من المدرسة إلى الوطن: أطفال الجديدة يرسمون خريطة المغرب بأيديهم

الصحراء المغربية
الثلاثاء 24 يونيو 2025 - 13:23

شهدت مدينة الجديدة يوم الجمعة 20 يونيو 2025 حدثا تربويا متميزا تمثل في إعطاء الانطلاقة الرسمية للمشروع الوطني "كلنا مغاربة.. كلنا يد واحدة: لتعزيز الوحدة الوطنية"، وذلك في إطار المرحلة التجريبية الأولى من البرنامج التربوي والتنموي الطموح "برنامج إدماج وتنمية لتنمية مستدامة"، الذي اختير له شعارا يحمل دلالة رمزية قوية: "ثورة متجددة ومتواصلة يحمل مشعلها جيل عن جيل". وهو مقتطف من خطاب ملكي لصاحب الجلالة محمد السادس بتاريخ 20 غشت 2019.

يشكل هذا البرنامج خارطة طريق تربوية وتنموية تتوزع على ثلاث محطات رئيسية، وتضم في مجملها خمسة عشر مشروعا تربويا وثقافيا ومجتمعيا، ويندرج ضمن توجه استراتيجي يستند إلى المرجعيات الكبرى المؤطرة للسياسات العمومية الوطنية، وعلى رأسها التوجيهات الملكية السامية، ودستور المملكة، ومضامين النموذج التنموي الجديد، إضافة إلى البرنامج الحكومي للفترة 2021-2026، والرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين (2015-2030)، وكذا القانون الإطار 17-51 المتعلق بالتعليم.
وقد احتضنت مدرسة الزيتونة الخصوصية بمدينة الجديدة هذا الحدث الوطني، بشراكة تضامنية مع مدرسة الرازي العمومية، في خطوة تجسد تفعيل مقاربة الانفتاح والشراكة بين القطاعين العمومي والخصوصي. 
وعبر عدد من المتدخلين عن أهمية المشروع كرافعة لبناء مدرسة مغربية جديدة، تعزز في المتعلم قيم الاندماج والمواطنة والإبداع وروح المسؤولية، وتفتح أمامه آفاقا واسعة للمشاركة في تنمية وطنه.
وأكد رشيد شرويت، المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالجديدة، ممثلا لمدير الأكاديمية الجهوية لجهة الدار البيضاء - سطات، أن المشروع يندرج ضمن رؤية شاملة تهدف إلى بناء متعلم واع وفاعل، يحمل قيما وطنية وإنسانية أصيلة، ويستطيع المساهمة في تحصين الوحدة الوطنية والدفاع عن القضايا المصيرية، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية.
وأشار شرويت إلى مبادرة فنية مبتكرة يتضمنها المشروع، تتمثل في تشكيل "الخريطة الخضراء" الأكبر على المستوى الوطني، والتي سيتم تركيب قطعها بأيادي وأنامل آلاف التلاميذ بالمؤسسات التعليمية عبر مختلف  المؤسسات التعليمية التابعة لأكاديمية التعليم بجهة الدار البيضاء-سطات، في تجسيد رمزي قوي لقيم الوحدة والتلاحم الوطني.
كما أشاد في ذات السياق بالجهود الميدانية التي تبذلها مختلف الأطراف، معتبرا أن نجاح أي مشروع وطني ينطلق من العمل الجاد على المستوى المحلي، وهو ما يعكسه هذا النموذج الذي تم تنفيذه داخل مؤسسة الزيتونة.
هذا، وسيتم  إنجاز أكبر خريطة في العالم تمثل المملكة المغربية الشريفة، تمتد على مساحة تزيد عن 42.000 متر مربع، وبمشاركة أكثر من أربعة ملايين مشارك ومشاركة من داخل المملكة، ومن مغاربة العالم، إضافة إلى شعوب العالم المؤيدة لمقترح الحكم الذاتي.
وتتكون هذه الخريطة من أكثر من 100 ألف قطعة، على شكل أحجية، في تجربة غير مسبوقة تؤهل المشروع لدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية. ويجسد هذا العمل التربوي والفني التلاحم القوي بين الملك والشعب، كما يؤرخ للمسار التاريخي لمبادرة الحكم الذاتي، مع توظيف الصورة كأداة تعليمية تجمع بين الأبعاد السلوكية والمعرفية والوجدانية، من أجل ترسيخ قيم الجهوية المتقدمة، وتعزيز حب الوطن والانتماء إليه.
وسيتم بالمناسبة، العمل  بتطبيق رقمي يوثق المشاركين لتقديم عريضة إلى الأمم المتحدة من أجل الحسم في قضية الصحراء المغربية بحل وحيد وأوحد هو الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية.

