الداخلة تحتضن لقاء اقتصاديا مغربيا فرنسيا يرسم آفاق شراكة جديدة بالأقاليم الجنوبية

الصحراء المغربية
الخميس 09 أكتوبر 2025 - 16:07

في قلب الصحراء المغربية، وتحديدا بمدينة الداخلة، التأم اليوم الخميس حشد من الفاعلين الاقتصاديين والدبلوماسيين المغاربة والفرنسيين في لقاء وُصف بأنه محطة مفصلية في مسار الشراكة الاقتصادية بين البلدين.

الحدث، الذي حمل عنوان "الأقاليم الجنوبية المغربية: نحو آفاق جديدة لتطوير الشراكة الاقتصادية المغربية–الفرنسية"، نظم بمبادرة مشتركة بين القطاعين العام والخاص من كلا البلدين، وبحضور وازن شمل شخصيات رسمية واقتصادية مرموقة، يتقدمهم كريم زيدان، الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، ومهدي التازي، نائب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وفابريس لو ساشي، نائب رئيس حركة المقاولات الفرنسية (MEDEF)، ومحمد الكتاني، الرئيس المدير العام لمجموعة التجاري وفابنك، إلى جانب عدد من السفراء والمسؤولين والفاعلين الاقتصاديين من الجانبين.
وفي كلمته الافتتاحية، أكد الوزير كريم زيدان أن هذا اللقاء يشكل امتدادا لمسار التعاون المثمر بين المغرب وفرنسا، ويعكس متانة العلاقة الثنائية المبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وقال "اللقاء الاقتصادي بالداخلة يأتي في سياق حوار متواصل بين بلدينا، بعد عام تقريبا من الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب، وهو ما يعكس متانة الشراكة وعمقها الاستراتيجي".
وأضاف أن العلاقات الاقتصادية المغربية الفرنسية تُعد نموذجاً فريدا على الصعيدين الإفريقي والمتوسطي، إذ تعد فرنسا ثاني شريك تجاري للمغرب وأول مستثمر أجنبي فيه، فيما أصبحت المملكة أول مستثمر إفريقي في فرنسا.

وأوضح أن نحو ثلث الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي استقبلها المغرب في سنة 2024 كانت من منشأ فرنسي، مشيرا إلى أن هذا التفاعل الاقتصادي "ليس ذا اتجاه واحد"، بل إن المقاولات المغربية كثفت بدورها حضورها في السوق الفرنسية، في تجسيد لعمق التكامل بين الاقتصادين.
وتوقف الوزير عند الميثاق الجديد للاستثمار، الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، باعتباره ركيزة استراتيجية لتحفيز الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي وتوجيهه نحو المجالات الواعدة.
وذكر أن هذا الميثاق يهدف إلى تعبئة 550 مليار درهم في أفق 2026، مع تقديم تحفيزات خاصة للمشاريع الموجهة للأقاليم الجنوبية والقطاعات ذات القيمة المضافة العالية، مثل الطاقات المتجددة، الصناعة، الفلاحة، والتكنولوجيات الحديثة.

وأكد الوزير أن اختيار الداخلة لاحتضان اللقاء لم يكن صدفة، بل نابع من قناعة راسخة بأن الأقاليم الجنوبية أصبحت فضاء استراتيجيا للنمو المتسارع ومعبراً للتكامل الإفريقي الأوروبي.
وأوضح أن هذه المناطق، بموقعها الجغرافي المتميز، تشكل صلة وصل طبيعية بين أوروبا وإفريقيا، وتتوفر على بنية تحتية حديثة ومشاريع مهيكلة من أبرزها ميناء الداخلة الأطلسي، والطريق السريع أكادير–الداخلة الذي يمتد على أكثر من ألف كيلومتر، ومشروع الربط الكهربائي الذي يربط الجنوب بالشبكة الوطنية.
كما أشار إلى مشروع أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب، الذي يعكس الطموح القاري للمملكة في لعب دور محوري كجسر للطاقة بين إفريقيا وأوروبا.
وقال زيدان إن هذه المشاريع الكبرى تمثل جوهر الرؤية الملكية لتنمية الأقاليم الجنوبية، التي تجعل من منطقة الداخلة وادي الذهب نموذجا للتنمية المتوازنة والمستدامة، ومختبرا لتفعيل السياسات الاستثمارية المتقدمة، داعيا إلى بناء تحالف اقتصادي مغربي–فرنسي جديد ومتوازن يواكب هذه الدينامية.

