كشفت دراسة بحثية حديثة نشرها بنك المغرب، عن نتائج حاسمة حول تأثير عدم اليقين على الاقتصاد الكلي، مؤكدة على تدهور المؤشرات الدورية وسلوك فريد للأسر يتمثل في اكتناز النقد على حساب الإيداع المصرفي.
وتمثل الدراسة التي تحمل عنوان "عدم اليقين في السياسة الاقتصادية وديناميكيات الاقتصاد الكلي: مؤشر جديد للمغرب"، والتي أعدها الباحث أسامة حواري، أول مؤشر مخصص لعدم اليقين في السياسة الاقتصادية (EPU) في المغرب.
واعتمد الباحث منهجية مبتكرة لبناء مؤشر عدم اليقين (EPU) في ظل غياب مقياس سابق، حيث استخدم تقنيات المعالجة الآلية للغة (NLP) لتحليل تكرار الكلمات المتعلقة بـ"الاقتصاد" و"السياسة" و"عدم اليقين" في مجموعة واسعة من المقالات الصحفية المنشورة في سبع صحف مغربية كبرى.
وأظهر المؤشر الجديد تقلبات عدم اليقين المرتبطة بشكل مباشر بالسياق السياسي والجمود الحكومي، ثم بالتباطؤ الاقتصادي والأزمات الكبرى، وكذا بالظواهر المناخية المتطرفة، مثل سنوات الجفاف، والأحداث الدولية الكبرى المؤثرة على أسواق الطاقة والمنتجات الأساسية.
وأكدت الدراسة أن المؤشر الجديد هو مؤشر معاكس للدورة الاقتصادية (Contracyclical)، أي أنه يرتفع بشكل كبير خلال فترات التدهور الاقتصادي. وتنتقل صدمات عدم اليقين إلى الاقتصاد المغربي عبر قنوات رئيسية، تهم قناة الخيارات الحقيقية (Real Options)، حيث يؤدي ارتفاع عدم اليقين إلى تبني الشركات والأفراد موقف "الانتظار والترقب" بشأن الاستثمارات والتوظيف غير القابلة للعكس، ما يؤدي إلى تدهور مؤشرات الدورة الاقتصادية، وكذا قناة الادخار الاحترازي (Precautionary Savings)، حيث تدفع حالة عدم اليقين الأسر إلى زيادة التشاؤم والتركيز على الادخار للتعامل مع الصدمات المحتملة.
وأبرزت الدراسة أن اكتناز النقد، خصوصية مغربية بأرقام ضخمة، كاشفة عن خصوصية لافتة في سلوك الادخار بالمغرب، مفيدة أنه في أعقاب صدمة عدم اليقين، لا تتبع الأسر مسارات الادخار التقليدية (مثل زيادة الودائع المصرفية)، بل تتجلى الاستجابة بشكل أساسي في زيادة تداول واكتناز العملة النقدية (الكاش).
ولبيان حجم الظاهرة، أشارت الدراسة إلى أن اكتناز الأموال (الطلب على النقد غير المعاملاتي)، تراوح بين 60 في المائة و80 في المائة من القيمة الإجمالية للأوراق النقدية ذات الفئات الكبيرة (100 و200 درهم) المتداولة في عام 2021، وهي فئات تمثل أكثر من 97 في المائة من القيمة الإجمالية للعملة المتداولة في المغرب.
وأكدت هذه النتائج على الأهمية البالغة لإدراج عامل عدم اليقين في تحليل الأبحاث الاقتصادية واتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسات العامة، وكذلك في تقييم هذه السياسات وطريقة التواصل حولها في المغرب.