الظاهرة في ارتفاع والنساء يمثلن ما بين 11 و18 في المائة

المشردون .. مواطنون في دائرة اهتمام المجتمع المدني

الصحراء المغربية
الأربعاء 28 فبراير 2018 - 14:50

رافقت "الصحراء المغربية" ممثلي مندوب التعاون الوطني بعين السبع الحي المحمدي، بالدارالبيضاء، إلى جانب ممثلي جمعية الإسعاف الاجتماعي (صامو صوصيال)، في إحدى الجولات الليلية والنهارية التي يقومون بها للبحث عن الأشخاص في وضعية صعبة.

في صباح الاثنين الماضي، حضرنا الاجتماع اليومي الذي ترأسه إدريس خالي، مندوب التعاون الوطني بعين السبع الحي المحمدي، بحضور المساعدين والمساعدات الاجتماعيات وممثلي جمعية الإسعاف الاجتماعي، وممثلي الجماعات وباقي الشركاء، تطرق خلاله الحاضرون للمناطق التي تمت زيارتها الليلة السابقة، والمسح الذي أجروه لعدد من النقط التي يوجد بها المشردون، وناقشوا حالات صعبة لعدد من الأشخاص. بعد ذلك تم تقسيم المساعدين الاجتماعيين لثلاث مجموعات، ستتكلف كل واحدة منها بمنطقة معينة للبحث ومساعدة الأشخاص دون مأوى.

في الفترة المسائية، كان لنا موعد رفقة المساعدين الاجتماعيين للتعاون الوطني وجمعية الإسعاف الاجتماعي مع إدريس خالي، بالقرب من محطة قطار المسافرين. كان الكل مستعدا للبحث عن هذه الفئة بين الأزقة والدروب والحدائق، والأماكن الفارغة والبعيدة، بعين السبع والحي المحمدي، التي يبني فيها المشردون "عششا" من خشب وقطع الكارتون والبلاستيك للاختباء والنوم فيها، بعد أن يسدلوا عليهم الأغطية المهترئة والمتلاشية، مستعينين بالبلاستيك ليقيهم من البرد والأمطار.

يتسابق المساعدون الاجتماعيون للبحث عنهم وفق خارطة المسح اليومي، الذي أجراه فريق النهار، فيقتربون منهم ويحاولون استيقاظهم بلطف واستفسارهم حول أحوالهم الصحية والنفسية أو ما إذا كان لديهم مشاكل معينة، وهل هم في حاجة لمساعدة طبية أم الذهاب لمركز يؤويهم.  

أشخاص كثر التقيناهم خلال هذه الجولة، من بينهم سي لحسن. ج، رجل في عقده السادس، كان يشتغل في شركة للبترول في ليبيا، ثم اشتغل في هولندا وبلجيكا، وعندما شده الحنين للرجوع إلى البلد، بعد أن صرف كل ما يملكه من الأموال على نفسه وأهله وأصدقائه، تنصل منه الجميع، ليحد نفسه وجها لوجه مع العيش في الشارع.

 

 

إدريس خالي: يجب إدماج المشردين في المجتمع عبر التكوين

 

 قال إدريس خالي، مندوب التعاون الوطني عي السبع الحي المحمدي، إن التعاون الوطني مؤسسة اجتماعية بوصاية وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، التي تشتغل بصفة عامة مع الأشخاص في وضعية صعبة، سيما المرأة والطفل والمسنين بدون مأوى.

وأضاف خالي أنه يمكن الحديث اليوم عن مؤسسة اجتماعية بامتياز للقرب تشتغل على عدة برامج مع هذه الفئات، حيث يجتمع المشرفون على المؤسسة الاجتماعية يوميا مع المرشدين الاجتماعيين، الذين يقومون بعمل القرب، وعملية مسح للأشخاص الذين يعيشون في الشارع، وإمكانية إيوائهم أو مساعدتهم حسب الإمكانيات وحسب رغباتهم، من خلال مقاربة اجتماعية حقوقية التي لا يمكن تجاوزها.

