أكد محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، في كلمته الافتتاحية لأشغال المناظرات الوطنية الأولى للإشهار، المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن العالم يعيش اليوم تحولات متسارعة تبرز بجلاء الأهمية المتزايدة لصورة العلامة والسمعة التجارية في ظل منافسة اقتصادية عالمية محتدمة.
وأوضح الوزير أن الإشهار يوجد اليوم في صميم هذا التقاطع بين الاقتصاد والصورة، باعتباره مجالا ديناميكيا يشهد تطورا متواصلا في صيغ التعبير، وأساليب التواصل، ونماذج الإبداع، مبرزا أن هذه المناظرات تشكل محطة حاسمة في مسار بناء منظومة وطنية حديثة ومتكاملة للإشهار، تقوم على الشفافية، والتنظيم، والدينامية، بمشاركة مختلف المتدخلين من مؤسسات عمومية، وفاعلين اقتصاديين، ومهنيين، وخبراء، ومجتمع مدني.
وأضاف بنسعيد أن هذه المبادرة تأتي انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية التي تدعو إلى جعل الإنسان، والثقافة، والتكوين، والإبداع في صلب النموذج التنموي المغربي الجديد، مشيرا إلى أن الإشهار، بقدر ما هو وسيلة للترويج والتأثير، فهو كذلك محرك للإبداع وفرص الشغل، ورافعة لتبني التقنيات الحديثة، وركيزة من ركائز السيادة الرقمية والإعلامية التي يسعى المغرب إلى ترسيخها.
وأكد الوزير أن الإشهار لا يعد فقط قطاعا اقتصاديا مزدهرا، بل هو أيضا مصدر أساسي لتمويل وسائل الإعلام الوطنية، باعتبار أن وجود صحافة حرة ومستقلة يتطلب تمويلا شفافا ومستداما.
وشدد على أن تطوير قطاع إشهاري وطني قوي ومهيكل سيمكن من إعادة التوازن في العلاقة مع كبريات الشركات متعددة الجنسيات، ومن توجيه جزء من العائدات المالية نحو دعم المقاولات الوطنية وتعزيز تنافسيتها.
وأشار بنسعيد إلى أن الصناعات الثقافية والإبداعية باتت تمثل حاليا 2.7 في المائة من الناتج الداخلي الخام مقابل 2.4 في المائة سنة 2022، مع خلق ما يزيد عن 140 ألف فرصة عمل، ثلثها في مجالات رقمية وإبداعية متقدمة. وأبرز أن الهدف المسطر هو رفع مساهمة هذه الصناعات إلى 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام بحلول سنة 2030، وهو طموح وصفه بالواقعي بالنظر إلى غنى الإبداع المغربي وتنوع طاقاته الشابة.
كما دعا الوزير إلى وقف ما سماه "هجرة الخيال والإبداع نحو الخارج"، مشددا على ضرورة أن يجعل المبدعون المغاربة من إنتاجهم رافعة لتغذية الصناعة الإشهارية الوطنية، ونشر القيم الأصيلة للمجتمع المغربي القائم على الانفتاح، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، والتماسك المجتمعي.
وفي ختام كلمته، أعلن بنسعيد أن جميع أعمال هذه المناظرات وما ستنتجه من توصيات ومقترحات، سيتم جمعها ونشرها في دليل مرجعي يشكل ذاكرة جماعية للقطاع الإشهاري الوطني ومرجعا لتطوره خلال السنوات المقبلة.
لطيفة أخرباش، رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، لفتت في كلمتها خلال الجلسة الافتتاحية للمناظرات الوطنية الأولى للإشهار، أن هذا اللقاء يشكل محطة وطنية مهمة للتفكير الجماعي والحوار المؤسساتي حول مستقبل المنظومة الإشهارية بالمغرب، في سياق التحولات العميقة التي تشهدها صناعة الإعلام والاتصال على المستويين الوطني والدولي.
وأوضحت أن الإشهار لم يعد مجرد نشاط تجاري أو مورد اقتصادي، بل أصبح رافعة استراتيجية في معادلة السيادة الإعلامية والثقافية، وعنصرا أساسيا في ضمان استقلالية وتعددية وسائل الإعلام.