وعلى مستوى الاستثمار، أبرز المسؤول الحكومي أن فرنسا ما تزال أول مستثمر أجنبي بالمغرب، بأكثر من ألف فرع لشركات فرنسية تنشط في مختلف القطاعات، مشيراً إلى أن حوالي ثلث الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي استقطبها المغرب سنة 2024 كانت فرنسية المصدر. كما لفت إلى أن هذا التبادل ليس أحادي الاتجاه، فالمغرب أصبح بدوره مستثمرا رئيسيا في فرنسا، حيث توجه نحو ثلثي الاستثمارات المغربية الخارجية إلى السوق الفرنسية خلال العام ذاته، مما يجعل المملكة أول مستثمر إفريقي في فرنسا.
وأوضح زيدان أن هذا الزخم يعكس نضج وعمق الشراكة المغربية الفرنسية، خاصة في ظل الإصلاح الشامل الذي يشهده قطاع الاستثمار بالمغرب، والمتمثل في الميثاق الجديد للاستثمار الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس.

وأشار إلى أن اختيار الداخلة لاحتضان هذا اللقاء ليس اعتباطيا، بل يعكس القناعة الراسخة بأن الأقاليم الجنوبية أصبحت مركزا واعدا للنمو الاقتصادي ومعبرا استراتيجيا يربط بين أوروبا وإفريقيا. فهذه الأقاليم، بفضل موقعها الجغرافي ومؤهلاتها الطبيعية، مؤهلة لتكون جسراً تجارياً بين القارتين ومركزاً محورياً للتبادل البحري والدينامية القارية.
وفي هذا السياق، أبرز زيدان أهمية المشاريع المهيكلة التي تشهدها الجهة، وعلى رأسها ميناء الداخلة الأطلسي الذي يمثل تجسيدا لطموح المغرب في تجهيز مناطقه الجنوبية ببنى تحتية حديثة قادرة على مواكبة التحولات الاقتصادية العالمية، وتعزيز دور المملكة كمنصة استراتيجية تربط إفريقيا بأوروبا وأمريكا.

وأكد الوزير أن الشراكة الاقتصادية المغربية–الفرنسية مطالبة اليوم بالتركيز على أربعة محاور استراتيجية رئيسية بالأقاليم الجنوبية، ويتعلق الأمر بالطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر، حيث يعمل المغرب على تعزيز مكانته كفاعل رائد في الانتقال الطاقي، مستهدفا بلوغ نسبة 52 في المائة من الطاقة المتجددة في المزيج الوطني بحلول سنة 2030. كما يشكل "عرض المغرب للهيدروجين الأخضر" فرصة كبيرة لتطوير مشاريع صناعية مشتركة مع فرنسا وأوروبا. وأفاد أن المحور الثاني يهم السياحة المستدامة، إذ تشهد الأقاليم الجنوبية طفرة نوعية في هذا المجال، بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، والتي جعلت من هذه المناطق وجهة سياحية عالمية تجمع بين الأصالة المغربية والتنوع الطبيعي والثقافي والبنيات الحديثة.
أما المحور الثالث، فيرتبط بالبنيات التحتية والنقل والطاقة، حيث تسهم المشاريع الكبرى مثل الطريق السريع أكادير–الداخلة، وميناء الداخلة الأطلسي، وخط الكهرباء الرابط بالشبكة الوطنية، في تعزيز الاندماج الاقتصادي وتسهيل حركة السلع والخدمات. كما أن مشروع أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب يجسد البعد القاري الطموح للمغرب ودوره كجسر للطاقة بين إفريقيا وأوروبا. في حين هم المحور الرابع، القطاع الصناعي الموجه نحو المستقبل، باعتباره رافعة أساسية لتوليد القيمة المضافة وخلق فرص الشغل، ودعامة رئيسية لمسار التنمية المستدامة بالمملكة.

وفي ختام كلمته، أبرز كريم زيدان أن التحالف الاقتصادي المغربي–الفرنسي مطالب اليوم بأن يتجدد ويتوازن، مستندا إلى ثلاثة مرتكزات، وهي الثقة المتبادلة، والفرص التنموية الهائلة التي تزخر بها الأقاليم الجنوبية، ثم الانفتاح الإفريقي للمغرب الذي يجعل من هذه الأقاليم فضاء نموذجيا للتعاون المشترك في مجالات الطاقة، واللوجيستيك، والصيد البحري المستدام، والسياحة، والبنيات التحتية الخضراء.
وأكد الوزير أن اللقاء المنعقد بالداخلة ليس مجرد موعد مؤسساتي، بل هو خطوة عملية نحو بناء مستقبل مشترك أكثر ازدهارا في إطار مقاربة رابح–رابح، تعكس التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، ورغبة البلدين في ترسيخ شراكة اقتصادية متوازنة ومثمرة تخدم المصلحة المشتركة.
بدوره، قال محمد الكتاني، المدير العام لمجموعة التجاري وفابنك، إن هذا المنتدى يأتي امتدادا للزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب، بدعوة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ويهدف إلى تعميق التعاون الاقتصادي بين بلدينا.