وأبرز خالي أن التعاون الوطني يشتغل مع المجتمع المدني، بتداخل مع جميع الشركاء الذين يشتغلون في الميدان الاجتماعي، ومع اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومع باقي الفرقاء الآخرين، ومع الجماعات والمقاطعات المحلية، كما يشتغل أحيانا بالتدبير المفوض حيث يمول جمعيات من أجل التكفل بالأطفال أو المسنين، والمرأة في وضعية صعبة، مفيدا أن التعاون الوطني أصبح يتكلم عن الذكاء الاجتماعي، واليقظة الاجتماعية، إذ يوجد جيل جديد من المراكز، مركز المساعدة الاجتماعية ومركز للمرأة متعدد الوظائف، ومركز الاستماع والتوجيه لمساعدة الأشخاص في وضعية إعاقة، موضحا أنهم يشتغلون اليوم حول الإعاقة. ويقدمون في هذا الصدد منحا لدعم التمدرس لفائدة الجمعيات التي تستقبل الأشخاص في وضعية صعبة، وإعانات تقنية ومادية، والشيء المهم الذي يقومون به هو الاستماع والتوجيه. كما قاموا بتكوين مجموعة من الموظفين، خاصة الموظفين الذين التحقوا منذ 2011، والذين أصبحوا يشتغلون في مجال المساعدة الاجتماعية، أي أنهم يحاولون ما أمكن أن يصبحوا أقرب إلى المواطنين، خاصة الذين هم في وضعية الهشاشة، يستمعون إليهم  ويلبون احتياجاتهم، سواء عبر الاستماع، أو  التوجيه.

وأوضح مندوب التعاون الوطني بعين السبع الحي المحمدي، أنه يجب أن تتقوى برامج التماسك والتكافل الاجتماعي، وحتى الأغلفة المرصودة لها لتلبية طلبات الأشخاص في وضعية إعاقة، الشيء نفسه بالنسبة للإعانات التقنية، سيما أنهم اليوم يتكلمون عن الدعم المباشر للأشخاص في وضعية إعاقة.

وبالنسبة لظاهرة التشرد، أكد خالي أن الظاهرة واضحة في المجتمع المغربي، لأسباب عدة ضمنها التفكك الأسري والفقر والتعاطي للمخدرات، وعلى أن الظاهرة يجب مواكبتها طيلة السنة، وليس في وقت البرد والشتاء، وأنهم في منطقة عين السبع الحي المحمدي، يحاولون بتضافر جهود جميع المتدخلين، من السلطات المحلية، وجمعيات المجتمع المدني، أن يساعدوا أكبر عدد من الأشخاص الذين يعيشون في وضعية الشارع، بخاصة النساء والفتيات.

وشدد خالي أن التشرد ظاهرة اجتماعية متحركة ومركبة من الصعب إحصاؤها، ويجب الاشتغال عليها كما يجب الاشتغال على البنية التحية، كي يتم استقبال هؤلاء الأشخاص وادماجهم إدماجا صحيحا في المجتمع، عبر تكوينهم في معاهد التكوين المهني، وورشات الصناعة، كي تقطع عليهم سبل الرجوع لوضعية الشارع.

وعن كيفية اشتغالهم مع المشردين والمساعدات التي يقدمونها لهم، أوضح خالي أنهم يشتغلون مع هذه الفئة، وعندما يجدون بعض الحالات الصعبة، خاصة في ما يتعلق بالأشخاص المسنين الذين أصبحوا يرمى بهم في الشارع، ينسقون مع السلطات المحلية، فإذا أرادوا بمحض إرادتهم الإيواء في مراكزبالدار البيضاء، يتم نقلهم لها، وإذا رفضوا يقدمون لهم المساعدة في عين المكان، كالتطبيب الذي تتولى أمره جمعية "الإسعاف الاجتماعي (سامو سوسيال).

