إطار داخل الوحدة لـ "الصحراء المغربية": نملك ترسانة مهمة ومتقدمة من الأسلحة وحموشي لا يبخل علينا بأي معدات نطلبها.
لا يبحثون عن الأضواء، لكن حين يطلون، يصبح حضورهم حدثا يدون ويروى. إنهم عناصر القوة الخاصة، التابعة للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، الذين يضطلعون بمهام دقيقة وصعبة، في خطوط المواجهة الأولى ضد الإرهاب، حيث يكمن الخطر، وتتطلب الخطوة الواحدة حكمة القرار وحسم التنفيذ.
في الجديدة، كان ظهورهم الثالث في الأبواب المفتوحة للأمن الوطني، وهي فرصة لم تفوتها "الصحراء المغربية" لتفتح من خلالها نافذة أخرى على هذه الوحدة، التي تتصدر المعركة ضد الخلايا الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة، وتخوض، بصمت وإصرار، حربا قوية من أجل حماية الوطن واستقراره.
صمتهم قوة
حين تذكر القوة الخاصة التابعة للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، لا يسع الخيال إلا أن يرسم في الذهن صورة رجال مقنعين، بملامح صارمة، ولا يفارق أيديهم السلاح.
العيون لطالما رصدتهم من بعيد عبر شاشات التلفاز أو من خلال عدسات كاميرات المصورين الصحافيين، خلال تدخلاتهم الدقيقة التي أجهضت مخططات إرهابية معقدة، كما توبع، قبل شهور، في مدينتي حد السوالم وتامسنا، حيث جرى تفكيك على التوالي خليتي "الأشقاء الثلاثة" و"أسود الخلافة بالمغرب الأقصى"، بعد الإطاحة بأفرادها تحت تصفيقات وإشادة المواطنين.
بالدورة السادسة للأبواب المفتوحة المقامة بمركز المعارض محمد السادس بالجديدة تجدد الظهور، لكن بتحرر من بروتوكول صارم يؤطر عملياتهم الميدانية، حماية لأرواح المواطنين وعناصر التدخل.
هيبتهم ملأت المكان، وطبعا، القناع لم يفارق وجوههم لكون حساسية المهام المنوطة بهم تفرض ذلك.
لا كلمات زائدة، وبلباسهم الفريد المتطور وبنيتهم الجسمانية القوية التي تظهر تمتعهم بقدرات غير عادية، يتخذون المواقع المحددة إليهم في انضباط في الرواق المخصص لهم.
صلابة المظهر هاته لم تحجب دفء اللقاء مع زوار الأبواب المفتوحة. فخلال الدورة اتسم أسلوب تعاملهم بتفاعل راق وبرحابة صدر شجعت الوافدين من مختلف فئاتهم العمرية على الاقتراب منهم لتوثيق هذا اللقاء المباشر مع "أبطال" يتمتعون بحس كبير من المسؤولية اتجاه وطنهم وأمنه وطمأنينة مواطني بلدهم.
"نخبة النخبة"
يطلق عليهم المهتمون بالشأن الأمني بـ"نخبة النخبة". وهم عناصر متمرسة ومؤهلة ومجهزة على نحو كبير وجيد، كما أنهم مدربون على نحو عال جدا على القتال، والرماية، واختراق الحواجز، وفك المتفجرات، وتأمين الشخصيات.
أدوارهم تبقى طي الكتمان، لكن ما يعرف عنهم يكفي لرسم صورة واضحة، وهي أنهم أول من يصل، وآخر من يغادر، وحين يتحركون فالخطر كبير، والرهان أعظم.
نفس الأمر ينطبق على الوحدة التي ينتسبون إليها، فمن الصعب إيجاد معلومات كثيرة عنها لأن طبيعة عملها تقتضي أعلى درجات السرية والانضباط.
ما هو متاح معرفته، هو أنها رأت النور إبان تأسيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية (البسيج) في سنة 2015.
وتتمثل مهامها الرئيسية في تعقب الخلايا الإرهابية وتفكيكها، وشل حركتها قبل انتقالها إلى مرحلة التنفيذ لتجنب البلاد خطر الإرهاب. كما تساعد هذه العناصر وبيد من حديد باقي مصالح المديرية العامة للأمن الوطني في العمليات التي تباشرها لمحاربة الجريمة المنظمة أو في إطار عمليات تطهير بؤر إجرامية.
و"القوة الخاصة"، يؤكد عبد الرحيم (الإطارة بهذه الوحدة)، لديها مجموعة من الاختصاصات، مشيرا إلى أن هناك وحدات التدخل والمداهمة، ووحدات الحماية المقربة وحماية الشخصيات والمنشآت الحساسة.
