أدانت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف في آسفي، أخيرا، بـ20 سنة سجنا نافذا، متهمين متابعين بتهمة "الضرب والجرح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه".
وكانت الغرفة الجنحية بالمحكمة الابتدائية بالصويرة، التي أحيل عليها هذا الملف بعد إنهاء التحقيق مع المتهمين، قضت بعدم الاختصاص في القضية، بعد وفاة الضحية، نتيجة مضاعفات الاعتداء، لتحال القضية على استئنافية آسفي.
وخلال مراحل المحاكمة، أنكر المتهمان أمام هيئة الحكم الأفعال المنسوبة إليهما.
وأفادت مصادر قضائية أن اعتقال المتهمين، جاء على خلفية نزاع شب بين المتهم الرئيسي في هذه القضية، وشقيقه الضحية الذي توفي متأثرا بجراحه نتيجة الضربات القوية التي تلقاها من المتهم، الذي كان يرغب في الحصول على نصيبه من الميراث.
وأضافت المصادر نفسها أن وقائع القضية، انطلقت منذ 14 سنة تقريبا، بعد وفاة والد المتهم الرئيسي وأخيه الضحية، إذ بدأ الصراع بين الأخوين بطمع كل واحد منهما في إرث والدهما، كل واحد كان يريد أن يستحوذ عليه بمفرده، خاصة أن والدهم الهالك، كانت في ملكيته أراض فلاحية شاسعة وخصبة.
لم يكن المتهم وهو الأخ الأصغر للضحية من والده، يطيق هذا الأخير، وكان في مرات عديدة يطلب منه أن يجري القسمة بينهما وبين باقي إخوته، لكن الضحية كان يرفض بشكل دائم، وكان في كل مرة يستعين بباقي أشقائه لإرغام المتهم على قبول الأمر الواقع، بصفته أكبرهم وهو الأجدر للحفاظ على ميراث الأب وميراث العائلة.
مرت حوالي 10 سنوات على وفاة والد الأخوين، لم تخل مع حلول كل موسم فلاحي من تشابك ونزاعات بينهما، تصل إلى حد تبادل السباب والشتائم، أو عراك بالأيدي، ينهيه رجال القرية أو باقي إخوتهم.
لكن وقبل ثلاث سنوات، لم يدرك أحد من أشقاء المتهم والضحية أو حتى رجال القبيلة الذين كانوا يتدخلون في كل مرة لإنهاء الصراع المتوالي بين الشقيقين، يدركون ما ستؤدي إليه هذه الخلافات الأسرية من مأساة حقيقية.
فقد قرر المتهم الانتقام من الضحية، وعقد العزم على تأديبه وإرغامه على إجراء توزيع الميراث وأخذ كل واحد منهما نصيبه، بحيث توجه نحو منزل صهره، وأخبره بمخططه، ووافق الصهر وهو المتهم الثاني في هذه القضية، على تأديب الضحية وبالتالي وضع حد للصراع الدائر بين الشقيقين منذ سنوات.
كان المتهم يدرك أن شقيقه يتوجه بعد كل ظهر يوم إلى حقول الزيتون ليجمع أوراق الأشجار المتساقطة، فجلس وصهره إلى جانب واد قريب من الدوار، وانتظرا الضحية الذي كان برفقة ابنه القاصر أن ينهي عمله.
وحين غادر الابن الحقول تاركا والده الضحية الذي هم لأداء صلاة المغرب، انقض عليه شقيقه وشل حركته في حين انهال عليه صهره ضربا بواسطة عصا سميكة، ما أسفر عن حدوث كسور في أنحاء مختلفة من جسمه وفقدانه للوعي بشكل تام.
عندما عاد الابن لمساعدة والده من جديد، وجد عمه وصهره يعتديان على والده، فهرول نحو الدوار، وطلب النجدة من الجيران الذين نقلوا الضحية على وجه السرعة إلى المستشفى الإقليمي محمد بن عبد الله بالصويرة، في حين لاذ المتهمان بالفرار نحو وجهة مجهولة.
تقدمت زوجة الضحية بشكاية إلى وكيل الملك بابتدائية الصويرة، اتهمت فيها شقيق زوجها بالاعتداء على هذا الأخير بالضرب والجرح بواسطة السلاح الأبيض.
وبعد الاستماع إلى أقوالها من طرف وكيل الملك، إذ أوضحت أن زوجها تعرض لاعتداء بالقوة من طرف المتهمين، مؤكدة أن ابنها حضر إلى واقعة الاعتداء، وأدلت بأسماء مجموعة من الشهود الذين عاينوا الضحية وآثار الاعتداء بادية على أنحاء مختلفة من جسده، وسردت على وكيل الملك تفاصيل الحادث.
إثر ذلك، أعطى وكيل الملك أوامره إلى عناصر الدرك الملكي بمنطقة الحنشان، من أجل إجراء بحث في القضية واعتقال المتورطين فيها.
أعادت عناصر الدرك الملكي الاستماع إلى الزوجة وابنها القاصر بحضورها، الذي أكد تصريحات والدته، في حين نفى الشهود أن يكونوا شاهدوا المتهمين وهما يعتديان على الضحية، لكنهم أقروا بمعاينتهم له وهو ملقى على الأرض مغميا عليه، وجسده ملطخ بالدماء.
انتقل فريق المحققين إلى المستشفى الإقليمي بالصويرة، للاستماع إلى الضحية، حيث جرت معاينة حالته الصحية، التي وصفها المحققون خلال إنجاز المحضر بالسيئة جدا، نتيجة الكسور المتعددة التي أصيب بها، وجرى اعتقال المتهمين، وبعد التحقيق معهما، أنكرا اعتدائهما على الضحية، لكن التحريات الأمنية بمنزل المتهم الأول، أسفرت على العثور على ملابس بها آثار بقع من الدماء، تبين في ما بعد أنه كان يرتديها يوم الحادث، وبقع الدماء تعود إلى الضحية، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بالمستشفى متأثرا بجراحه، وبعد إحالة القضية على ابتدائية الصويرة، قضت هذه الأخيرة بعدم الاختصاص، وجرت إحالتها على محكمة الاستئناف بآسفي، التي قضت بإدانتهما بعشر سنوات سجنا نافذا لكل واحد منهما، رغم إصرارهما على نفي جميع التهم المنسوبة إليهما خلال مراحل التحقيق والمحاكمة.