وبخصوص الحلول التي من المكن تقديمها للحد من ظاهرة التشرد، أوضح خالي أن الظاهرة كجميع الظواهر الاجتماعية هي نتيجة إفرازات المجتمعات الحديثة، لكن هذا لا يمنع من إيجاد حلول، التي تكون عبر إدماج هذه الفئة من المواطنين، وإعادة الإدماج عبر مجموعة من البرامج، وذلك بناء على رغباتهم وعلى ميولاتهم وقدراتهم، لأن الأشخاص المسنين يبحثون فقط عن مكان وسط يضمن لهم العيش الكريم، بينما الشباب يجب إعادة إدماجهم من أجل الاعتماد على أنفسهم.

 

 

 

بلمدن: نستقبل يوميا 84 إشعارا للتدخل وإمكانية الإيواء ضعيفة

تتكفل جمعية الإسعاف الاجتماعي المعرفة بـ(صامو صوصيال) بالدارالبيضاء، بالأشخاص الذين يعيشون في الشارع، من خلال تقديمها مجموعة من الخدمات الاجتماعية والنفسية، والطبية بأماكن تواجدهم.

 في هذا الإطار، قال هشام بلمدن، مكلف برنامج الشارع بـجمعية "الإسعاف الاجتماعي"، إن هذه الأخيرة تأسست سنة 2006، في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وفي سياق الارتقاء بفلسفة الإسعاف الاجتماعي الدولي، الذي هو فرع لـ"صامو صوصيال" الدولي الذي يوجد بباريس.

وبالنسبة للعمل اليومي للجمعية فهي تعتمد على أربعة أقطاب للاشتغال، قطب الشارع، ومركز الاستقبال اليومي الاستعجالي، ومركز الإيواء الاستعجالي، والقطب التحسيسي والمرافعة، معتبرا أن قطب الشارع هو الأهم حيث توجد لديهم فرقة متنقلة، تتكون من مساعد اجتماعي وممرض وسائق يقومون بجولات ليلية يلتقون خلالها بالأشخاص دون مأوى يتحدثون معهم ويستمعون لهم، محاولين إقناعهم للتخلي عن الشارع، وإذا رفضوا يقدمون لهم المساعدات الطبية والأطعمة والأغطية بعين المكان، وإذا وجدت حالات مستعجلة يعرضونها مباشرة على شركائهم أو ينقلونها للمستشفى، لان " صامو صوصيال" يستغل في أمكان عيش المشردين.

وأوضح هشام أن "صامو صوصيال"، بباريس، يؤكد على ضرورة الاشتغال مع هذه الفئة في أماكن عيشها أي بالقرب منها، حيث يوجد من بينها أشخاص اختاروا العيش طواعية في الشارع وأنهم في المغرب يخرجون للشارع للالتقاء بالأشخاص في وضعية صعبة، لأن لديهم برامج عمل مع هذه الفئة حسب الأعمار، وحسب الأولوية التي تعطى للأطفال.

وأوضح هشام أنهم في المغرب ما زالوا يشتغلون بطرق تقليدية مع مشردي الشوارع ولم يستفيدوا بعد من التجارب الأمريكية والكندية بالنسبة لمركز الاستقبال اليومي لـ"صاموصوصيال"، الذي يفتح أبوابه في الساعة الثامنة ونصف مساء لاستقبال جميع الفئات التي تنام في الشارع، الذين تنقلهم الفرقة المتنقلة أو الذين يوجههم الشركاء لهم، حيث يوجههم للمصلحة الاجتماعية، أو الطبية، أو لمصلحة النظافة والاستحمام في النهار.

 وأبرز هشام أن مركز "صامو صوصيال"، الذي يوجد بمنطقة بوركون بالدار البيضاء، يؤوي الأشخاص بدون مأوى لمدة ثلاث أيام، حتى يتم توجيههم لمراكز أخرى، ويستقبل الأطفال من 6 سنوات إلى 18 سنة والنساء المعنفات، والأمهات العازبات، أما الأطفال أقل من 5 سنوات فيجب أن يكونوا مرفقين بأمهاتهم، حسب القانون.