كما يوضح أن هناك الوحدات التي تعمل مع فرقة التدخل والمداهمة، وهي وحدة القناصة ووحدة المتسلقين ووحدات أخرى تقنية، مضيفا أن هناك من لديها تخصص متفجرات وتخصص الطائرة المسيرة (درون).
وتتولى مختلف هذه الفرق مهمات استراتيجية تتطلب تدريبات مكثفة ويومية وحصتين على الأقل في الأسبوع للتمرن على الرماية.
فبهذه الدرجة العالية من الاحترافية والنجاعة تمكنت هذه العناصر من تفكيك المئات من الخلايا الإرهابية.
تدخلات بلا مخاطر
في عملياتها تتبنى عناصر هذه المجموعة الخاصة شعار تحييد المستهدف دون حدوث أية مخاطر على العناصر الأمنية وعلى المستهدف وعائلته أيضا والسكان المحيطين بموقع التدخل.
وحتى تحقق هذا الهدف، فهي مطالبة بتحضيرات تمتد لأسابيع من التخطيط والاستباقية والتحضير بالنظر لخطورة العناصر المستهدفة.
وتعد المعلومات الدقيقة التي يجري تجميعها من الميدان والمعطيات العملية، والتي تخضع للتمحيص قبل القيام بأي عملية، أساسية بالنسبة لهؤلاء المختصين في هذه العمليات الأمنية الميدانية.
في عمليتي حد السوالم وتامسنا برز بوضوح سر هذه المنهجية. فقد كانت حاسمة في وضع بروتوكول صارم مكن من تحييد خطر إرهابي وشيك، دون وضع سكان البنايات التي اتخذ فيها أفراد خليتي "الأشقاء الثلاثة" و"أسود الخلافة في المغرب الأقصى" "شققا آمنة" أو على عناصر التدخل في مواجهة أي تهديد.
وبالعودة إلى تدخل تفكيك "خلية تامسنا" المرتبطة بمنطقة الساحل والصحراء، وأخذها كنموذج، في هذا السياق، يتضح القدر العالي للاحتراف والتنسيق.
فقد نشرت "القوة الخاصة" فرق القناصة في مختلف أماكن التدخل لتحييد جميع المخاطر وأشكال المقاومة العنيفة المحتملة، وسخرت فرق الاقتحام بواسطة التسلق، كما استعانت بتقنيي الكشف عن المتفجرات وفرق الكلاب المدربة للشرطة المتخصصة في مسح وتمشيط مسارح الجريمة، التي يشتبه في احتوائها على مواد ناسفة وأجسام متفجرة.
وبالتزامن مع ذلك، قامت شرطيات وشرطيين من المكتب المركزي للأبحاث القضائية بإجلاء سكان الشقق القريبة من أماكن التدخل، ضمانا لسلامتهم وتوطيدا لأمنهم، وذلك كإجراء وقائي لتفادي كل المخاطر والتهديدات التي قد تحدق بهم.
كما استخدمت عناصر الوحدة في هذه التدخلات الأمنية المتزامنة، القنابل الصوتية بشكل احترازي، لمنع أعضاء هذه الخلية الإرهابية من القيام بأي شكل من أشكال المقاومة العنيفة أو عدم الامتثال الذي قد يهدد أمن وسلامة عناصر فريق التدخل.
وفي هذا الإطار، يقول عبد الرحيم "القوات الخاصة إسم على مسمى، فهي عناصر مدربة أحسن تدريب، ولديها من الإمكانيات المهمة التي تجعلها تتصدى لأي خطر".
ويزيد موضحا "أكثر من ذلك كنوجدو دائما هذه القوات وأطرها والمشرفين على الوحدة لكي يكونوا جاهزين للتعامل مع أي حدث، وعلى أتم الاستعداد لتنفيذ المهمات الموكلة إليهم بطريقة قوية ودقيقة ومدروسة".
وأكد عبد الرحيم، في حديثه مع "الصحراء المغربية"، أن "القوات الخاصة دائما في مستوى التطلعات والتدخلات، وجميع المهمات تقوم بها على أحسن وجها، نظرا للوسائل اللوجيستيكية التي تتوفر عليها، والمعدات والآليات"، مبرزا أن "الوحدة تملك ترسانة مهمة ومتقدمة من الأسلحة، لا بالنسبة للقناصة ولا بالنسبة لعناصر التدخل".
الذكاء الاصطناعي في التدخل
اليوم، تشهد التدخلات الأمنية للقوات الخاصة تطورا نوعيا، إذ أصبح الذكاء الاصطناعي عنصرا فاعلا في التخطيط والتنفيذ. وعن هذا الاقتحام التكنولوجي الحديث لعمليات الوحدة، يقول الإطار داخل القوات الخاصة، عبد الرحيم، " نحن نواكب التقدم والتطور. فالعمليات التي قمنا بها في مدينتي حد السوالم وتامسنا استعملت فيها وسائل تقنية متقدمة جدا".
