عقارب الساعة تشير إلى الرابعة بعد الظهر، نساء يرتدين جلابيب وأوشحة وجوارب ونعال بيضاء، ضرورة تفرضها عادات وتقاليد المغاربة في الأحزان والأتراح.
كن يجلسن داخل قاعة الجلسات رقم 8 بالمحكمة الابتدائية في صف واحد، كل واحدة منهن تحمل كيسا بلاستيكيا بين يديها، دموعهن لم تجف بعد ومنهن من بدأت في البكاء داخل القاعة، إنهن أرامل ضحايا "محرقة روزامور"، بليساسفة، التي أودت بحياة 56 شخصا، نساء ورجال، في يوم واحد وساعة واحدة، وإلى جانبهن، كان يجلس عدد من الناجين من المحرقة وأفراد عائلات باقي الضحايا من آباء وأمهات وأشقاء.
كان الكل يترقب دخول هيئة الحكم من أجل البت في طلبات هيئة الدفاع الشكلية، التي التمستها أمامها قبل ساعة من الزمن، ليؤجل القاضي ذلك بعد المداولة، وينخرط في النظر في عدد من الملفات الأخرى المتعلقة بالنصب والسرقة والسكر والاتجار في المخدرات.
دخلت الهيئة بعد مرور نصف ساعة تقريبا، ليعلن رئيسها عن أحكام بعض القضايا التي نظر فيها بعد النظر في ملف شركة الأثاث، ووقف عدد من العائلات يسمع ما يتليه القاضي، لكن الكل تفاجأ بأن الهيئة وقفت من جديد، وأعلنت عن رفع الجلسة للمداولة في باقي القضايا، وعندها، انطلقت الهمهمات وسط القاعة، ليخلص المحامون إلى أن هيئة الحكم ستبدأ في مناقشة القضية معلنة بذلك عن جاهزيتها، واستبشر عدد من العائلات خيرا، بل ارتسمت الابتسامات على وجه الأرامل، وانكشفت أساريرهن من سماعهن لكلمات هيئة الدفاع، فقبل جلسة المحاكمة هذه، صم أغلبهم جام غضبه على بعض المحامين وبعض ممثلي الهيئات المدنية والجمعوية، الذين يساندونهن حين علموا بتأخير الملف من جديد إلى جلسة أخرى، معلنين تذمرهم من كثرة التأخيرات.
الكل كان متوترا وهو يترقب ما ستسفر عنه مداولة القضاة، هل هو تأجيل جديد أم موافقة على طلبات الدفاع ومناقشة القضية، بعض الحاضرين دخلوا في أحاديث طويلة وبصوت عال قليلا، وكأنهم يحضرون لما سيقومون به في حال تأخير القضية من جديد، ومنهم من استسلم للنوم، وآخرون خاصة من الطاعنين في السن، افترشوا بعض العلب الكارتونية وجلسوا على الأرض وقنينات الماء إلى جانبهم.
بعد نصف ساعة أخرى، دخلت هيئة الحكم، وكانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة مساء، وقبلها أحضر رجال الأمن المتهمين الثلاثة في هذه القضية، كان رب العمل وابنه والعامل المتهم بالتسبب في الحريق، جلس صاحب الشركة الذي بدا متعبا جدا ويمسح العرق بمنديل بإحدى يديه، ويحمل سترة زرقاء اللون في يد أخرى، إلى جانب ابنه، الذي اعتلت وجهه لحية خفيفة، في أحد الكراسي المخصصة للمعتقلين، فيما جلس العامل في الكرسي الأمامي وحده، يحكي بإيماءات وإشارات مع دفاعه وكأنه يريد أن يعرف ماذا يجري داخل القاعة.
شرع رئيس الجلسة في رد قرار الهيئة حول الدفوعات الشكلية، وتحلق العديد من المحامين أعضاء لجنة التضامن مع الضحايا حول المنصة، يسجلون قرارات المحكمة في أوراق بين أيديهم، ثم عقبوا على قرارات الهيئة وطالبوا بدفوعات جديدة، أمر رئيس الجلسة كاتب الضبط بتدوينها وضمها إلى جوهر القضية.
نادى القاضي على المتهمين الثلاثة معلنا بداية مناقشة القضية، وساد الصمت جنبات قاعة الجلسات.
سأل القاضي المتهم بإشعال النار في الشركة - إمتا دخلتي للخدمة في الشركة؟
العامل: عام 2007
القاضي: اشنو تدير انت في الشركة
العامل: خدام في السدة في الطابق الأول، تنلصق البونج بالكولا
القاضي: كميتي هداك النهار
العامل: إيه كميت كيفما كيكميو كاع الخداما في الشركة، كلشي تيكمي بالتخبية
القاضي: كميتي غير الكارو ولا جوان، جاوب وبلا ما تكدب،
العامل : كميت الكارو، وربي شاهد عليا، راني كميت قبل الوقت الي شعلات فيه العافية في واحد البونجة وما عرفتش هزيتها ورميتها على برا في كاينين صحاب النجارة.
القاضي: ولكن صاحبك الي خدام معاك قال أنك كميتي جوان ومن بعد شعلات العافية
العامل: لا السي القاضي هداك والله معارف شي حاجة ولا شاف شي حاجة
القاضي: اجي انت عندك سوابق
العامل: عندي سوابق في الاتجار في المخدرات ودخلت للحبس
القاضي: ودابا باقي كتكميه
العامل: غير مبلي بيه ما تنكميهش في الخدمة.
أمر القاضي العامل المتهم بالرجوع إلى الوراء، وتقدم منه رب العمل وابنه، وشرع في الاستماع إلى تصريحاتهما، قبل أن يؤجل القضية أسبوعا كاملا من أجل الاستماع إلى مرافعات الدفاع.