وشدد بلمدن على أنهم يستقبلون يوميا 84 اشعارا للتدخل، مضيفا أن مدة الإيواء تمثل إشكالية بالنسبة لـ"صامو صوصيال"، لأن هذا الأخير وجد في الأصل من أجل تقديم المساعدة للحالات المستعجلة.

وبالنسبة لاشتغالهم مع التعاون الوطني، قال هشام إنهم يقومون بدور تكميلي، لأنهم يوجهون لهم أشخاصا بدون مأوى، كما تتصل بهم مباشرة حالات من الشارع يعاينونها ويوجهونها أو ينقلونها لمركز الإسعاف الاجتماعي، إذا كانت في حالة خطيرة.

 

 

حملات للتنسيقية الجهوية للتعاون الوطني للعناية بالمشردين بالدارالبيضاء

تتضاعف معاناة المشردين والأشخاص بدون مأوى، خلال هذا الفصل المطير مع قساوة البرد الشديد، إذ يتخذ هؤلاء من الشارع ملاذا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، باحثين عن الدفء بين أقبية العمارات وأرصفة الطرقات، والبيوت المهجورة، وفي كل ركن يمكن ان يؤمن ليلهم، سيما في مدينة مترامية الأطراف كالدارالبيضاء، التي تشهد ارتفاعا وانتشارا لهذه الفئة من المشردين.

وقال زهير الكبير، منسق عملية رصد الأشخاص في وضعية صعبة بالتعاون الوطني، لـ"الصحراء المغربية"، إنهم يكثفون أثناء فصل الشتاء، الذي يشهد انخفاضا كبيرا في درجات الحرارة في جميع ربوع المملكة من الحملات للعناية بالمشردين، من خلال برامج خاصة في الأحياء والأزقة الموجودة في كل العمالات الموجودة بالعاصمة الاقتصادية. وأضاف المنسق أن الحملة التي استهدفت عمالة مقاطعة الدار البيضاء أنفا انتهت، وستليها حملات أخرى بعمالة عين الشق الحي الحسني، وعمالة مقاطعة ابن امسيك ومقاطعة مولاي رشيد، حيث سيجري توزيع الأغطية والأطعمة والملابس على مجموعة مختلفة من المشردين.

وأوضح المنسق أن الحملة الخاصة بمنطقة درب السلطان، استفاد منها 76 مشردا ضمنهم، 6 حالات من المشردين المتسولين بمنطقة انفا، وحالتان تعذر التواصل معهما كونهما مخدرين، و3 حالات بمنطقة الحبوس تعذر التواصل معها، و5 حالات بساحة السراغنة تعذر التواصل معها، وحالة بحديقة لارميطاج تعدر التواصل معها، و10 حالات بساحة بوشنتوف تعذر التواصل معها أيضا، و3 أطفال بمسجد المحطة تعذر التواصل معهم.

بينما شملت حصيلة الخرجة الليلية ليوم 14 فبراير الجاري، بعمالة مقاطعات سيدي البرنوصي 14 حالة، منها ثلاث حالات لنساء، واستفاد الجميع من الأغطية. كما تم إيواء كل من الشهبي. ع، البالغ من العمر 46 سنة والقادم من مدينة الجديدة، وكان يبيت بالقرب من مسجد طارق لمدة ثلاث أيام، بينما شملت حصيلة الخرجة الليلية ليوم 15 فبراير، بعمالة مقاطعة سدي البرنوصي، 9 حالات، منها امرأة مسنة تعيش وضعا صعبا رفقة ابنيها المختلين عقليا في كوخ، كما تم رصد أيضا حالة شاب يبلغ من العمر 36 سنة، ينام بباب مسجد الأندلس المعروف بمسجد الكوشي بحي أنسي.

