أزيد من 100 شخص بدون مأوى أغلبهم من المسنين يحجون كل ليلة لنادي العمل الاجتماعي للا الياقوت بعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، للتدفئة من برد ليالي فصل الشتاء القارس، مواطنون يعيشون تحت عتبة الفقر تقطعت بهم السبل في الدار البيضاء واتخذوا شوارعها مسكنا لهم بعيدا عن كنف العائلة وأمن العيش.
من بين هؤلاء، يوجد علي الذي أنهكت سنوات التشرد العشر جسده النحيل لكنها لم تفقده حبه لمطالعة المجلة وقراءة ما تحويه من أخبار ومنوعات إلى حين حلول وقت الصلاة التي أصبح يواظب عليها بعدما وفر له مركز الإيواء ملاذا يأويه من قساوة الشارع ليصبح فردا من أسرة "رواق التدفئة"، يتوافد عليه كل مساء للاحتماء من لسع البرد والتنعم بمقومات العيش الكريم ولو مؤقتا.
يعتبر علي هذا الرواق بيته الذي يمنحه الآمان ويعيد إليه آدميته حيث يحظى هنا بالعناية والرعاية الطبية والتغذية ويستفيد من مرافق صحية مزودة بالماء الساخن للاستحمام والتوضؤ وملابس جديدة وسرير دافئ خاص به للنوم، يسهر على راحته، إلى باقي نزلاء المركز ممن هم في وضعيته، مجموعة من الشباب والنساء المتطوعين الذين بادروا لمؤازرة هذه الفئة ضمن الحملة الرابعة لـ"رواق التدفئة".
هذه المبادرة الإنسانية تنظم على مدار فصل الشتاء تحت إشراف عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان بشراكة مع الجمعية المغربية لتربية الشبيبة فرع الفداء والمديرية الإقليمية لوزارة الشباب والثقافة والتواصل قطاع الشباب، ومندوبية التعاون الوطني ومندوبية وزارة الصحة وبتنسيق مع السلطات المحلية، موجهة لفائدة الأشخاص في وضعية الشارع والمسنين بدون مأوى الذين يعيشون ظروفا اجتماعية هشة وتتفاقم معاناتهم مع اشتداد البرد وهطول الأمطار وتنذر بخطورة الوضع على حياتهم.
ويأوي المركز 105 شخصا بدون مأوى يتوافدون عليه ابتداء من الساعة السادسة مساء حيث يتم تسجيل بياناتهم ويعرضون على الطبيب المعالج الذي يجري لهم فحوصات للكشف عن الأمراض التي من الممكن أن يكونوا أصيبوا بها خلال بقائهم لفترات طويلة بالشارع، ثم يتم منح كل واحد منهم محفظة بها أدوات الاستحمام وملابس جديدة ويتم توجيههم للمرافق المجهزة للاغتسال وتقليم الأظافر والحلاقة، بعدها يلتحقون بالمقصف لتناول اللمجة والاستراحة وتبادل أطراف الحديث أو مشاهدة التلفاز.
يعيشون داخل الرواق كأسرة كبيرة وفي انسجام تام ويتصرفون بأريحية ويملك كل واحد منهم مكانا خاصا به يحمل رقمه ويضع به أغراضه الشخصية ويأوي إليه كلما احتاج للخلود إلى النوم أو الراحة، كما تطوعت عدد من النسوة لإعداد وجبة العشاء، وعبرت إحداهن في حديثها لـ"الصحراء المغربية" عن سعادتها الغامرة بانخراطها الدائم بهذه المبادرة الذي تستهدف من هم في أمس الحاجة للمساعدة وتدخل على قلوبهم بعضا من الفرح والسرور.
