مرة أخرى، تضع فاجعة الغرق التي شهدها شاطئ غير محروس نواحي الجديدة ملف السلامة البحرية في الواجهة، بعدما فقدت أسرة كاملة (أم وثلاثة من أطفالها) حياتها في مشهد مؤلم صبيحة الثلاثاء الماضي، على بعد كيلومترين فقط من شاطئ سيدي بونعايم التابع لجماعة اشتوكة.
ورغم أن الخبر تناقلته في حينه وسائل التواصل الاجتماعي، فإن جوهر المأساة لا يكمن فقط في تفاصيلها الحزينة، بل في السياق الأوسع الذي يكشف عن هشاشة البنية الوقائية بشواطئ المملكة، خاصة تلك الخارجة عن التغطية.
الضحايا، الذين يتحدرون من دوار بجماعة اشتوكة، كانوا قد اختاروا الاستجمام في منطقة بحرية غير خاضعة للمراقبة، تفتقر لأدنى شروط السلامة، وسط تيارات بحرية خطرة يصعب حتى على المتمرسين التنبؤ بها أو مقاومتها.
مصادر من الوقاية المدنية أفادت أن عملية الإنقاذ استُهلت بانتشال جثتين، فيما أسفرت عمليات التمشيط التي شارك فيها فريق غطاسين وزورق إنقاذ عن العثور على باقي أفراد الأسرة لاحقًا، في وقت خلف فيه الحادث صدمة عميقة وسط السكان المحليين.
وتطرح هذه المأساة مجددا سؤال الحماية والمسؤولية، خاصة أن إقليم الجديدة وحده يمتد على أكثر من 40 كيلومترًا من السواحل، تضم ما لا يقل عن 12 شاطئًا غير محروس، أغلبها يعاني من غياب البنيات التحتية، وضعف الموارد البشرية والتجهيزات، وهو ما يجعلها نقاطًا سوداء موسمية، رغم شعبيتها في صفوف الأسر التي تبحث عن الهدوء بعيدًا عن زحمة المصطافين.
وتعترف جهات محلية بأن مصالح الجماعات، رغم جهودها الموسمية لتوفير منقذين، تظل غير قادرة على تغطية كل المواقع، خاصة النائية أو الوعرة منها. وفي المقابل، يظل الرهان الأكبر معقودًا على رفع منسوب الوعي الجماعي بالمخاطر، والامتثال للوحات التحذيرية، وتجنب المغامرة في مواقع لا تخضع لأي مراقبة أو تدخل سريع.
غطاسون محترفون شددوا على أن حوادث الغرق المتكررة ليست قضاءً وقدرا فحسب، بل نتيجة مباشرة للاستهتار بالتعليمات وعدم احترام معايير السلامة، في ظل غياب ثقافة بحرية لدى جزء من المواطنين، خصوصًا الشباب والأسر التي تصطحب أطفالاً إلى الشواطئ غير المهيأة.
فاجعة مدينة الجديدة، إذن، لم تكن استثناء، بل حلقة في سلسلة مآسٍ تتكرر كل صيف. وهي دعوة صريحة لتوسيع نطاق الحماية، وتكثيف الحملات التحسيسية الميدانية، وتحسين البنيات الشاطئية، بما يعزز الوقاية أولًا، ويمنع هذا "الموت الصامت" من حصد مزيد من الأرواح.