تُمثّل منظمة التعاون الرقمي (DCO) إحدى أبرز المنظمات الدولية المكرّسة لتعزيز الازدهار الرقمي والشمول الاقتصادي عبر التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
وتركّز جهودها على تمكين الدول من الاستفادة من الفرص التي توفرها التحولات الرقمية المتسارعة في الاقتصاد العالمي. وتضم المنظمة في عضويتها 16 دولة من ثلاث قارات، وتعمل على بناء اقتصاد رقمي عابر للحدود، يتيح للمجتمعات إنتاج المعرفة والابتكار الرقمي، لا مجرد استهلاكه.
وفي هذا الحوار، تسلّط الدكتورة هاجر الحداوي، المديرة العامة لمنظمة التعاون الرقمي، والمعروفة بخبرتها الدولية الواسعة في مجال السياسات والابتكار والاقتصاد الرقمي، الضوء على أداء المغرب في تقرير مقياس نضج الاقتصاد الرقمي Digital Economy Navigator 2025، والذي أظهر تقدماً واضحاً في مسار المغرب نحو التحول الرقمي، مدعوماً برؤية وطنية طويلة المدى.
بداية، ما هو تقرير Digital Economy Navigator 2025، ولماذا يحظى بأهمية لدى الحكومات والمؤسسات الاقتصادية العالمية؟
يُعدّ مقياس نضج الاقتصاد الرقمي أحد أبرز المراجع الدولية الحديثة لقياس تطور الاقتصادات الرقمية حول العالم. ويغطي أداء الاقتصاد الرقمي في80 دولة تمثل 94% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و85% من سكان العالم، معتمداً على 145 مؤشراً كمياً ونوعياً، إلى جانب آراء أكثر من 41 ألف مشارك من الحكومات والقطاع الخاص والجامعات ومؤسسات البحث.
وتكمن أهميته في كونه يزوّد صناع القرار بخريطة دقيقة لمستوى النضج الرقمي للدول من حيث التحديات والفرص، ويربط التحول الرقمي بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، بما يساعد الدول على وضع سياسات واستثمارات رقمية مستقبلية تسهم في بناء اقتصادات أكثر تنافسية وشمولاً واستدامة.
المغرب كان من بين الدول المشمولة في التقرير. ما أبرز ما رصده التقرير بخصوص البنية التحتية الرقمية للمملكة؟
يقدّم التقرير صورة إيجابية واضحة لمسار التحول الرقمي المغربي، إذ يشير إلى أن المملكة تعمل على تنفيذ خطة وطنية طموحة تستهدف ربط 5.6 مليون منزل بشبكات الألياف البصرية بحلول عام 2030، وهو ما يعزز مكانة المغرب كأحد أكثر الدول تقدماً في توسيع البنية التحتية الرقمية في المنطقة.
وتنعكس هذه الجهود على تحسّن ملحوظ في سرعات الإنترنت الثابت بفضل ديناميكية المنافسة بين المشغلين الرئيسيين، وذلك في إطار رؤية Maroc Digital 2030 التي تهدف إلى جعل المغرب مركزاً رقمياً متقدماً في شمال أفريقيا.
وماذا عن التعليم الرقمي وتنمية المهارات؟ ما الذي يثبته التقرير في هذا الجانب؟
يؤكد التقرير أن المغرب يحقق تقدماً لافتاً في تنمية رأس المال البشري الرقمي، ضمن رؤية شاملة يوجّهها جلالة الملك محمد السادس، من خلال استراتيجية "المغرب الرقمي 2030" التي تهدف إلى بناء اقتصاد رقمي قادر على خلق القيمة المضافة وتشجيع الابتكار.
وتطمح هذه الاستراتيجية إلى خلق 240,000 فرصة عمل رقمية بحلول 2030، إضافة إلى تدريب 100,000 مستفيد سنوياً على المهارات الرقمية المستقبلية، وعلى رأسها مهارات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، وهو ما يعزز مكانة المملكة كوجهة إقليمية صاعدة في اقتصاد المعرفة.
