تستعد ساحة جامع الفنا القلب النابض لمدينة مراكش، وأحد أبرز المعالم السياحية والتاريخية بالمملكة، لارتداء حلة جديدة في إطار مشروع إعادة تأهيلها، من أجل الارتقاء بجودة الخدمات والبنية التحتية بالساحة، مع الحفاظ على أصالتها كتراث ثقافي غير مادي مصنف من طرف اليونسكو، وتحسين جاذبيتها السياحية وتعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية.
وحسب المعطيات التي حصلت عليها "الصحراء المغربية"، فإن الأشغال تجري بوتيرة وصفها المسؤولون بـ"الجيدة"، حيث انطلقت عملية تبليط الساحة بالزليج وأحجار تقليدية تراعي الخصوصية المعمارية للساحة، بعد تجديد شبكات الصرف الصحي والكهرباء والأنترنيت، حيث بلغت نسبة الأشغال المنجزة حوالي 50 في المائة.
وكشف جمال أبو الهدى، المفتش الجهوي لوزارة الشباب والثقافة والتواصل بجهة مراكش آسفي، في اتصال بـ"الصحراء المغربية"، أن أشغال إعادة تهيئة ساحة جامع الفنا، تسير بوتيرة متقدمة منذ انطلاقتها في أواخر شهر ماي الماضي، لإعادة الاعتبار لهذه الساحة التاريخية والعالمية، واستعادة بريقها في تناغم بين الأصالة والحداثة، مشيرا الى أن التصميم الجديد لساحة جامع الفنا، يتضمن احترام الطابع العمراني للمباني المحيطة، والالتزام بالعلو الأقصى المسموح به على مستوى المدينة العتيقة، مع الإبقاء على العربات المجرورة بالخيول "الكوتشي"، التي تعود إلى سنة 1912، كجزء من التراث الحي للمدينة بصفة عامة وتاريخ ساحة جامع الفنا بصفة خاصة.
وكانت العديد من البنايات العمومية والخاصة، شيدت بالمدينة العتيقة، في خرق واضح لميثاق الهندسة المعمارية للمدينة العتيقة، سواء من حيث تجاوزها للعلو المسموح به والمحدد في سبعة أمتار ونصف المتر، واستعمال الإسمنت المسلح في بنائها، من قبيل مصحة خاصة بـ"باب تاغزوت"، التي يصل علوها إلى حوالي 16 مترا، ومقهى "أركَانة" التي جرى التغاضي عن تجاوزها للعلو القانوني وإحداث طابق تحت أرضي بها.
وحددت الكلفة المالية لإعادة تهيئة ساحة جامع الفنا التاريخية، التي تشرف عليها وزارة الشباب والثقافة والتواصل والوكالة الحضرية والمجلس الجماعي لمراكش، في 160 مليون درهم، ويجري تنفيذ الأشغال من طرف الشركة المغربية "Aleq" المتخصصة في الأشغال الطرقية وإحداث الطرق والشبكات المختلفة والتنمية الحضرية، والتي سبق لها أن فازت بصفقة إعادة تهيئة المنطقة السياحية بأكادير.
وتتضمن أشغال إعادة تأهيل الساحة التاريخية، تجديد شبكات الصرف الصحي، والكهرباء، والأنترنيت، وتبليط الساحة باستخدام الزليج والأحجار ذات التصميم التقليدي، بالإضافة إلى تأهيل الإنارة العمومية لتنسجم مع الهوية التاريخية للساحة، وتتوزع على أربعة محاور أساسية، يخص المحور الأول تحسين الولوج إلى ساحة جامع الفنا، لتمكين الزوار من التنقل بسهولة وراحة، ويهم المحور الثاني تزيين الساحة وتأثيثها، خاصة ما يتعلق بتنظيم فضاءات بيع المأكولات والمشروبات، أما المحور الثالث فيشمل نقل الكتبيين من باب دكالة إلى فضاء عرصة البيلك، إلى جانب نقل بائعي الأغراس إلى الفضاء نفسه.
وستساهم أشغال التهيئة، بعد الانتهاء منها في تعزيز إشعاع ساحة جامع الفنا التاريخي والثقافي كرمز عالمي للحضارة المغربية، واسترجاع رونقها وتحسين ظروف العمل للمهنيين والحرفيين والممارسين التراثيين الذين يشكلون جزءا من نسيجها الثقافي الفريد، وضمان استدامتها كموروث وطني وعالمي وإنساني، والحفاظ على المكانة المرموقة للساحة، المدرجة ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي لمنظمة اليونسكو.
وشكلت ساحة جامع الفنا، على مر العصور مادة ملهمة للشعراء والأدباء والمؤرخين والمبدعين، وقيمة تاريخية بارزة وعلامة سياحية وثقافية متفردة، تستمد منها المدينة الحمراء إلى جانب مآثرها ومعالمها التاريخية ومدينتها العتيقة ومناظرها الطبيعية الخلابة، إشعاعها الثقافي والسياحي على الصعيدين الوطني والدولي، ما أهلها لتتبوأ مكانة عالمية رائدة، قبل أن تبادر منظمة اليونسكو سنة 2008، إلى تصنيفها تراثا ثقافيا للإنسانية، باعتبارها أول موقع يجري إدراجه في قائمة التراث الشفوي واللامادي للإنسانية، سيما أن هذه الساحة ظلت تشكل الفضاء الأمثل لتلاقي وتلاقح التقاليد الشفوية بمختلف تجلياتها وتمظهراتها.