 

 

 

لحسن .. تجربة حياة متزنة رمت بها الأقدار في الشارع

لحسن. ج  (64 سنة)، إنسان وقور متزن يعيش في "عشة" في الخلاء، غير بعيد عن مستشفى محمد الخامس بالحي المحمدي، منذ 4  أو 6 سنوات، لا يتذكر بالضبط كم سنة، لأن الوقت لدى لحسن ليس له قيمة ولا ثمن، وليله كنهاره، ضياع وتشرد، يعيش وحيدا، بطاقته الوطنيةتثبت أنه من أبناء الحي المحمدي بـ"كاريان الحيط"، الذي شب وترعرع فيه، والذي تخرج منه رجال ونساء يشهد

بالقرب من مستشفى محمد الخامس بالحي المحمدي، وبالشارع المحاذي لحائط شركة إفريقيا، نصب سي لحسن خيمة صغيرة، عبارة عن "عشة"، مكونة من قطعة من الخشب، مثبتة على الحائط المذكور، مغطاة برقعة من غطاء متلاشي وضعت فوقها قطعة كبيرة من البلاسيتك للوقاية من الأمطار، وفوقها قطعة من حصير متلاشي يزيد من دفء "الفضاء" الصغير، الذي لا يتجاوز مترين طولا ومترا عرضا.

 بداخل "العشة" أغراض اعتبرها لحسن دون قيمة، بعض الملابس القديمة، وقنينات بلاستيكة مملوءة بالماء، وحذاء رياضي قديم جدا.

اقترب شباب التعاون الوطني وجميع الإسعافات الاجتماعية من سي لحسن، فتقدم إدريس خالي، المندوب الجهوي للتعاون الوطني للحي المحمدي عين السبع، باسطا يديه لاحتضانه وضمه لصدره وكأنه يعرفه من زمن طويل، بادله لحسن بعناق وتحية ورحب بالجميع الذين وعدوه بأنهم سيعتنون به وسيبحثون له عن مكان يحفظ كرامته للعيش فيه، وأن حياته ستتغير، اغرورقت عيناه ورحب بالفكرة.

 طلب منه إدريس خالي أن يأخذ أغراضه، لكن لم يأخذ شيئا، وترك المكان دون أن يلتفت إليه وكأنه تخلص من لعنة وخوف وقهر قسم حياته، جلس لحسن في السيارة وبدأ يسرد لنا تفاصيل حياته.

 قال إنه ابن الحي المحمدي الذي تعلم في مدراسه، فكانت البداية من مدرسة ابن الخطيب بعين السبع، ثم انتقل لمدرسة خاصة كانت تحمل اسم "الأمل"، ودرس الإعدادي بإعدادية الأمير سيدي محمد، التي قضا بها 3 سنوات، ثم ثانوية الأزهر بـ2 مارس، ومدرسة خاصة باللغة الفرنسية "اسيميل" كانت توجد بشارع علال بن عبد الله، ومنها انطلق لعالم الشغل، ثم أضاف أنه اشتغل في شبابه في أماكن عدة، إلى أن انتقل للعيش في ليبيا التي رتب فيها حياته، واشتغل في شركة للبترول، بعدها انتقل للعيش في هولندا وبلجيكا، وفي العديد من الدول، التي كان يمتهن فيها التجارة، كما كان يشتغل في المقاهي والمطاعم، إلى أن شده الحنين لبلده وعاد لأرض الوطن، حينها لاحظ أن الحياة كلها تغيرت، حيث غيب الموت الوالدين، وتفرق الأخوة والأخوات، وانغمس الجميع في مشاكلهم العائلية، ولم يجد بينهم مكان. من هنا انطلقت رحلة العذاب والعيش في الشارع الذي لا يرحم وأصبح عرضة للبرد والحر، والخوف من أن ينقض عليه مشرد ثمل ويقتله، لكن المجازفة كانت دائما حاضرة حيث لسعته العقرب مرتين.

