبحت جزءاً من واقع الممارسة الطبية بالمغرب. ولم يفت رئيس الجمعية التعبير عن الامتنان للأساتذة والمؤطرين والداعمين الذين ساهموا في نجاح الدورة.
الحفل الختامي حمل بصمة إنسانية خالصة، إذ تم تكريم رواد المهنة بمكناس: الدكتور السباعي، والدكتور بوعمامة، والدكتور حمدوش، اعترافاً بما بذلوه من جهود طوال مسارهم المهني. وسط أجواء مهنية راقية وحضور وازن، أسدل الستار على دورة وُصفت بأنها من أنجح محطات الأيام العلمية للجمعية، سواء من حيث عمق النقاش أو كثافة المشاركة.




تابعونا على فيسبوك