ومن جانبه، قدم الدكتور عادل بالحمري، أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الأول بسطات، ومسؤول عن تنزيل المشاريع الأربعة الأولى لهذا البرنامج الوطني، عرضا تحليليا تناول فيه منطلقات وأهداف مشروع "إدماج وتنمية لتنمية مستدامة"، مبرزا أنه يقوم على قناعة أساسية مفادها أن أي تحول في منظومة التربية لا بد أن ينطلق من تجديد مستمر في الرؤية والأدوات والأساليب، ومن إبداع جماعي يهدف إلى تنمية مهارات الجيل الجديد وتعزيز تفاعله الإيجابي مع محيطه.
وأكد الدكتور بالحمري أن المشروع لا يقتصر على الجوانب التربوية فقط، بل يمتد ليشمل بعدا اجتماعيا وتنمويا، يقوم على إشراك التلاميذ والأطر والإدارات المحلية في تخطيط وتنفيذ الأنشطة، ويمنح الأجيال الصاعدة أدوات للفعل المسؤول، والمبادرة البناءة، والاندماج الواعي في قضايا الوطن، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية.
أما الدكتور منصف اليازغي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري وعضو الفريق المؤطر للمشروع، فقد تطرق في مداخلته إلى البعد التاريخي لقضية الصحراء المغربية، مستحضرا خطاب الملك الراحل الحسن الثاني الذي أعلن من خلاله عن انطلاق المسيرة الخضراء سنة 1975، مبرزا أن ذلك الحدث كان محطة مفصلية في تاريخ المغرب الحديث، ورمزا لقدرة الدولة المغربية على تعبئة شعبها حول قضية وطنية كبرى.
واستعرض اليازغي تحولات السياسة المغربية في العهد الجديد تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، مشيرا إلى أن المغرب انتقل من الدفاع إلى موقع المبادرة، لا سيما من خلال طرح مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007، التي حظيت باعتراف دولي واسع، كما تميزت هذه المرحلة بإطلاق مشاريع اجتماعية وتنموية كبرى، وعلى رأسها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005، والعودة الاستراتيجية إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017، في إطار مقاربة شمولية تتقاطع فيها السياسة والاقتصاد والثقافة والدبلوماسية.
وقد شكل هذا اللقاء التربوي مناسبة للاطلاع الميداني على مكونات المشروع، من خلال زيارة قام بها الحضور للأروقة والأنشطة المعروضة، حيث وقفوا على الدينامية الجديدة التي بدأت تتشكل داخل المدرسة المغربية، وعلى تفاعل التلاميذ مع مضامين المشروع الوطني "كلنا مغاربة.. كلنا يد واحدة".
ويأتي تنظيم هذا المشروع في إطار شراكة فاعلة بين مؤسسة "ابتسامة من أجل جيل المستقبل"، والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الدار البيضاء – سطات، وبتنسيق مع المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بالجديدة، في خطوة تعكس الالتزام الجماعي بجعل المدرسة المغربية حاضنة للقيم الوطنية والتنمية المستدامة، ومنصة لبناء مغرب المستقبل.




تابعونا على فيسبوك