أضحى مشكل الرفع من وتيرة النمو يشغل بال الحكومة والمؤسسات المالية الدولية ومراكز البحث المهتمة بالظرفية الاقتصادية على حد سواء.
فإذا كانت الحكومة اختارت منهجية مواكبة الاصلاحات لتحقيق النمو وتيسير الشروط امام المزيد من الاستثمارات المنتجة كحل للرفع من معدل النمو، فإن نتيجة هذه الاصلاحات في نظر العديد من المحللين لا تنعكس بالضرورة على معدل النمو الذي يبقى دون مستوى التحديات التي يواجهها الاقتصاد الوطني.
وفي هذا الاطار، أكد الخبير الاقتصادي بالبنك العالمي خوصي لوبيز كاليكس، أن معدل النمو المسجل في المغرب يبقى غير كاف للتقليص من حدة الفقر والبطالة بشكل ملحوظ، موضحا أن إشكالية ضعف النمو تبقى قضية مركزية وضرورية لتنمية البلاد.
وقال خوصي لوبيز في مقال صدر له بالعدد الأخير من مجلة "نوافذ" التي يصدرها مكتب البنك العالمي بالرباط، إن مشكل النمو يبقى بالنسبة للعديد من المتتبعين أمرا غريبا بالنظر للمفارقة المسجلة ما بين التقدم المحقق خلال السنوات الأخيرة في مجال استقرارالاسعار وتخفيض المديونية العمومية وتحديث النظام المالي، في إصلاح التربية وانطلاق السياحة من جهة، وضعف وتيرة النمو.
وأعلن لوبيز أن دراسة حديثة للبنك العالمي حول هذه الاشكالية ستصدر قريبا، تطرقت لوتيرة النمو في 83 دولة ما بين 1960و2000، وخلصت الى كون "أقل من 20 % من هذه البلدان عرفت مراحل نمو اقتصادي بعد تجربة مسلسل تحرير الاقتصاد".
كما استنتجت الدراسة بأن مراحل النمو المرتفعة ليست بالضرورة مرتبطة بالإصلاحات, ولكن بتغيرات اعتبرتها أكثر ارتباطا بما يسمى بـ " الإكراهات المعرقلة اكثر للنمو"، مؤكدة أن الاصلاحات على اهميتها لا تسمح بضمان نمو سريع، وهو ما يتطلب تحديد هذه الاكراهات التي تحد من وتيرة النمو الاقتصادي.
وأوضح لوبيز استنادا دائما لنتائج الدراسة سالفة الذكر، أن المنهجية الجديدة المعروفة باسم "افتحاص النمو" والتي تخص كل بلد على حدى، تتوقف عند السياسات الارادية والنشيطة لتلك الدول خاصة في ميادين تنويع الانتاج الاقتصادي، لتحدد نوعية الاصلاحات الخاصة بكل بلد.
وحسب الدراسة الاقتصادية، فإن المغرب يعاني من "صيرورة تحول هيكلية أكثر بطئا، ولا تسمح بتحقيق النمو السريع، خاصة في مجال الصادرات المطالبة بمواجهة صدمات خارجية غير ملائمة من طرف البلدان المنافسة في أهم الاسواق المستهدفة من طرف الصادرات المغربية" .
وتتطلب صيرورة " تنويع الانتاج " أن يسرع المغرب وتيرة التحول من إنتاج منتوجات ضعيفة نحو منتوجات ذات قيمة مضافة أعلى، استنادا إلى التجربة العالمية للدول الصاعدة التي أبانت عن كون الأهم ليس هو "كمية الصادرات"، بل "نوعية وماهية هذه الصادرات"، والتي توفر أكبر قيمة لتحقيق إنجاز اقتصادي أفضل.
وحدد لوبيز نقط ضعف السياسة الاقتصادية في المغرب في أربعة إكراهات أساسية تتعلق بـ "تصلب سوق الشغل" وسياسة عرض ذات كلفة عالية لا تسمح له باستثمار الرأسمال البشري المؤهل، بالإضافة إلى نظام صرف ثابت لا يسمح بالتنافس مع باقي دول العالم.
اما العائق الرابع والاخير، فيهم المستوى العالي للحماية التجارية والتي لا تسمح بنمو الصادرات.
وإلى جانب هذه العوامل المعيقة للإقلاع الاقتصادي، سجل الخبير الاقتصادي لدى البنك العالمي ثلاث نواقص في السوق تعتبر في رأيه مسؤولة عن ضعف وتيرة النمو، وهي نواقص تهم التواصل الذي يسمح بالتزوير والقرصنة، ويخفض من معدلات الفائدة في الأنشطة الحديثة، بالإضافة الى نواقص في عملية التنسيق بين القطاعين العمومي والخاص.
كما سجل ضعفا في مجال التكوين يجعل من المغرب اليوم من بين الدول التي تعرف أدنى مستوى من التكوين داخل المقاولات في العالم.
ولمواجهة هذه النواقص التي تساهم في اضعاف التنافسية والحد من الابتكار، تقترح دراسة البنك العالمي سياسات تصحيحية من شأنها إزالة الحواجز المنتصبة في طريق النمو، وهي سياسات تجري مناقشتها اليوم مع الحكومة المغربية.
وتهم هذه السياسات الإطار الماكرو اقتصادي والعوائق المحددة، كما تقترح اجراءات لتشجيع الابتكار، تم اختيارها من دراسات انجزت خصيصا للمغرب في اطار تطوير انشطة جديدة من قبيل مراكز الاتصال ومنطقة التبادل الحر بطنجة والخطة الوطنية للسياحة.