كيف يقيم التقرير موقع المغرب في الابتكار وريادة الأعمال الرقمية؟
يرصد التقرير حضوراً قوياً للمغرب في البحث العلمي والأنشطة التقنية الداعمة للاقتصاد الرقمي، وهو ما يشكل قاعدة مهمة لتطوير منظومة ريادة أعمال رقمية قادرة على إنتاج حلول محلية بتنافسية إقليمية.
ويضع التقرير المغرب ضمن الدول ذات الأداء البارز في النشر العلمي المرتبط بالتكنولوجيا المتقدمة، مما يعكس قدرة المملكة على بناء مخزون معرفي يخدم الابتكار والتنمية الاقتصادية.
هل يظهر المغرب توجهاً نحو الاستدامة الرقمية وفق التقرير؟
بالتأكيد، يسلّط التقرير الضوء على توجه المغرب نحو دمج البعد البيئي في مشاريع التحول الرقمي، خصوصاً في المناطق الريفية، من خلال اعتماد حلول اتصال تعمل بالطاقة الشمسية وتقنيات نقل بيانات عالية الكفاءة، في إطار جهود المملكة لربط آخر 5% من "المناطق البيضاء" وتقليص الفجوة الرقمية بين الجهات.
كما يعتمد المغرب سياسة مشاركة شبكات الألياف بالجملة لتعزيز المنافسة وتحسين جودة الإنترنت وتجربة المستخدم، في نموذج يجسّد التقارب بين الرقمنة والاستدامة ويُسهم في تقليل الأثر البيئي لشبكات الاتصالات ودعم تنمية شاملة ومسؤولة.
ما الدروس المستفادة من التجربة المغربية التي يمكن لدول أخرى الاستفادة منها؟
تُبرز التجربة الرقمية المغربية نموذجاً يمكن الاسترشاد به إقليمياً ودولياً، حيث يجمع المغرب بين توسيع البنية الرقمية لضمان وصول عادل للخدمات عبر المملكة، وتعزيز المنافسة وتنظيم مشاركة البنى التحتية بما يدعم الجودة والابتكار، إلى جانب دعم البحث والتطوير والتقدم في منشورات التكنولوجيا المتقدمة باعتبارها أساساً لبناء اقتصاد معرفي. هذه الركائز تجعل التجربة المغربية قاعدة يمكن البناء عليها لدعم تحول رقمي شامل في دول المنطقة.
ما الرسالة الأساسية التي يوجهها التقرير لصناع القرار على مستوى العالم؟
يشدد التقرير على أن التحول الرقمي لم يعد خياراً تقنياً، بل أصبح أداة استراتيجية للنمو والتنمية قادرة على خلق فرص العمل ورفع جودة الخدمات وتمكين المجتمعات. ويرى التقرير أن نجاح هذا التحول يعتمد على رؤية وطنية واضحة، واستثمار في البنية الرقمية، وتشريعات محفّزة، وشراكات بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب تنمية المهارات الرقمية.
ويؤكد أن المرحلة المقبلة تتطلب تسريع تنفيذ التحول الرقمي، لأن الاقتصادات الأسرع رقمنة ستكون الأقدر على تحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي مستدام.
كلمة ختامية:
يقدم المغرب نموذجاً عربياً رائداً في تطوير بنية تحتية رقمية حديثة وتوسيع الوصول العادل للخدمات، إلى جانب تعزيز المعرفة العلمية في التقنيات المتقدمة. ونؤمن في منظمة التعاون الرقمي بأن بناء مستقبل اقتصادي رقمي مزدهر في المنطقة يبدأ من تمكين الإنسان ومنح الجميع فرصة عادلة للاندماج والمساهمة في الاقتصاد الرقمي.