شرعت القصص المصورة أو فن "الكوميكس" في استعادت مكانتها في المشهد الثقافي العربي، بعدما تحولت من مجرد رسوم موجهة للأطفال، إلى لغة سردية معاصرة تحمل رؤى نقدية وجمالية تستحق الوقوف عندها.
ويكشف هذا الفن اليوم عن قدرته على معالجة قضايا الهوية والحرية والتعبير الإبداعي، ويقترب من القارئ العربي بطرق جديدة تجعله يعيش الحكاية بصريا وفكريا في آن واحد، كان ذلك موضوع ندوة ثقافية أقيمت أول أمس الخميس، تحت عنوان "فن الكوميكس في العالم العربي.. قفزة جديدة نحو التنوير الثقافي"، في إطار فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ44.
استضافت الندوة حصة المفرح، أستاذة الأدب والنقد بجامعة الملك سعود بالرياض، التي تحدثت باستفاضة عن هذا التحول المتسارع بالمبدعين والناشرين إلى البحث عن أساليب تخرج "الكوميكس" من الهامش إلى مساحة أوسع من التنوير الثقافي، وسلطت الضوء في حوارها التالي مع "الصحراء المغربية"، على تجارب فنية عربية ومغربية تواصل بناء هذا الحقل الإبداعي وتمنحه ملامح خاصة.
تناولتم بالتفصيل تطور السرد المصور وانتقاله من كونه موجها للأطفال إلى منصة تعبر عن قضايا سياسية واجتماعية. كيف ترون هذه النقلة عربيا اليوم؟
أصبح واضحا أن السرد المصور لم يعد محصورا في إطار تربوي أو ترفيهي للأطفال، بل تحول إلى أداة فنية وفكرية تضيء موضوعات اجتماعية وسياسية وثقافية. وأرى هذا التحول ناجح لعدة أسباب، أولها التفاعل الخلاق بين الكلمة والصورة، وهو تفاعل يمنح النص قوة إضافية، وثانيها طبيعة عصرنا السريعة، التي لم تعد تميل إلى القراءة المطولة، ما يجعل تحويل الروايات إلى سرد مصور مدخلا مناسبا لفهم المحتوى بجاذبية أكبر.
كما أن الأدوات التقنية أصبحت تمنح فرصة للإبداع حتى لمن لا يتقن الرسم، إلى جانب اتساع فضاء النشر عبر المنصات الرقمية، وهذا ما سمح لـ"الكوميكس" بأن يتحول إلى فن جماهيري يقرأه الجميع، لا فئة محددة.
في ظل النقاش الدائم حول تراجع القراءة وسيطرة الشاشات، هل يمكن أن تكون القصص المصورة بديلا؟ وما مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على خدمة هذا الفن؟
لا أؤمن بفكرة البديل إطلاقا، بل بفكرة التكامل بين الفنون والأجناس الأدبية، نحن لا نبحث عن إلغاء شكل فني لصالح آخر، بل عن تطوير طرق تقديمه بما ينسجم مع إيقاع العصر. اليوم، تغيرت الوسائط التي نستهلك من خلالها الأدب، وصارت المنصات الرقمية جزءا من حياتنا اليومية.
أما الذكاء الاصطناعي، فقد جربت استخدامه شخصيا خلال الإعداد لدورة تدريبية، وهو قادر على إنتاج رسومات دقيقة، لكنه لا يجيد تقديم النص العربي بشكل صحيح حتى الآن. يمكن الاستفادة منه في الجانب البصري، لكنه محدود لغويا، وهذا استنادا إلى تجربتي الخاصة، وربما تتطور الأدوات لاحقا لتتجاوز هذه العقبة.
إذا استخدم الفنان الذكاء الاصطناعي في الرسوم، هل يظل العمل مشروعا؟ وهل يهدد ذلك الإبداع الإنساني؟
التقنيات ليست جديدة على هذا المجال، فقبل الذكاء الاصطناعي وجدت أدوات رقمية كثيرة، وكان استخدامها مشروعا ما دام الفنان يصرح بها. الإشكال يظهر حين ينسب العمل إلى الفنان دون الكشف عن الأدوات المساعدة، الإعلان عن طريقة الإنتاج يمنح العمل مشروعيته ويحفظ صدقية الفنان.
بداية هذا الفن اعتمدت على رسامين تزامن عملهم مع حوارات بسيطة موجهة للأطفال. اليوم تغير المشهد، إذ ندرب على كتابة السيناريو البصري، وكيف يمكن تحويل الرسم والمشهد إلى حوار مدروس يخدم الفكرة ويعكس عمق القضية المطروحة.
كيف ترون حضور هذا الفن في المغرب؟
اطلعت على تجارب عدة في العالم العربي، لكن التجربة المغربية جذبتني بشكل خاص، هناك أعمال مغربية في السرد المصور نجحت في الانتقال من الأدب الموجه للأطفال إلى طرح قضايا اجتماعية وثقافية مهمة بجرأة وحس نقدي، وهذا يعكس نضجا فنيا لافتا.
صحيح أن تونس أيضا تقدم نماذج قوية، لكن الحضور المغربي مميز وواضح. ولا أرى ضرورة للمقارنة المستمرة مع الغرب، فالتأثير قائم بين الدول العربية نفسها.
تجربة المغرب ملهمة بالفعل، حتى حين تلامس الموضوعات الأكثر جرأة أو تخترق مناطق حساسة، فهي تحاول قول شيء عبر الفن. وهذا ما يؤكد أن السرد المصور تجاوز دوره التقليدي ليصبح منصة تناقش قضايا كبرى، وهو أمر كان يصعب توقعه قبل سنوات.