في جناح يغمره الضوء والدهشة، توقفت جموع من زوار معرض الشارقة الدولي للكتاب أمام فكرة لم يعتادوها من قبل، "صيدلية الشعر"، فهنا لا تصرف الأدوية الكيميائية، بل تقدم القصائد على هيئة جرعات علاجية، تعبر عن حالات إنسانية متباينة، وتدعو إلى الشفاء بالمعنى والجمال والكلمة.
وراء هذه الفكرة تقف الشاعرة والإسعافية الإنجليزية ديبورا ألما، التي عرفت في بريطانيا بلقب "الشاعرة الإسعافية"، بعد أن أمضت سنوات طويلة في أقسام الطوارئ تعالج المرضى وكبار السن، قبل أن تكتشف أن الشعر بدوره قادر على تضميد الجراح، ليس الجسد فحسب، بل القلب والذاكرة أيضا.
وتعود بدايات "صيدلية الشعر" إلى عام 2011، حين ابتاعت ديبورا سيارة إسعاف قديمة تعود لسبعينيات القرن الماضي، وأطلقت منها مشروعها الإنساني المتنقل. كانت تجوب المدن البريطانية والمهرجانات والمدارس والمكتبات، حاملة معها قصائد موضوعة في قوارير تشبه علب الدواء، وتقدمها لمن يحتاج إلى "علاج بالكلمات"، بحسب حالته المزاجية أو النفسية.
اليوم، وبعد أكثر من عقد على هذه التجربة، تقف ديبورا في الشارقة، ضمن فعاليات الدورة الـ44 من المعرض، لتشارك جمهورا عربيا واسعا يؤمن هو الآخر بقوة الأدب في مداواة الروح.
داخل "صيدلية الشعر"، تصطف العلب الطبية على رفوف صغيرة تحمل تسميات لافتة، من قبيل، "شرارة الإبداع"، و"دواء الأرض"، و"طاقة البهجة"، و"مساحة الأمان"، و"رسائل من القلب"، و"رحلة اكتشاف الذات".
يفتح الزوار العلب فيجدون داخلها قصائد مختارة بعناية من مختلف العصور واللغات، تتنوع بين الحكمة والحب والإلهام الذاتي. البعض يضحك بدهشة، وآخرون يلتقطون الصور وكأنهم يوثقون لحظة شفاء رمزية.
تقول ديبورا ألما، التي تدرس اليوم الكتابة الإبداعية وتحرر مختارات شعرية في مجلات أدبية عالمية، إن "الشعر يمكنه أن يغير المزاج، وأن يفتح نوافذ للأمل في أصعب اللحظات. الكلمات حين تقدم بروح محبة، تصبح علاجا نفسيا ووسيلة لحفظ توازننا الداخلي."
وتحمل تجربة "صيدلية الشعر" في جوهرها رؤية إنسانية عميقة، وهي أن الأدب ليس ترفا فكريا، بل حاجة وجودية، في زمن يزدحم بالضجيج، تقدم ديبورا نموذجا بسيطا وملهما لما يمكن أن تفعله القصيدة حين تخرج من الكتب لتجلس إلى جوار المريض، أو المتعب، أو الباحث عن معنى جديد للحياة.