وأضاف "قبل التدخل هناك آليات وأدوات نستعملها تسبق تنفيذ فرقة المداهمة والتدخل لمهمتها. يعني تكون هناك عمليات استطلاعية قبل التدخل، وكل هذا يدخل في إطار الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تستعملها القوات الخاصة".
وقال أيضا، في هذا الصدد، "هناك نماذج لطائرات مسيرة عن بعد، والتي تقوم بدورها أحسن قيام، وهي مزودة بوسائل تقنية عالية الدقة. بها كاميرات عالية الدقة، وما يتعلق بالذكاء الاصطناعي".
وذكر أن "القوات الخاصة دائما في مستوى التطلعات والتدخلات، وجميع المهمات التي تنفذها تكون دقيقة وتحقق أهدافها، نظرا للوسائل اللوجيستيكية التي نتوفر عليها"، مضيفا، في هذا الصدد، "المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، لا يبخل علينا بأي من الوسائل والمعدات التي نريدها، كل ما نطلبه يوفره لنا".
النساء يقتحمن عالم "النخبة"
وحدة "القوة الخاصة" دائما ما تشهد مستجدات. ففي سنة 2024، أحدثت بها فرقة الدراجين، وكذلك الوحدة الخاصة بالمسيرات "درونات"، يوضح عبد الرحيم، ويضيف "هناك مسائل جديدة دائما في الوحدة".
أكثر ما يثير التساؤل بهذه الفرقة هو حجم الحضور العنصر النسوي داخلها. وفي هذا الإطار، يكشف عبد الرحيم، "دائما صفوف القوات الخاصة تتعزز بأطر وبعناصر ذات خبرات عالية، وذات إمكانيات مهمة. وهناك برنامج للالتحاق العنصر النسوي بصفوف الوحدة"، مبرزة أن "الأطر موجودة، تبقى فقط بعض الترتيبات والأمور ستكون عند حسن الظن. وسيكون التحاق فرقة للعنصر النسوي للقوات الخاصة في القريب العاجل".
يذكر أن توظيف عناصر هذه الوحدة يخضع لمعايير تشمل التوفر على مسار رياضي متميز، وقدرات رياضية استثنائية، ومستوى جيد من الثقافة العامة، وشخصية قوية تتيح لهم في المستقبل الرفع من أدائهم وتعزيز مهاراتهم الميدانية.
اشتغال بتنسيق مع "البسيج"
تشتغل القوة الخاصة، بتنسيق مع الذراع القضائي للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وهو المكتب المركزي للأبحاث القضائية، وباقي مصالح الإدارة. ويجري الاستعانة بها، بشكل كبير، من طرف "البسيج" للقيام بالعمل الميداني، كما أنها تسهر على تأمين المبنى الذي يضم المكتب المذكور.
ومنذ تأسيس "البسيج"، وبفضل التنسيق الدائم مع الجهات الأمنية، تمكن من تفكيك 90 خلية إرهابية، من بينها 84 خلية موالية لتنظيم داعش.
وأسفرت هذه العمليات عن توقيف، خلال العشر سنوات الأخيرة، أكثر من 1500 شخص خلال الفترة نفسها، كما ساهم التعاون الوثيق بين المكتب المركزي والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في تعزيز الأمن المغربي ومواجهة التحديات الإقليمية المرتبطة بالجماعات المتطرفة.
ومعلوم، أن عناصر "القوات الخاصة" شاركت بشكل فعلي في معظم عمليات تفكيك الخلايا الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة خلال السنوات المنصرمة.
رواق القوة الخاصة بالجديدة
في دورة الجديدة للأبواب المفتوحة للأمن الوطني، المقامة فعالياتها في الفترة الممتدة من 17 إلى 12 ماي 2025، تشارك القوة الخاصة، المدرب عناصرها على التعامل مع جميع التهديدات الإرهابية والأمنية وتأمين التظاهرات الكبرى، برواق يعرض وسائل التدخل والأسلحة المتعددة المهام والاستعمالات.
وإلى جانب فضاء معدات العمل والتدخلات، تعرض القوة الخاصة التابعة لمراقبة التراب الوطني عينة من أحدث مركبات التدخل المصفحة والمجهزة لتنفيذ عمليات أمنية في جميع الظروف، فضلا عن فضاء يعرض بعض المعدات والأزياء الخاصة المستعملة للتخفي.
تصوير (السرادني)