أكد المشاركون في مؤتمر دولي حول الذكاء الاصطناعي ومستقبل التعليم والبحث العلمي، التي اختتمت أشغاله، أول أمس السبت بمراكش، على ضرورة بلورة إستراتيجية وطنية وإقليمية شاملة لإدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم والبحث العلمي تراعي البعد الأخلاقي والقانوني والسيادي، والعمل على تطوير البنية التحتية الرقمية الوطنية لحماية المعطيات والهوية الثقافية.
وشدد المشاركون، ضمنهم خبراء وباحثين من المغرب وخارجه، على أهمية تكوين الأساتذة والباحثين والطلبة في الاستخدام النقدي لهذه الأدوات، وتعزيز آليات النزاهة الأكاديمية عبر مدونات سلوك واضحة ولجان مختصة.
ودعا المشاركون في هذا الملتقى الدولي، الذي نظمه مختبر الدراسات الدولية والدستورية وتحليل الأزمات والسياسات بكلية الحقوق بمراكش بشراكة مع مؤسسة هانس زايدل الألمانية، إلى تقليص الفجوة الرقمية عبر الاستثمار في البحث والابتكار، وإلى وضع إطار قانوني متكامل يحدد مسؤوليات استخدام الذكاء الاصطناعي ويحمي الحقوق الفردية والجماعية.
وأوصى المشاركون بتعزيز التربية الرقمية والإعلامية لضمان قدرة المتعلم والباحث على التمييز بين المعرفة الموثوقة والمضللة، واعتماد منهجيات استشرافية في السياسات العمومية لاستثمار قدرات الذكاء الاصطناعي في تحليل الأزمات ورصد المخاطر.
وخلص المؤتمرون إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يشكل رافعة حقيقية للتنمية إذا اقترن بوعي نقدي ومسؤولية معرفية، وبأن الإنسان ينبغي أن يبقى في صلب العملية، موجها لها لا موجها بها.
وجاء هذا اللقاء الأكاديمي ليفتح نقاشا علميا مسؤولا حول التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم بفعل الذكاء الاصطناعي، وما ينجم عنها من فرص واعدة لتطوير التعليم والبحث، مقابل تحديات قيمية وقانونية ومؤسساتية تستوجب استشرافا نقديا ورؤية إستراتيجية متكاملة.
وعلى مدى يومين، توقف المشاركون عند الفرص والإمكانات التي يتيحها الذكاء الاصطناعي سواء على مستوى التعليم أو البحث العلمي والتكوين، واستشراف هذه التحولات والنظر في مستقبلها والنظر في تأثيراتها الواقعة والمتوقعة، بالإضافة إلى
الوقوف عند أخلاقيات الذكاء الاصطناعي ومحاولة تسليط الضوء على إطاره القانوني والقيمي حتى يفهم الباحث والمتتبع خصوصا الطلبة الباحتين بسلك الدكتوراه، لاستثمار هذه الوسائط والتقنيات التكنولوجية والوعي بتحدياتها وأطرها المنظمة لها من أجل إنتاج معرفة لها القدرة على التفاعل مع مجمل التحولات التي يعيشها المغرب والعالم بصفة عامة في هذا السياق.
وشكل المؤتمر العلمي الدولي، فرصة للمشاركين لتبادل الخبرات والأفكار وتقاسم الممارسات الفضلى التي تهم التحديات الرئيسية التي تواجه تفعيل أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والأطر القانونية والتنظيمية، والتحديات والمخاطر المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، وكيفية التعامل مع هذه التحديات بطريقة فعالة، ومواكبتها ومصاحبتها من أجل التفاعل معها إيجابا.
وموازاة مع أشغال المؤتمر، جرى تنظيم مائدة مستديرة للطلبة الباحثين في سلك الدكتوراه، بمشاركة 30 باحثا لمناقشة آليات توظيف الذكاء الاصطناعي في إعداد الأطروحات، حيث أجمعت الآراء على وجود فرص حقيقية مهمة على مستوى سرعة الوصول إلى المعلومة، وتسهيل عمليات التوثيق، والمساعدة في إعداد بعض البيانات الأولية، غير أن الاعتراف بهذه الفرص لم يمنع من طرح تخوفات جدية تتعلق بالأمانة العلمية والتحقق من المراجع واحتمال فقدان الباحث لاستقلاليته المنهجية.
وخلال هذه المائدة المستديرة، جرى التنبيه إلى أن الإفراط في الاعتماد على الأدوات الذكية قد يحول الذكاء إلى نوع من الغباء المعرفي، حيث يترسخ الوهم بأن الأداة قادرة على التفكير نيابة عن الباحث، مما يشكل خطرا على ملكته النقدية وقدرته على بناء رأي علمي أصيل، كما جرى التحذير من الانجرار وراء المخرجات الآلية غير المدققة، التي قد تتضمن معلومات مضللة حتى في سياق البحوث العلمية، لأن الباحث الذي لا يقرأ ولا يدقق قد يتحول إلى تابع للآلة بدل أن يكون صاحب منظور علمي مستقل مبني على قراءة واسعة وتحليل منهجي.
وتوزعت أشغال هذا المؤتمر الدولي على أربع جلسات علمية، لمناقشة مجموعة من المواضيع البالغة الأهمية همت على الخصوص، أربعة محاور تتعلق ب"الذكاء الاصطناعي وتحولات منظومة التربية والتكوين"، و"فرص وتحديات استخدامات الذكاء الاصطناعي في التعليم والبحث العلمي"، و"الأبعاد الأخلاقية والقانونية للذكاء الاصطناعي"، و"تحديات وآفاق الذكاء الاصطناعي وتدبير السياسات والأزمات".