وأضاف "إن هذه المدينة الجميلة التي تستضيفنا اليوم، الداخلة، تحمل رمزية كبيرة جدا، إذ تؤكد موقف الجمهورية الفرنسية الداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية من خلال اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. كما أن حضور مستثمرين فرنسيين محتملين في هذه الأقاليم يترجم هذا الموقف السياسي إلى واقع اقتصادي ملموس"
كما تطرق الكتاني إلى المشاريع الاستثمارية الفرنسية-المغربية المشتركة في مدينة الداخلة.
من جانبه، عبر مهدي التازي عن اعتزازه بتنظيم هذا الحدث في الداخلة، قائلا "الأقاليم الجنوبية تزخر بإمكانات غير مستغلة بعد، في الفلاحة، والسياحة المستدامة، والطاقات المتجددة".
وأضاف أن المغرب استثمر ما يفوق 7 ملايير أورو في مشاريع البنية التحتية والتنمية بالأقاليم الجنوبية، في إطار الرؤية الملكية الهادفة إلى جعل هذه الأقاليم نموذجا للتنمية المتكاملة، مشيرا إلى أن ميناء الداخلة الأطلسي سيكون جسرا تجاريا جديدا بين أوروبا وإفريقيا، على غرار تجربة ميناء طنجة المتوسط الذي غيّر ملامح التجارة الإقليمية.
وأكد فابريس لو ساشي أن حضور الوفد الفرنسي القوي في الداخلة يجسد اهتمام المقاولات الفرنسية بالفرص الاستثمارية الهائلة التي تتيحها المنطقة، مشيراً إلى أن التعاون المغربي–الفرنسي تجاوز البعد الثنائي ليأخذ اتجاها إفريقيا تكامليا.

وقال "ما يميز التجربة المغربية هو طابعها الاندماجي، فهي لا تنغلق على السوق المحلية فقط، بل تمتد إلى عمق القارة الإفريقية، وهو ما يجعل من المغرب منصة استراتيجية نحو إفريقيا جنوب الصحراء".
وأضاف أن المقاولات الفرنسية تسعى إلى بناء شراكات ميدانية قائمة على الفهم والتكامل، خصوصا في مجالات الفلاحة، الطاقة، الصناعات التحويلية، والخدمات الرقمية، مؤكداً أن الرهان لا يقتصر على الاستثمار فقط، بل على خلق قيمة مضافة محلية وفرص شغل مستدامة.
وشهد هذا الحدث مشاركة أزيد من 300 من أرباب المقاولات من كلا البلدين لاستكشاف فرص جديدة للتعاون في قطاعات البنية التحتية والطاقة والصناعات الغذائية والخدمات. ويهدف هذا الاجتماع رفيع المستوى، الذي ينظمه الاتحاد العام لمقاولات المغرب وحركة مقاولات فرنسا (MEDEF)، من خلال نادي أرباب العمل فرنسا المغرب، إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية الثنائية وتحديد أوجه تآزر جديدة بين مجتمعي الأعمال المغربي والفرنسي.

وتركز أشغال المنتدى على المبادرة الملكية الأطلسية، والأمن الغذائي، والانتقال الطاقي، وإزالة الكربون، بالإضافة إلى السياحة والتكوين. ويشارك ضمن المنتدى عدد من القادة الاقتصاديين ومسؤولين مؤسساتيين من كلا البلدين، إلى جانب ممثلين عن مؤسسات عمومية وخاصة. ويعد هذا الحدث استمرار ا لزيارة الدولة التي قام بها الرئيس إيمانويل ماكرون إلى المغرب، وامتدادا للدينامية التي أطلقت في الرباط سنة 2024، حيث تم توقيع نحو عشرين اتفاقية اقتصادية.
وكان سفير فرنسا بالمغرب، كريستوف لوكورتييه، أكد أن بلاده تطمح لأن تكون شريكا في تنمية الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، بما يعود بالنفع على السكان الذين يتطلعون إلى مستقبل أكثر إشراقا بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس.

وأبرز لوكورتييه، عشية انعقاد المنتدى الاقتصادي المغربي-الفرنسي بالداخلة، الإمكانات الاقتصادية الهائلة التي تزخر بها هذه الأقاليم، بفضل ما تتوفر عليه من مؤهلات، سيما في مجال الطاقات المتجددة، وموقعها الجغرافي الذي يؤهلها لتصبح مركزا حقيقيا في منطقة الساحل وغرب إفريقيا.
وقال "إنها رؤية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، ونحن نتقاسمها ونريد الإسهام بفعالية في هذا المسار التنموي لفائدة الساكنة التي تتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقا. نريد أن نكون شركاء في هذا المستقبل".
من جهة أخرى، أكد الدبلوماسي الفرنسي أن الأقاليم الجنوبية للمغرب تشكل أفقا جديدا للتعاون متعدد الأبعاد لفرنسا مع المملكة، مشيرا في هذا السياق، إلى افتتاح مؤسسات تعليمية فرنسية جديدة بهذه الأقاليم، ومركزا ثقافيا في المستقبل، ومركزا لمعالجة طلبات التأشيرة، إلى جانب توسيع نطاق عمل الوكالة الفرنسية للتنمية ليشمل هذه المناطق.




تابعونا على فيسبوك