الفن التشكيلي في المغرب

صعوبات المخاض وانشغالات الحاضر

السبت 11 فبراير 2006 - 14:06

في جو مضطرب نمت الجذور الأولى لفن التشكيل المعاصر بالمغرب، وقد عانى الجيل الأول لرواد هذا الفن من كثير من العوائق والإحباطات، وتجلى هذا في انعدام ثقافة بصرية لدى المغاربة ووقوف التقاليد الدينية والعرفية في وجه كل محاولة يقصد منها إدماج البصري في التذوق ال


وإذا كان الفن المغربي التشكيلي نشأ في ظروف مضطربة، قلقة، فإنه عانى أيضا ولايزال من افتقار المناخ الثقافي سواء كان نقدا أو تاريخا، وهو ما يظهر بوضوح في قلة الكتب والكتابات العربية في هذا المجال.

وفي مقابل ذلك تكثر الكتابات الفرنسية التي تتسم عادة بالموضوعية والدقة، ذلك أن الأوساط الثقافية في المغرب، ظلت لسنوات تعاني من الركود عكس ما كانت عليه في الخمسينات والستينات.

وبصفة عامة تتميز الفنون المغربية بالثراء والتنوع في المصادر وذلك لكون المغرب، هذا الجغرافيا الواقعة في أقصى الغرب العربي الإسلامي، قد تعاقبت عليها حضارات مختلفة فقديما نجد الحضارة الرومانية والبونيقية والفينيقية والوندالية، وهي حضارات عاشت على أرض الشمال الإفريقي قبل الإسلام، ولكن الحضارة الإسلامية بقيت هي الأقوى
مع التقادم الزمني ومع الدراسة والتحليل والبحث نجد أن هذه الحضارة التي مازالت الى اليوم قائمة في المغرب تحمل بعضا من سمات وصفات وملامح الحضارات التي سبقتها وخاصة في العمارة والفنون، ويظهر ذلك في الآثار المتبقية من المدن القديمة مثل وليلي، ومدينة (شالة) و(تمود) و(تمارة) ويعكس هذا المزيج الحضاري الفني ثراء المغرب الثقافي في ميدان التراث.

ولأن المغرب باب الأندلس الذي دخلت منها الحضارة العربية الإسلامية تشكلت فيه ثقافة تحمل بعض الملامح الأوروبية فهي بالقدر الذي أعطت إلى أوروبا في القديم وأخذت عنها نجد في العصر الحديث أن الثقافة المغربية انفتحت على أوروبا خلال القرون الأخيرة وامتزجت فنونها بالفنون الجديدة منذ أن قدمت عليها من الأندلس ثم عن طريق البعثات الأجنبية، فرنسية وإسبانية وبرتغالية، ومع كل هذا المزج والاختلاط إلا أن الفن التشكيلي المغربي ظل يحمل هوية وطنية مستقلة وبها آثار الثقافة الأمازيغية والأندلسية والأوروبية، وهذه الآثار جعلت من الفنان التشكيلي المغربي فنانا قويا صلبا وقف ثابتا أمام فنون أوروبا وأميركا وإفريقيا، وعندما قدم الأوروبيون إلى المغرب ببعثات حملت معها فنانين تشكيليين كلفوا بدراسة التراث والفنون المغربية. وهؤلاء الفنانون أثروا في حركة الفن الذي بدأ فطريا ساذجا، ويرجع تاريخ أولى اللوحات التي رسمها المغاربة إلى العقد الأول من القرن الماضي.

