في مدينة كانت تُلقب ذات زمن بمدينة النظافة والجمال، أطلقت فعاليات من المجتمع المدني صرخة استغاثة بيئية، محذّرة من الوضع البيئي المتدهور الذي تعيشه الجديدة، خلال ندوة نُظمت يوم السبت 21 يونيو 2025 بالقاعة الكبرى لثانوية أبي شعيب الدكالي، احتفاءً باليوم العالمي للبيئة، تحت شعار يحمل أكثر من دلالة: "ما أجمل النظافة، لكن ما أعظمها حين تكون في عقولنا".
الندوة التي نظمتها "فيدرالية جمعيات الأحياء السكنية" بشراكة مع "الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأولياء التلاميذ"، كشفت واقعًا بيئيًا يثير القلق، وسط تردٍّ مستمر في جودة خدمات النظافة وتزايد شعور السكان بالإحباط من غياب رؤية واضحة لتحسين البيئة الحضرية.
رئيس الفيدرالية، عبد الكريم نهامي، اختار أن يفتتح الندوة بسؤال مباشر: هل الجديدة تعيش فعلاً في بيئة سليمة؟، مؤكداً أن تراكم السنوات وكثرة المبادرات لم تُحدث فرقاً ملموساً، ما يعكس عمق الأزمة الهيكلية في تدبير هذا الملف.
مسؤوليات موزعة... لكن من يحاسب؟
صلاح الدين بنحرارة قدّم عرضاً مدعوماً بصور وإحصائيات، وُصف بأنه "جرعة واقعية قوية"، حمّل فيه المسؤولية إلى المنتخبين والسلطات المحلية، مرورًا بالسكان والمؤسسات الصناعية، داعياً هذه الأخيرة إلى الكفّ عن التملص من مسؤولياتها والانخراط الفعلي في دينامية التنمية البيئية، كما هو الحال في مناطق أخرى من المملكة.
في المقابل، ركز الأستاذ رضوان ماضي، الباحث بجامعة مولاي سليمان، على الفجوة القائمة بين الخطابات البيئية والتنزيل الفعلي على الأرض، مشدداً على أهمية الاستثمار في النفايات عبر اعتماد مقاربة الاقتصاد الأخضر، وتحويل التحديات البيئية إلى فرص تنموية.
أما الصوت الحقوقي، فقد حمله أحمد بن جعفر، رئيس المنظمة الإفريقية لحقوق الإنسان، الذي سلط الضوء على البُعد الحقوقي في ملف البيئة، داعياً إلى مساءلة الجهات الملوثة، واقترح إدماج المحكومين بالعقوبات البديلة في مشاريع بيئية، وهو مقترح يربط بين الإصلاح وإعادة الإدماج ومصلحة المدينة.
البيئة من زاوية الإيمان
البعد القيمي والديني كان حاضراً بقوة في مداخلة الأستاذ عبد الهادي الدحاني، الذي ربط النظافة بالإيمان، معتبراً إياها سلوكاً حضارياً ينبغي ترسيخه في عقول الناشئة، انطلاقاً من التربية على القيم الإسلامية.
وقد خلُصت جل المداخلات إلى أن أزمة النظافة بالجديدة لا تتعلق فقط بوسائل جمع النفايات، بل هي أزمة تدبير واختيارات، تتسم بالعشوائية وغياب المحاسبة، في وقت يُفترض فيه أن تكون النظافة عنواناً للمواطنة والكرامة الإنسانية.
النقاش المفتوح الذي تلا العروض، كشف حجم الاستياء الشعبي من تردي الوضع البيئي، وأجمع الحاضرون على أن الحل لن يأتي إلا عبر إرادة سياسية حقيقية، وتدبير عقلاني، وشراكة فعالة بين جميع المتدخلين، معتبرين أن الإعلام والمجتمع المدني مطالبان بلعب دور ريادي في الترافع وتحريك الرأي العام.
نحو ملف ترافعي... وتحريك المياه الراكدة
في ختام الندوة، أعلن الفاعل الجمعوي بوشعيب الحرشي أن الفيدرالية ستعد ملفاً ترافعيًا يُرفع إلى الجهات المختصة، يتضمن خلاصات وتوصيات اللقاء، في إطار دينامية جديدة تسعى إلى إعادة الاعتبار لمدينة الجديدة، بيئياً وتنموياً.
مدينة الجديدة اليوم ليست بحاجة فقط إلى شاحنات نظافة جديدة، بل إلى فكر جماعي يؤمن بأن النظافة ليست رفاهية، بل حق جماعي ومسؤولية مشتركة.