داخل "العشة"، كان يتابع البرامج الرياضة عبر مذياعه الصغير، لأن الرياضة، وخاصة كرة القدم، كانت هوايته المفضلة منذ الصغر، كما كان عاشقا ملهما لجل الفرق الرياضية العالمية، إلى جانب فريقي الوداد والرجاء.

 

 

فواسي تعرض تفاصيل الاشتغال داخل وحدات حماية الطفولة

أفادت أمينة فواسي، مساعدة اجتماعية بوحدة حماية الطفولة بمنطقة الفداء- مرس السلطان، أنهم مكلفون باستقبال الأطفال الذين يوجدون في وضعية صعبة، يستمعون لهم ويوجهونهم لشركائهم، مضيفة في لقاء مع "الصحراء المغربية"، أنهم داخل الوحدة يدرسون جميع المعطيات الخاصة بالأطفال لمعرفة هل هم من الأشخاص المعنفين، أم أنهم ضحايا الهدر المدرسي، محاولين إيجاد حل لهم عن طريق توجيههم لشركائهم المتمثلين في وزارة التربية الوطنية التعليم، وزارة الصحة، والعدل، وجمعيات المجتمع المدني، وإذا كان مشكلة الطفل غير مستعصية يحاولون حلها من مقرهم، وفي حالة ما احتاج الأطفال لاستشارة قانونية أو طبية يوجهونهم لمختصين في هذا الشأن.

وأوضحت فواسي أن وحدة حماية الطفولة بمنطقة الفداء – مرس السلطان، تستقبل الأطفال ضحايا العنف بشتى أشكاله الجنسي أو الجسدي، أو الاجتماعي، وحتى الأطفال غير المسجلين في دفتر الحالة المدنية، وغير الممدرسين، والأطفال المهملين واليتامى، سيما أن وحدة حماية الطفولة في منطقة الفداء درب السلطان، تشتغل مع خلية تعنى بالأطفال المهملين لرصد ومعرفة أسباب ارتماء هذه الفئة في الشارع، مشيرة إلى أن عددا من الأطفال يقصدون الوحدة بتوجيه من أشخاص آخرين، هذا الى جانب مرافقتهم للخرجات التي ينظمها التعاون الوطني للبحث عن الأطفال المهملين الذين يعيشون في الشارع.

وفي ما يخص اشتغالهم مع الفئات الهشة، أكدت أمينة أنهم يشتغلون كمساعدين اجتماعيين، إذا أخبروا بوجود حالات من الأشخاص في وضعية صعبة في منطقة الفداء، يخرجون كفرق لترصدها ومعرفة أسبابها، كما أنهم يقدمون خدمات للأشخاص المسنين بدون مأوى وباقي الأشخاص المهملين الذين يستمعون لهم في عين الأماكن، وبحكم ان الدار البيضاء مدينة كبيرة يقصد مقر وحدة حماية الطفولة أشخاص يخطئون طريق أقاربهم ويصبحون مشردين، فيتولى المشرفون على الوحدة الاجتماعية عملية البحث عن أقاربهم، كما يشتغلون كوسطاء بين المشردين وبين أسرهم محاولين ربط الاتصال بينهم وإعادتهم إلى أسرهم، وعندما يرفضون يمدونهم ببعض المساعدات كالأغطية والأطعمة، والملابس لأن الشارع يتطلب ذلك.

 

 

شكيب كسوس يعرض خطة من 3 مستويات لإدماج المتشردين

أكد شكيب كسوس، سوسسيو-أنثروبولوجي خبير استشاري دولي، أن ظاهرة التشرد عالمية، انتشرت في السنوات الأخيرة ببلدنا بشكل مهمول، وأن عدد المشردين مرتفع جدا وأنه لا توجد إحصائيات دقيقة لأن الظاهرة متحركة وغير مستقرة، والإحصائيات الموجودة تقديرية فقط، وان ما بين 11 و18 في مائة من المشردين فتيات ونساء، وأنه يجب الاشتغال على الظاهرة بجد للحد منها عبر إعادة إدماجهم إدماجا حقيقيا.

