تحول الخروج الإعلامي لأمين التهراوي، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، عبر برنامج "لقاء خاص"، الذي أداره الزميل الصحافي جامع كلحسن على القناة الثانية، مساء أول أمس الاثنين، موضوع دراسة وتعليق وإبداء رأي لعدد من المتتبعين للشأن الصحي، ركزت على الشكل الذي ظهر به الوزير ومضمون الخطاب الذي عبر عنه.
على مستوى الشكل، برز وزير الصحة والحماية الاجتماعية مشاركا في لقاء إعلامي تواصلي مع الجمهور العريض عبر قناة تلفزيونية عمومية، حرص خلاله أمين التهراوي، على أن يبدو ثابتا في تقديمه إجابات بأريحية مقبولة، بلغة مفهومة لدى أغلب المتتبعين للشأن الصحي، إضافة إلى تفاديه الانفعال عند تقديم أجوبة عن أسئلة الزملاء الصحافيين، في رصدهم لعدد من مكامن الخلل في القطاع الصحي.
منذ الدقائق الأولى من زمن البرنامج، وضع التهراوي سياقا زمنيا لمسؤولياته، بالتأكيد على أنها شهور، لا تتجاوز 14 شهرا على توليه تدبير قطاع الصحة، استنادا إلى تعيينه في أكتوبر من سنة 2024، أي أن الوزير حاول رسم سياق لمساءلته عن مشاكل واختلالات وأعطاب القطاع الصحي، في محاولة، ضمنية وليست إعلانا صريحا منه، لإبعاد مسؤوليته عن المشاكل المتراكمة في تدبير القطاع ونتائجه الحالية.
على مستوى المضمون وبناء الخطاب في الرد على الأسئلة، تبنى وزير الصحة مضمونا يزاوج بين رصد عدد من الاختلالات، وليس جميعها، بما فيها الاختلالات التي لم يسبق لمسؤولين سابقين إثارتها، ومنها الدعم العمومي للمصحات الخاصة، ثم التذكير ببعض المشاريع ومستوى تقدم تنزيلها وتحقيقها على الميدان وما لم تصله يد الحكومة بعد إلى غاية اللحظة.
إشكالات القطاع الصحي
تضمن خطاب التهراوي تأييدا للاحتجاج لإصلاح أعطاب المنظومة الصحية وتوفير حلول لإشكالاتها العالقة، وذلك من خلال تأكيده بعبارات موضحة، على دعوته لمسؤول في وزارة الصحة إلى الاحتجاج في الرباط بسبب الإشكالات التي واجهته في حل إشكالات تدبيره للقطاع الصحي. وهي الدعوة التي شكلت موضوع تداول واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم ينفها الوزير بل أظهر أنه مع تبني مقاربة المثابرة في الترافع لحل مشاكل القضايا العالقة التي تواجهه في تدبير شؤون القطاع الصحي وعدم الاستسلام والركون إلى مراسلات إدارية، قد لا تجدي نفعا، ويظل المسؤول الصحي مختبئا وراءها ودرء مسؤوليته عن استمرار الوضع على ما هو عليه دون التوصل إلى حلول.
إضافة إلى ذلك، قدم التهراوي لائحة ببعض مواقع الخلل، التي استطاع رصدها خلال الشهور الماضية لتوليه حقيبة وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، منها منح الدعم العمومي للمصحات الخاصة، والتي كانت وراء قراره بوقف الدعم لعدم جدواه ونفعيته بالنسبة إلى تحسين الخدمات الصحية التي يطلبها المواطن. ورغم نفي المصحات لهذا الأمر، إلا أنه لم يخجل من التأكيد على خطوته هذه في برنامج بالتلفزيون العمومي والتأكيد على ضرورة إصدار توجيهاته بإعادة النظر في العلاقة مع المصحات الخاصة. كما تطرق التهراوي إلى ملفات حساسة في تدبير القطاع الصحي، بتعبير المهنيين، منها تعدد الفاعلين في قطاع الأدوية، ووجود بعض أشكال المقاومة من قبل بعضهم لقرار إعادة النظر في نظام تحديد أسعار الأدوية بما يسمح بخفض تكلفتها على جيب المواطنين. كما تبنى وزير الصحة لغة نقدية للمستوى الذي توجد عليه مجموعة من المستشفيات مثل الفرابي في وجدة، لعدد من الأسباب، ضمنها الحكامة في التسيير.