وأبرزت أن واقع سوق الإشهار الوطني يفرض اليوم مقاربة جديدة تقوم على الإنصاف والشفافية والنجاعة، بما يضمن توازنا بين البعد الاقتصادي والبعد القيمي والاجتماعي لهذا القطاع.
وشددت أخرباش على أن الإشهار، في جوهره، خطاب موجه إلى المواطن يسهم في تشكيل تمثلاته وقيمه وسلوكياته، الأمر الذي يجعل من الأخلاقيات المهنية محورا أساسيا في أي سياسة إشهارية مسؤولة.
وأكدت أن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، بحكم دورها الدستوري كضامن لتعددية وتوازن الفضاء السمعي البصري، تولي أهمية قصوى لمبدأ الفصل الواضح بين المحتوى التحريري والإشهاري، وتحرص على محاربة كل أشكال الخلط أو التضليل التي قد تمس بثقة المواطن في الإعلام الوطني.
وأضافت أن تحديات المنظومة الإشهارية لا تنحصر فقط في بعدها المهني أو الاقتصادي، بل تمتد إلى الفضاء الرقمي الذي بات يستقطب جزءا كبيرا من الاستثمارات الإشهارية العالمية، عبر المنصات الرقمية الكبرى مثل: "غوغل" و"ميتا" و"يوتيوب" و"تيك توك".
وأشارت إلى أن هذا التحول أحدث اختلالات في السوق الإعلامية الوطنية، تستوجب إعادة التفكير في الإطار القانوني والتنظيمي بما يحمي المعلنين والفاعلين الوطنيين، ويضمن مبدأ العدالة الجبائية وتكافؤ الفرص بين المنصات الدولية ووسائل الإعلام المحلية.
كما دعت إلى بلورة مرجعية وطنية جامعة في مجال الإشهار، تقوم على ثلاث ركائز أساسية، وهي الأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية للإشهار، والشفافية في التدبير والتوزيع العادل للموارد، والإبداع والابتكار في المحتوى الإشهاري الوطني الذي يعكس الهوية المغربية.
وأبرزت رئيسة "الهاكا" أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تعاونا مؤسساتيا وثيقا بين مختلف المتدخلين: الحكومة، والمجالس التنظيمية، والفاعلين الاقتصاديين، ووسائل الإعلام، والمهنيين في مجال الإشهار والتسويق، من أجل بلورة رؤية وطنية متكاملة تجعل من الإشهار رافعة للتنمية الثقافية والاجتماعية، وليس مجرد نشاط اقتصادي ربحي.
وفي ختام كلمتها، أكدت لطيفة أخرباش أن الإشهار أصبح قضية سيادة وطنية، ترتبط بقدرتنا على إنتاج وترويج خطاب بصري واتصالي يعكس قيمنا وثقافتنا، ويحافظ على استقلالية القرار الإعلامي المغربي.
وأبرزت أن هذه المناظرات الوطنية تمثل فرصة لتوحيد الرؤى وتأسيس قواعد جديدة للتقنين الذاتي والمسؤولية المشتركة، في أفق بناء منظومة إشهارية عادلة، شفافة، ومبدعة، تواكب التحولات الرقمية وتخدم المصلحة العامة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس له.
وأكد عزيز الخياطي، مدير الميزانية بوزارة الاقتصاد والمالية، في كلمة ألقاها نيابة عن فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، خلال الجلسة الافتتاحية للمناظرات الوطنية الأولى للإشهار، أن قطاع الإشهار يشكل ركيزة أساسية في التحول الاقتصادي للمغرب، باعتباره مؤشرا على الحيوية الاقتصادية وأداة استراتيجية لتعزيز السيادة الثقافية والإعلامية الوطنية.
وأوضح أن المغرب يعيش مرحلة تحول هيكلي عميق، تتجلى في صعود الاقتصاد الرقمي وتطور النماذج الإعلامية وظهور منصات رقمية عالمية تعيد رسم موازين القوى داخل المشهد الاتصالي والإعلاني، ما يستدعي تفكيرا جماعيا في موقع المملكة ضمن سلسلة القيمة العالمية في مجالات الإعلام والاتصال.
