الخميسات تختنق بدخان المطاط المحترق .. وخبير يحذر من "كارثة"

الصحراء المغربية
الخميس 09 أكتوبر 2025 - 12:27

في مشهد صادم، غطت سحب كثيفة من الدخان الأسود سماء مدينة الخميسات، نهاية الأسبوع، بعدما أُضرمت النيران في كميات كبيرة من النفايات المطاطية والزيوت المستعملة، في عملية عشوائية استمرت أكثر من ساعتين.

تحولت المنطقة الشمالية الغربية للمدينة إلى ما يشبه "غيمة سامة"، وثّقها المواطنون بالصوت والصورة، وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، وسط حالة من الغضب والاستنكار والدعوات إلى تدخل عاجل من السلطات لمنع تكرار هذه "الجريمة البيئية"، كما وصفها عدد من السكان.

 

حرق قاتل في صمت

"إحراق النفايات الصناعية، وخاصة الإطارات والزيوت المستعملة، من أخطر الممارسات التي تهدد البيئة وصحة الإنسان"، يقول الخبير الدولي في البيئة والهندسة المدنية الدكتور عبد الرحيم الخويط في تصريح لجريدة "الصحراء المغربية".
ويضيف موضحا أن الاحتراق العشوائي غير الكامل لا يقتصر على إنتاج الدخان الكثيف والرماد، بل يُطلق مزيجاً معقداً من الغازات السامة والجسيمات الدقيقة والمركبات العضوية المسرطنة والمعادن الثقيلة، التي تتسرب إلى الهواء والماء والتربة.

وفق الخويط، طنّ واحد من الإطارات المحترقة ينتج أكثر من 400 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون، وقرابة 270 كيلوغراماً من الملوثات الخطيرة.
ويحذر من أن عملية الحرق في الهواء الطلق تطلق أول أكسيد الكربون، الذي يمنع انتقال الأكسجين إلى الدم ويسبب الاختناق، إلى جانب ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين، المسببة لأمراض الجهاز التنفسي والمطر الحمضي، فضلاً عن المركبات العضوية المسرطنة مثل البنزين والنفثالين والديوكسينات، التي تعتبر من أخطر السموم المعروفة حتى في تراكيز ميكروغرامية.

 

الماء والتربة في دائرة الخطر

لا يقتصر الضرر على الهواء، فالمياه بدورها تدفع الثمن. يقول الخويط إن لترا واحدا من الزيت المستعمل يمكنه تلويث مليون لتر من المياه العذبة إذا تسرب إليها، مكونا طبقة عازلة تمنع تبادل الأكسجين وتؤدي إلى نفوق الأسماك والكائنات المائية.
أما التربة، فتتحول إلى "مستودع طويل الأمد للسموم"، إذ يترسب الرماد الغني بالمعادن الثقيلة والهيدروكربونات النفطية داخلها، ما يؤدي إلى انسداد مسامها وفقدان نشاطها الميكروبي وخصوبتها.
ويحذر الخبير من أن هذه المواد تنتقل عبر السلسلة الغذائية من النبات إلى الحيوان ثم إلى الإنسان، لتتحول الأراضي الزراعية الملوثة إلى تهديد صامت للحياة.

 

من التحسيس إلى الفعل

في مواجهة هذا الخطر المتنامي، دعا الدكتور الخويط إلى تبني حلول عملية ومستدامة، أبرزها إعادة تدوير الإطارات المطاطية لاستخدامها في مشاريع البنية التحتية وصناعة مواد البناء، ومعالجة الزيوت المستعملة داخل منشآت مراقبة لتحويلها إلى وقود صناعي آمن، مع الطمر الصحي للنفايات غير القابلة للاسترجاع.
كما شدد على أهمية دور الجامعة والبحث العلمي في ابتكار حلول بيئية وتقنيات صديقة للمناخ، وتنظيم هاكاثونات بيئية لتشجيع الشباب على تصميم أفكار جديدة، إلى جانب تشريعات صارمة تمنع الحرق العشوائي وتعزز ثقافة المسؤولية البيئية.

واختتم الخويط تصريحه قائلا: "حماية الهواء والماء والتربة مسؤولية مشتركة. لا يمكن أن نحافظ على نقاء الطبيعة إلا بالتخلي عن الحرق والانتقال إلى أساليب بيئية مستدامة. فالهواء النقي والماء العذب والتربة الخصبة ليست ترفاً، بل شرطاً للحياة".




تابعونا على فيسبوك