كما رصد عددا من مواقع ضعف الخدمات الصحية لقلة الموارد البشرية الصحية، وانعدام جاذبية القطاع العام للأطر الصحية، في مقدمتهم الأطباء الاختصاصيون، ثم تأخر تفعيل الرقمنة والمعلوميات في تدبير ملفات المرض والتعويض عنها. ينضاف إلى ذلك وجود حاجة لتغيير الوضعية الإدارية والصفة الممنوحة لمدير المستشفى، التي تجعله يحمل صفة "رئيس قسم"، وهي الصفة التي لا تمنحه كثيرا من الأدوات المساعدة على التدبير.
إصلاحات ومشاريع مستقبلية
في مقابل الانتقادات، بسط التهراوي جانبا من قرارات إصلاح بعض الأعطاب من قبيل العمل على فتح مزيد من المستشفيات الجامعية، مع تأهيل وتجهيز ألف مركز صحي من ضمن 1400 المخصصة في المرحلة الأولى، بينما لا يزال الاشتغال على 1600 أخرى مؤجلا، من مجموع 3000 مركز صحي عبر تراب المملكة.
وبلغة الأرقام، تحدث الوزير عن أحد إنجازاته بتعيين مباشر لـ2500 متخرج من كليات الطب، مقابل، 250 متخرجا فقط، خلال الأعوام السابقة، مع الرفع من عدد كليات الطب والرفع من عدد المقاعد البيداغوجية، ثم الاستعداد لرفع تحدي فتح مجموعة مهمة من المستشفيات خلال الشهور المقبلة إلى أوائل سنة 2026، وإن وصف عددها بغير الكافي للاستجابة لحاجيات المرضى وانتظارات المواطنين بشكل عام.
نهاية حديث الوزير عبر التلفزيون العمومي، فرق المتتبعين إلى فئتين، فئة تؤكد موضوعيتها في وصف خطاب الوزير بـ"الشجاع والناجح" في الحديث عن قطاع مثقل بالإخفاقات والمشاكل والتعثرات التي بات يخزيها المواطن القاصر قبل البالغ، لكنها تعتبر ذلك غير كاف، بالنظر إلى انتظار المغاربة لترجمة واقعية وملموسة على أرض الميدان داخل جميع المؤسسات الصحية، حيث يجد المريض ومرافقوه حسن الاستقبال، والولوج السريع والكريم إلى الطبيب، والممرض والدواء والعلاج الجيد في الوقت المناسب، وفي ظروف حسنة تحفظ كرامة المريض وهشاشته في ظرف المرض والضعف الجسدي، في مسار إعادة الثقة في المنظومة وبداية مسار جديد لتصحيح أخطاء مزمنة.
أما الفريق الثاني من المتتبعين، عبر عن شكوك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في "صدقية" خطاب الوزير، واعتبره خطابا سياسيا لوزير يحسن التواصل السياسي مع الجمهور لمهادنة الشارع وتهدئة الأسر الغاضبة على المستوى الضعيف للمنظومة الصحية.
أمام تعليلات الفئتين، فإن واقع المنظومة الصحية يؤكد الحاجة إلى إصلاح جذري وشجاع مع تبني إرادة حقيقة للنهوض بالصحة بغض النظر عن اللون السياسي الذي يحمل حقيبة وزارة الصحة، بل يجب استحضار حق المريض في مقاومة مرضه، وتخفيف ألمه ومخاوفه، بغض النظر عن انتمائه الاجتماعي أو الاقتصادي عند طلب العلاج بجودة عالية وفي ظروف استقبال كريمة.