وأشار إلى أن هذه المناظرة تشكل فرصة لتناول الإشهار، ليس فقط كقطاع اقتصادي، بل كـ"صناعة استراتيجية" يتقاطع فيها الإبداع والتكنولوجيا والسيادة الوطنية في العصر الرقمي.
واعتبر أن السوق الإشهارية الوطنية، رغم حيويتها، تعاني من تشتت الفاعلين المحليين في مقابل هيمنة المنصات العالمية التي تستحوذ على أكثر من 80 في المائة من الاستثمارات الإشهارية، ما يؤدي إلى تحويل جزء كبير من القيمة المضافة نحو الخارج وتراجع مداخيل الفاعلين المحليين.
وأضاف الخياطي أن هذه الهيمنة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد إلى السيادة المعلوماتية والثقافية، إذ إن أدوات القياس والتحليل والبيانات الإشهارية ما تزال تعتمد بشكل كبير على حلول أجنبية، ما يجعل من الضروري العمل على تطوير بنية تكنولوجية وطنية قادرة على إنتاج البيانات وتحليلها وفق معايير مغربية، تضمن الشفافية وتواكب التحول الرقمي.
وشدد على أن تحديث المنظومة الإعلامية الوطنية شرط أساسي لازدهار سوق الإشهار، مشيراً إلى أن الإعلام المغربي، العمومي والخاص، مدعو إلى تعزيز نموذجه الاقتصادي وضمان استدامته المالية حتى يتمكن من مواكبة التطورات الرقمية والانفتاح على آفاق جديدة للإبداع والاستثمار.
وفي هذا الإطار، دعا إلى إرساء حكامة جديدة للقطاع، تقوم على الشفافية والعدالة والتجديد، وتضمن منافسة متوازنة بين الفاعلين الوطنيين والدوليين، إلى جانب إشراك الشباب والمقاولات الصغيرة والمتوسطة والنساء في سلسلة القيمة الإشهارية لما يمثلونه من طاقات إبداعية وقدرات ابتكارية.
كما أبرز أهمية وضع إطار أخلاقي وتنظيمي مشترك يعزز ثقة الجمهور ويحمي المستهلك ويكرس ممارسات مسؤولة، بما يسهم في بناء قطاع مهني منظم يحترم المعايير الدولية ويعكس صورة المغرب الحديثة والمبدعة.
واختتم كلمته بالتأكيد على أن نجاح التحول المنشود يتطلب تعبئة جماعية لجميع المتدخلين من مؤسسات عمومية وهيئات تنظيمية ووسائل إعلام ووكالات ومعلنين ومبدعين، من أجل بناء منظومة إشهارية وطنية متوازنة، شفافة، وقادرة على دعم النمو الاقتصادي والسيادة الرقمية والإعلامية للمملكة.
وفي مستهل كلمته بالنيابة، أوضح فيصل العرايشي، رئيس القطب السمعي البصري العمومي، الذي تعذر عليه الحضور بسبب التزامات مهنية، أن هذه المناظرة الوطنية الأولى حول الإشهار، تعقد في ظرف دقيق وحاسم بالنسبة لمستقبل الإعلام والاتصال بالمغرب.
وأكد العرايشي أن هذه المبادرة، التي تعنى بقطاع الإشهار، لا تهم فقط مهنة أو نشاطا اقتصاديا محددا، بل تتجاوز ذلك لتشكل رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والإبداع والابتكار. فالإشهار، كما قال، ليس مجرد وسيلة للترويج لمنتج أو خدمة، بل هو لغة عالمية وجسر للتواصل بين العلامات التجارية والمواطنين، ومحرك للنمو الاقتصادي، يعكس تحولات المجتمع ويستشرف توجهاته المستقبلية.
