نظمت كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الثلاثاء، بالرباط، حفل إطلاق النسخة الثالثة من برنامج "الكنوز الحرفية المغربية"، تحت شعار: "من إرث الأجداد إلى إبداع الأحفاد: شباب يصونون الهوية المغربية".
ويأتي تنظيم هذه النسخة، حسب كتابة الدولة، في إطار مواصلة الجهود الوطنية الرامية إلى صون الحرف التقليدية المهددة بالاندثار، والتعريف بها وتثمينها، عبر نقل المهارات والمعارف الحرفية للأجيال الصاعدة، من خلال تكوين الشباب على يد المعلمين الحرفيين الحاملين لهذا الموروث الثقافي غير المادي، ترسيخًا لقيم الإتقان والإبداع والهوية المغربية الأصيلة.
كما تأتي النسخة الثالثة من هذا البرنامج امتدادا للنسختين السابقتين المنظمتين خلال سنتي 2023 و2024، حيث تم خلالهما تصنيف 17 صانعا وصانعة تقليدية ضمن قائمة "الكنوز الحرفية المغربية"، أشرفوا على تكوين 157 شابا وشابة على مدى تسعة أشهر من التكوين الميداني. أما برسم سنة 2025، فقد تم تصنيف 15 كنزا حرفيا جديدا، سيتولون تأطير 150 متدربا ومتدربة في مجالات متنوعة، ليرتفع بذلك العدد الإجمالي إلى 32 كنزا حرفيا مغربيا و307 من الشباب المكونين.
وقال لحسن السعدي، كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، إن "برنامج الكنوز الحرفية المغربية يسعى إلى الانفتاح على الشركاء وتوسيع دائرة المستفيدين لتشمل مختلف مناطق المملكة وأيضا مختلف الشرائح المجتمعية، بمن فيهم السجناء في إطار المبادرات الرامية إلى الدمج الاجتماعي وتأهيل الشباب داخل المؤسسات السجنية".
وأضاف السعدي، في كلمة في الجلسة الافتتاحية، أنه تم إبرام اتفاقية شراكة مع منظمة اليونسكو والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بهدف استفادة السجناء من خبرات الصناع التقليديين السجناء، مشيرا إلى أنه تم انتقاء 6 من السجناء ذوي الخبرة، لنقل معارفهم إلى 90 شابا وشابة من السجناء في حرف "الزليج التطواني السروج المطرزة، السطرمية الجلدية المطرزة، المصنوعات النباتية للجنوب، الطرز السلاوي".
وأردف قائلا " قمنا كذلك بالتوقيع على اتفاقيات شراكة إضافية، لتوسيع هذا البرنامج ليشمل الأقاليم الجنوبية للمملكة، جهة كلميم واد نون، وجهة العيون الساقية الحمراء وجهة الداخلة وادي الذهب"، مشيرا إلى أن هذا التوجه يُبرز التزام كتابة الدولة بتعزيز الانخراط المجتمعي الشامل، وضمان استمرارية المهارات الحرفية ونقلها للأجيال، بما يسهم في دعم التنمية المحلية والجهوية.
من جهته، أوضح شرف أحميمد، مدير مكتب اليونسكو بمنطقة المغرب العربي، أن اليونسكو تفخر بمواكبتها، منذ سنوات عديدة، كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني في جهودها الرامية إلى صون المعارف والمهارات الحرفية المهددة بالاندثار بالمغرب وإبراز قيمتها.
وأضاف أحميمد أن هذا التعاون يجسد التزامنا المشترك بصون التراث الثقافي غير المادي، الذي يُعد الذاكرة الحية للشعوب، مشيرا إلى أنه من خلال الاعتراف بـ32 صانعة وصانعاً تقليدياً، تمكن هذا البرنامج من تكريم مواهبهم وإبداعهم ودورهم الجوهري في نقل المهارات المتأصلة عبر الأجيال.
كما يجسّد هذا المشروع، يضيف أحميمد، أبهى صور الشراكة القوية بين المؤسسات الوطنية والدولية عندما تعمل يدا في يد من أجل الحفاظ على التنوع الثقافي وتعزيز تنمية اقتصادية مستدامة قائمة على احترام تقاليد الشعوب وتثمين الإنسان".
وتتواصل هذه السنة مسيرة البرنامج عبر النسخة الثالثة (2025)، التي تشمل 15 مهنة ذات حمولة ثقافية قوية مهددة بالاندثار.
ونظرا للنجاح الذي عرفه هذا البرنامج، فقد تم التوقيع على اتفاقية لتمديد الشراكة التي تجمع بين كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) حول برنامج الكنوز الحرفية إلى حدود سنة 2031.
وقد تميزت فعاليات هذا الحفل بزيارة الجناح المخصص للحرف التي تمت المحافظة عليها خلال النسخ السابقة، إلى جانب لقاء مفتوح مع مجموع ممثلي الكنوز الحرفية المغربية البالغ عددهم 32 صانعا وصانعة، في لحظة احتفاء واعتراف بمكانتهم وبما قدموه من إسهام كبير في صون الهوية الثقافية الوطنية وترسيخ مكانة الحرف المغربية في المشهدين الوطني والدولي.
وشهد الحفل تكريم نخبة من المعلمين الحرفيين الذين يجسدون بمهارتهم العالية وابتكاراتهم الأصيلة عمق التراث المغربي وتنوعه، ويواصلون نقل معارفهم وخبراتهم إلى المتدربين الشباب في مختلف الجهات، ضمن برنامج تكويني يمتد لتسعة أشهر بشراكة مع معاهد التكوين في مهن الصناعة التقليدية.
وتشكل هذه النسخة الجديدة، حسب كتابة الدولة، خطوة إضافية لتعزيز مكانة الصناعة التقليدية كرافعة للتنمية البشرية والمجالية، وتجسيدٍ حيٍّ للرؤية الملكية السامية التي تجعل من الحفاظ على التراث الثقافي اللامادي مسؤولية جماعية ومصدر إلهام للأجيال الجديدة.