وكشف في لقاء مع "الصحراء المغربية"، أن هناك عدة مشاكل اجتماعية واقتصادية ونفسية تدفع الأشخاص للعيش في الشارع، مذكرا من خلال أبحاث أنجزها حول أشخاص عاشوا في الشارع منذ 30 أو 40 سنة، قال إنهم تغيرت فيها حياتهم، وضاعت جذورهم، وتعلموا في الشارع قوانين وقيما وأفكارا مخالفة للدفاع عن أنفسهم، وإثبات ذواتهم في عالم لا يرحم تعتبر فيه القوة اللغة السائدة، وان أشخاصا خرجوا للشارع وهم أطفال وصاروا الآن كهولا وانهارت قواهم، وأضحوا يبحثون عن مكان يحميهم إلى ان يغادروا الحياة.

وأضاف شكيب، بالشارع رجال وشباب وأطفالا رمت بهم الحياة لأسباب متباينة للمجهول حتى النساء لم يستثنين من العيش فوق الأرصفة، حيث يمثلن ما بين 11و18 في المائة من عدد المشردين، يرجع تواجد الاناث في الشارع لثلاثة أسباب رئيسية، أولها المطلقات اللواتي لا يتوفرن على عمل، وليس لديهن معيل، والشابات اللواتي كن يمتهن الدعارة وعند تقدمهن في السن تخلى عليهن الكل، والأمهات العازبات القادمات من مدن بعيدة هربا من العار والفضيحة التي تطالهن وأسرهن، فيتجهن صوب مدينة الدار البيضاء العملاقة التي لا يعرفهن فيها احد هذه هي الأسباب الرئيسية التي تدفع بالنساء إلى الشارع.

وبالنسبة لأسباب التي تدفع بالأطفال للعيش في الشارع، أشار كسوس إلى أن التفكك الأسري من بين الأسباب المهمة التي تدفع بهم للشارع، حيث يوجد فيه أيضا خريجو السجون الذين لا يتمكنون من الحصول على عمل، فضلا عن الذين ليست لهم علاقة جدية مع أسرهم، فضلا عن المتعاطين للكحول والمخدرات الذين ترفضهم عائلاتهم.

 وشدد كسوس أنه، بحسب بحث أجراه في نونبر الماضي حول الأشخاص دون مأوى، تأكد أن 80 في المائة من الأطفال الذين يوجدون في الشارع بسبب المشاكل العائلية، وبسبب العنف الذي يمارس عليهم وسط الأسرة، وبسبب شعورهم بالظلم وغياب الجانب العاطفي خصوصا بالنسبة للأطفال الذين فقدوا أمهاتهم وتسلط زوجة الأب عليهم، والسبب الثاني الهدر المدرسي.

وبالنسبة للإجراءات التي يجب اتخاذها للحد من ظاهرة التشرد، أكد كسوس أنهم فكروا اليوم في فلسفة من ثلاث درجات كي تتم عملية إعادة إدماج المشردين، سيما الشباب والأطفال، والتي تتمثل في وضع هذه الفئة في مراكز مفتوحة حتى لا تشعر بفقدانها للحرية، ثم مواكبتها وإعطائها الثقة في نفسها وفي المستقبل وفي المؤسسات والأشخاص وفي الأسرة، وإقناعها بالتخلي عن المخدرات، ومساعدتها على تعلم حرف تساعدها على الاعتماد على نفسها في المستقبل، ثم مصالحتها مع المجتمع. وهذا يتطلب مجهودا وتضحية لإنقاذ المشردين الأطفال والشباب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


إدريس خالي : "الاعتناء بالاشخاص في وضعية تشرد يدخل في صلب اهتماماتنا"




تابعونا على فيسبوك