وانطلاقا من هذه القناعة، أكد أن القطب العمومي المغربي ظل دائما فاعلا محوريا في هذا المجال، وساهم في تطويره عبر مقاربات مبتكرة ومتكاملة تستجيب لحاجيات السوق الوطنية. ورغم الظرفية الصعبة التي مر بها القطاع خلال السنوات الأخيرة، فإن روح الابتكار وتطوير العلامات الوطنية والشفافية في التدبير مكّنت القطب العمومي من الحفاظ على موقعه الريادي في بيئة إعلامية معقدة وشديدة التنافسية، تتسم بتقاطع الوسائط وتنامي نفوذ المنصات الرقمية العالمية.
وفي هذا السياق، أشار العرايشي إلى أن عملية إعادة هيكلة القطب العمومي الجارية حاليا تأتي لتعزيز الحكامة والنجاعة، من خلال توحيد الجهود وربما إحداث رَجِيعَة عمومية موحدة للإشهار، تمكن من تدبير أمثل للموارد والمساحات الإعلانية بمختلف وسائل الإعلام العمومية، مع الحفاظ على القيم الأساسية للشفافية والمسؤولية. وستشكل هذه الخطوة، بحسبه، نقطة تحول في تدبير السوق الإشهارية الوطنية، بما يضمن تطورها بشكل شامل، منصف، ومسؤول.
وأوضح أن هذه الإصلاحات تفرضها التحولات الرقمية العميقة التي غيّرت جذريا معادلة السوق الإشهارية، خاصة في ظل هيمنة المنصات الرقمية العالمية (غوغل، ميتا، تيك توك...)، التي تستحوذ على أكثر من 80 في المائة من الاستثمارات الإشهارية الرقمية على المستوى الوطني، ما يشكل تحديا كبيرا أمام الفاعلين المحليين. ولمواجهة هذه الهيمنة، دعا العرايشي إلى خلق منصات مغربية رقمية قوية ومحتوى محلي متميز قادر على استقطاب الجماهير، مع تطوير أدوات لقياس نسب المشاهدة والاستماع على المستوى الوطني، مؤكدا أن هذا التوجه يندرج في إطار تعزيز السيادة الرقمية والإعلامية للمغرب.
وأشار في هذا الإطار إلى أن القطب العمومي المغربي يشهد توسعا متواصلا في المجال الرقمي، من خلال خدمات ومنصات متعددة، أبرزها المنصة المغربية "SNRT Live" مائة بالمائة، التي تم إطلاقها سنة 2024، والتي تجاوز عدد تحميلاتها 4 ملايين، لتصبح واجهة رقمية رائدة تمثل الذاكرة السمعية البصرية للمغرب وتُجسّد قدراته التقنية والإبداعية المحلية.
وشدد العرايشي على أن هذا التحول الرقمي ليس خياراً تقنيا فقط، بل خيار استراتيجي يهدف إلى تنويع مصادر التمويل عبر الخدمات الرقمية الجديدة، وتحقيق التكامل بين الوسائط الإعلامية، مع العمل على تأهيل الشباب المبدع ودمج الكفاءات المغربية في مشاريع القطب العمومي.
وفي ختام كلمته، أكد فيصل العرايشي أن مهمة الفاعلين الإعلاميين والمؤسسات الاقتصادية اليوم هي مواكبة دينامية السوق الإشهارية الوطنية، عبر خلق بيئة تحفز على الإبداع وتعزز الثقة، وتُكرس الإشهار كأداة فعالة في خدمة التنمية الاقتصادية والثقافية للمملكة.
وأضاف أن القطب السمعي البصري العمومي سيواصل الاضطلاع بدوره في تحديث القطاع وهيكلته، من خلال اقتراح إصلاحات تشريعية وتنظيمية، وإرساء نموذج جديد للتقنين المشترك، واعتماد حلول تكنولوجية تضمن المزيد من الشفافية والنجاعة، مع التفكير في تدابير مالية وضريبية تعزز مكانة الفاعلين المحليين في سلسلة القيمة الإشهارية.
وختم قائلا إن هذه المناظرة تمثل فرصة للتفكير الجماعي وتبادل الخبرات وبناء رؤى جديدة لمستقبل قطاع الإشهار الوطني، حتى يصبح أكثر تنافسية، وأكثر إبداعا، وأكثر ارتباطا برؤية المغرب للمستقبل، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
تصوير: حسن سرادني