يقفل المركز أبوابه على الساعة العاشرة ليلا لتقديم وجبة العشاء وفي الحادية عشرة ليلا ينتقل محمد أوبا وأعضاء آخرين من الجمعية المغربية لتربية الشبيبة فرع الفداء برفقة عناصر من السلطة المحلية إلى أماكن التي اعتاد الأشخاص في وضعية الشارع التواجد بها، لاسيما محطات المسافرين وجنبات الطرقات وداخل البيوت المهجورة والحدائق العمومية، بحثا عمن تخلفوا عن الحضور إلى المركز أو ممن لا يعلمون بتواجد "رواق التدفئة"، لتحسيسهم بخطورة المبيت خارجا خاصة وأن البرد اشتد لسعه وقد يعرض حياتهم للخطر، ويحاولون إقناعهم للالتحاق بنادي للا الياقوت حيث المسكن والمأكل والتطبيب.
في هذا الصدد، يقول محمد أوبا إن "الجولة الليلية تتطلب جهدا وصبرا ومثابرة لأن الأشخاص بدون مأوى صعب إقناعهم بمرافقتنا وذلك لاعتقادهم أننا سنزج بهم في دور للرعاية الاجتماعية نسلب حريتهم ونمنعهم من الخروج نهارا، لكن هذه المخاوف لا تتبدد إلا بعدما يعشون تجربة مركز الإيواء بالنادي، ويستوعبوا أننا هنا لرعايتهم والتكفل بهم والاستجابة لمتطلباتهم".
وأشار أوبا إلى أن القائمين على هذه المبادرة يقومون ببحث اجتماعي مع كل حالة على حدة للوقوف على أسباب تواجدها بالشارع وذلك بهدف إيجاد حلول ملاءمة لإخراجها من هذه الوضعية، حيث يتم مساعدة القاصرين على العودة إلى ديارهم وإعادة دمجهم داخل الأسرة، بينما يتم إدماج الشباب في سوق الشغل ودعمهم حتى يصبحوا قادرين على تدبر أمورهم، في حين يتم إحالة المسنين والأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة على مصالح الرعاية الاجتماعية التابعة لمديرية التعاون الوطني، من أجل إنقاذهم من خطر الشارع وتوفير لهم العناية الطبية ومكان يأويهم.
من جهتها، أبرزت رقية بودين، رئيسة قسم العمل الاجتماعي بعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، في تصريحها لـ"الصحراء المغربية"، أن عدد الأشخاص في وضعية الشارع بعمالة الفداء يتجاوز 200 شخصا، باعتبارها منطقة عبور يتوافد عليها المواطنون من جميع المدن بحكم رواجها الاقتصادي الكبير وقربها من محطة المسافرين ولاد زيان، مما يجعلها تعرف اقبالا واسعا للعديد من الفئات الاجتماعية الباحثة عن مورد رزق بالعاصمة الاقتصادية.
وأوضحت المسؤولة أن التفكك الأسري والفقر وتخلي الأبناء عن الوالدين والأمراض النفسية وتعاطي المخدرات من بين الأسباب التي تؤدي بالشخص إلى التشرد، مشيرة إلى أن الحجر الصحي كان له نصيب في ارتفاع نسبة الأشخاص في وضعية الشارع بسبب انقطاع المواصلات وتوقف الحياة حيث فاق عددهم خلال هذه الفترة 500 شخصا، مما جعل السلطات والجهات الوصية تسارع لإنقاذ هذه الفئة من تدهور وضعيتها وخصصت لذلك مراكز مؤقتة لإيواء الأشخاص بدون مأوى.
من جانبه، أعرب الفاعل الجمعوي خديري عز الدين، ومدير "رواق التدفئة"، في حديثها لـ"لصحراء المغربية"، عن أمله في أن يصبح هذا الرواق الدافئ مركزا قارا لا يقفل أبوابه بعد انقضاء فصل الشتاء من أجل تقديم الرعاية والتكفل بالأشخاص في وضعية الشارع طيلة السنة، مؤكدا على أهمية مراكز الإيواء لإنقاذ مواطنين قادتهم ظروف الحياة إلى التشرد ومساعدتهم على الاندماج داخل المجتمع وتأهيلهم نفسيا ومهنيا.
أسماء إزواون