تطور الفن التشكيلي بالمغرب من الفن الفطري (الساذج) إلى الفن العالم، وليست الفنون البصرية فقط ذلك القادم الطارئ أو الحادث العابر في مجتمعات الغرب الإسلامي ومن ضمنها المغرب، وإنما هي ممارسات رسخت حضورا عضويا وعميقا في التربة المحلية منذ أقدم العصور، وتركت آثارها وطقوسها في المجتمع والحضارة والإنسان عبر الاشتغال على أشياء الحياة اليومية من حلي وزرابي وخزف ومطرزات، أو من خلال باقي المشغولات اليدوية التقليدية التي تؤثث فضاء البيت المغربي، ولنا في فنون الزليج والفسيفساء والنقش على الخشب والجبص وتصميم الحدائق والمشربيات والنافورات والحمامات شاهد مايزال قائما على عمق التأثير العربي الإسلامي الأندلسي المشرقي وعلى الوفاء للجذور ما قبل الإسلامية، الإفريقية والأمازيغية الضاربة في القدم.

لكن الانفتاح على الأعمال التشكيلية للغربيين والاحتكاك بهم لعب دورا مهما في صياغة الفن التشكيلي المعاصر في المغرب، إذ نجد مثلا في الشمال المغربي آثار الفنان الإسباني "بيرتوتشي" على نخبة من الفنانين، أما في الجنوب فيتجلى دور الفنان الفرنسي "ماجوريل" وقد أعد هذا الأخير عددا من الفنانين المغاربة الذين شكلوا الصورة النهائية للاتجاه الفني المعروف بـ "الفطري" في المغرب.

وظلت صعوبات المخاض ترافق نشوء وتطور الفن التشكيلي المعاصر في المغرب، ففي مرحلة الخمسينات والستينات وإلى غاية السبعينات من القرن الماضي كانت هناك صعوبة تعترض ممارسة الفن التشكيلي في المغرب بالطريقة التي كان متعارفا عليها في البلدان الغربية، لأن هذا الفن كان جديدا على المغاربة بصفة عامة، فالتراث التشكيلي العربي الإسلامي الأندلسي في المغرب له مقوماته ومفاهيمه، وتطور على يد الصناع التقليديين والحرفيين الذين هم في الواقع فنانون مبدعون.


وقام الفن التشكيلي المغربي على مرحلتين مهمتين الأولى كان أهم روادها الجيلالي الغرباوي واتجاهه التجريدي الذي مارسه بشكل طبيعي، في حين كانت أعمال الشرقاوي أكثر تعبيرا عن مرحلة الرجوع إلى الذات والهوية وما كان أكثر ملاءمة لمرحلة الستينات والسبعينات حيث كانت الأعمال الفنية تسعى إلى تحقيق الهوية والتراث، فالفن لدى الشرقاوي ينبع من الذات.

أما في الثمانينات فكان الفن التشكيلي يعتمد على الرمز في اللوحة وهذا ما ظهر في تجارب فؤاد بلمين، مصطفى بوعمي، محمد بناني، المرحلة الثانية كانت في التسعينات (مرحلة الفضاء) عندما ظهر جيل من الشباب يبحث عن موقعه في هذا العالم، محاولا إنتاج فن تشكيلي مزج بين تجارب السابقين وطبيعة المرحلة الجديدة.

وتظل الفنون التشكيلية بالمغرب تعاني إلى جانب صعوبة المخاض، الكثير من المشاكل على المستوى الإنتاجي والتنظيمي والإداري، سواء على مستوى شروط وظروف العرض إن على مستوى القاعات الوطنية أو القاعات الخاصة، وعدم أهلية العديد من الموظفين الذين يتم تكليفهم بتمثيل الفنانين التشكيليين المغاربة بالخارج والحديث باسمهم، خصوصا خلال المعارض والمهرجانات التي تنظم لفائدتهم.

كما تحدث أساليب الزبونية في اقتناء أعمال ولوحات فنية من الفنانين "المحظوظين" دون سواهم رغم اعتراف الجميع بمستواهم الإبداعي والفني المتميز، وقد حملنا بعض هذه الأسئلة والانشغالات التي ماتزال تعرقل مسيرة الفن التشكيلي المعاصر في بلادنا إلى كل من الفنانة أحلام لمسفر والفنانة نجية بنيس وهي أسئلة تمحورت حول علاقة الفنان التشكيلي بقاعة العرض، خاصة كانت أم عمومية تابعة لوزارة أو لبلدية.

