في مشهد نادرا ما تعتاده ساكنة العاصمة الاقتصادية، وقف عبد اللطيف معزوز، رئيس مجلس جهة الدار البيضاء-سطات، إلى جانب محمد امهيدية والي الجهة، وخديجة بنشويخ، عاملة عمالة الحي الحسني، ونبيلة الرميلي، رئيسة جماعة الدار البيضاء، لتفقد آخر اللمسات على مشروع إعادة تأهيل وتهيئة بحيرة الألفة، أو ما بات يعرف بـ"ضاية الولفة".
وهي زيارة تحمل أكثر من طابع بروتوكولي، إنها إشارة سياسية إلى بداية مرحلة جديدة في علاقة الدار البيضاء مع بيئتها، ومسعى لتدارك سنوات من الإهمال الذي حول هذه البقعة الطبيعية إلى بؤرة تلوث مزمنة.
من نقطة سوداء إلى مشروع نموذجي
لطالما شكلت ضاية الألفة صداعا مزمنا لسكان حي الفردوس والأحياء المجاورة، حيث ارتبطت في أذهان البيضاويين بأكوام من النفايات وروائح تزكم الأنوف، وحشرات ومياه آسنة. لكن اليوم، ومع اقتراب الأشغال من نهايتها، تستعد البحيرة لأن تصبح واحدا من أكبر المتنفسات الطبيعية داخل المجال الحضري للدار البيضاء، بغلاف مالي وصل إلى 60 مليون درهم وبأفق مفتوح على تجربة حضرية جديدة.
وفي هذا الصدد، أعلنت شركة التنمية المحلية "الدار البيضاء للبيئة" أنها تضع حاليا اللمسات الأخيرة على هذا الورش البيئي، الذي يعد من بين أبرز المشاريع الخضراء في العاصمة الاقتصادية. ويتضمن المشروع: تهيئة فضاءات خضراء ممتدة على طول البحيرة، ومسارات خاصة بالمشي وأخرى لراكبي الدراجات الهوائية.، وكراسي مريحة ومجهزة للجلوس تحت ظلال الأشجار، وفضاءات لألعاب الأطفال تستجيب لمعايير السلامة، ومعدات رياضية في الهواء الطلق موجهة لمختلف الفئات العمرية، ومساحات طبيعية تحترم خصوصية الموقع وتشجع على التنزه والراحة.
تصميم هندسي بيئي وفق المعايير الدولية
التهيئة الجديدة للبحيرة جاءت وفق تصاميم دقيقة أشرف عليها مهندسون مغاربة متخصصون، مع مراعاة الأبعاد البيئية والجمالية والترفيهية. وقد تم تقسيم الأشغال على شطرين اثنين، امتدت على مدة ستة أشهر، ومن المنتظر أن يتم الافتتاح الرسمي خلال الأسابيع المقبلة.
ويشكل مشروع تهيئة بحيرة الألفة بارقة أمل وسط مدينة تعاني من فوضى عمرانية خانقة، وتلوث بيئي متصاعد، واكتظاظ سكاني لا يرحم. وهي معطيات تجعل من المشروع أكثر من مجرد تهيئة طبيعية، بل خطوة نحو مصالحة المدينة مع حقها في التنفس، في ظل معاناة البيضاء من خصاص كبير في الفضاءات الخضراء، حيث لا تتجاوز المساحة الخضراء لكل ساكن 1.5 متر مربع في أحسن التقديرات.
ماذا بعد الألفة؟
رغم الترحيب الكبير الذي لقيه المشروع على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يخفي البيضاويون تخوفاتهم من أن يتحول المنتزه في ما بعد إلى مساحة مهملة، أو أن تعود "النقطة السوداء" بعد أشهر من الافتتاح بسبب غياب الصيانة، واحتلال الملك العام، أو سلوكيات غير مسؤولة من الزوار.
لذلك، يشدد عدد من الفاعلين الجمعويين على ضرورة توفير تدبير تشاركي للمرفق، يشمل السلطات المحلية، والمجتمع المدني، وساكنة الحي، لضمان استدامته ونظافته.
ويندرج المشروع عموما ضمن رؤية مجلس جهة الدار البيضاء-سطات، الهادفة إلى توسيع رقعة الفضاءات البيئية والترفيهية، مع تعميم هذه التجربة في مناطق أخرى مثل سباتة، الحي المحمدي، سيدي مومن وغيرها، وهي أحياء ما تزال تفتقر إلى أبسط شروط العيش البيئي السليم.