ـ تقول الفنانة لمسفر : بداية يجب القول إن قاعات العرض نادرة وهي غير كافية لعرض الأعمال التي هي موجودة ومتوفرة، وهناك منتوج ومواهب لكن المشكل هو في تنظيم المعارض جماعية كانت أم فردية وأساس هذه المشاكل هو انعدام التواصل لكن هذا المشكل الأخير بدأ يتقلص ويتحلل في السنوات الأخيرة نتيجة للدور الذي يقوم به الإعلام الوطني واهتمام الصحافة المغربية بالفن والفنانين وهي خطوة على بداية الطريق الصحيح.

فيما ترى الفنانة التشكيلية نجية بنيس أن قاعات العرض الخاصة لا تهمها كثيرا بحكم أنها ليست لديها الاستطاعة المادية لذلك (رسوم وواجبات) لكنها تلبي الدعوات التي تأتيها من قاعات العرض الوطنية حين تدعى إليها في المناسبات الوطنية كـ "يوم الفن" لكنها تعيب على مثل هذه الدعوات، أنها تدعو أحيانا نفس الوجوه المألوفة مع تطعيمها بوجوه شابة ـ وتضيف أنه سبق لها أن تقدمت بطلب عرض أعمالها في مدينة مغربية لم تشأ تسميتها لكنها ماتزال تنتظر الرد إلى الآن، وهذا ما حصل معها في العديد من المرات لذا فهي تتساءل هل من الضروري أن يكون الفنان منتسبا إلى نقابة معينة أو حزب معين أو طائفة حتى تعرض أعماله في قاعات العرض الجماعي.

وحول زوار المعارض ومن يقدم على شراء المنتوج الفني تقول الفنانة أحلام لمسفر إن حضور الزوار للمعرض هو في حد ذاته عمل جيد وهذا من شأنه أن ينمي الرغبة والثقافة الذوقية والبصرية لدى الزائر الذي قد يأتي في العروض الأولى كمتفرج وبدافع حب الفضول لكنه قد يأتي مرة أخرى كمقتني للعمل الفني.

لكن يبقى دائما مشكل قاعات العرض قائما فهناك قاعات أغلقت وأخرى عادت وفتحت أبوابها مرة أخرى والأمر يتعلق بالإقبال على عمل الفنان وتشجيعه وأيضا فإن نظام القاعات وهيئاتها يتطلب عناية خاصة.

وهي تقول مثلا إن مدينة من حجم الدارالبيضاء، لا يتجاوز عدد القاعات فيها العشرة وهو عدد غير كاف تماما لاستيعاب المنتوج الفني والمواهب الفنية التي يزخر بها المغرب
أما الفنانة نجية بنيس، فتتذكر أنه في السابق كان يقال إن من يشتري اللوحة هو من يتباهى ويفتخر بها في صالونه كوجه للبذخ والثراء، أما الآن فالوضع تغير قليلا وهذا ناتج عن بداية ترشيح الثقافة البصرية والاهتمام بهذا الجنس الرفيع والراقي من الثقافة العامة.

لكنها تستدرك فتقول إن ما أساء لسوق اللوحة التي هي المورد الأساسي للفنان هو تلك الفيلات وصالونات النخب وأن العرض في القاعات المعروفة يبقى سطحيا وقد يحدث أن تمر فترة العرض مهما استغرقت مدة زمنية دون أن تباع لوحة واحدة، والفنانة بنيس تختم الحديث عن تجربتها الشخصية في المعاناة مع صالات العرض التي يعاني منها الفن والفنانون التشكيليون المغاربة بشكل عام بقولها إن "الفنان غني بإبداعاته فقير بإمكانياته".




تابعونا على فيسبوك