تحولت رحلة روتينية على متن حافلة للنقل العمومي تشق طريقها بين جماعتي للاتكركوست وتحناوت بإقليم الحوز، صباح يوم السبت الماضي، إلى مسرح لدراما إنسانية حاسمة، ومشهد صراع بطولي مع الزمن، حيث أعلنت امرأة حامل فاجأها المخاض عن وصول توأمها قبل أوانه بكثير، وحول الركاب إلى مسعفين في مواجهة المجهول.
صمت مطبق قبل العاصفة
في منتصف الطريق، اخترق صراخ قوي للحظة صمت الركاب، سرعان ما تبين أن سيدة في أشهر حملها الأخيرة فاجأها المخاض المباغت. لحظات من الفزع والدهشة سادت المكان، ليتحول وجه الركاب من اللامبالاة إلى القلق والترقب.
لم تكن فاطمة تتوقع أن تكون مقصورة الحافلة هي أول غرفة "عمليات" تستقبل توأميها، ولم يكن صراخها صرخة ألم عابرة، بل كانت صافرة إنذار أيقظت الركاب من سباتهم، ولم يعد هناك وقت للوصول إلى أقرب مستوصف.
في تلك اللحظة، تحول السائق الى بطل المشهد، وقرر إيقاف الحافلة على جانب الطريق، لتتحول إلى غرفة ولادة مؤقتة بائسة لكن مليئة بالأمل، موجها تعليمات صارمة للركاب بالهدوء، وباشر الاتصال بالإسعاف.
لم يتأخر الركاب في الاستجابة لنداء الإنسانية، وفي غياب الأطباء والقابلات، اندفع عدد من النساء، خاصة المسنات منهن وبعض الشباب، لتشكيل فريق مساعدة مرتجل، وجرى إبعاد الركاب الرجال لتوفير الخصوصية، وتحويل المقاعد الخلفية إلى "سرير" مؤقت باستخدام بعض المعاطف والأغطية الخفيفة المتوفرة، التي تبرع بها الركاب، من أجل لف الرضيعين، في محاولة يائسة لتدفئتهما.
يصف أحد ركاب الحافلة وهو شاب يدعى أحمد في تصريح ل"الصحراء المغربية"، "كان الأمر مرعبا... سمعنا تعليمات قوية من سيدة كبيرة بالعمر وكأنها ممرضة، لكن المفاجأة كانت مزدوجة. بعد خروج الطفل الأول، صرخت المساعدة: 'هناك طفل آخر!'. لم يكن أحد يتوقع أن يكونا توأما".
وأضاف المتحدث، أن اللحظة التي سمع فيها الركاب صيحة البكاء المزدوجة للتوأم الذكر والأنثى، هي اللحظة التي تحول فيها التوتر والقلق إلى فرح عارم وبكاء صامت من قبل بعض النساء تأثراً بالمشهد، مشيرا إلى أن الصرختين المتتاليتين للتوأم كانتا من أجمل الأصوات التي سعها في حياته.
حافلة الحياة تستأنف رحلتها
بعد دقائق قليلة وصلت سيارة الإسعاف، لتجد أن المهمة قد أُنجزت، قام المسعفون بنقل الأم والتوأم المولودين حديثاً إلى قسم الولادة بالمستشفى الإقليمي محمد السادس بتحناوت، حيث يخضعون للمراقبة الطبية، وسط تأكيدات بأن حالتهم الصحية مستقرة، والفضل يعود بعد الله إلى السرعة والتكافل الذي أبداه ركاب الحافلة.
قبل أن تستأنف الحافلة رحلتها متأخرة عن موعدها، ودع الركاب السائق والمساعدين بعبارات الشكر والثناء، وغادروا جميعا الحافلة، مقدمين درسا في التكافل الإنساني الذي لا يحتاج إلى طبيب أو مكان فاخر ليظهر في أبهى صوره، تاركين خلفهم مقعدا لا ينسى، وذاكرة تثبت أن قوة الحياة والشهامة المجتمعية قادرة على التغلب على أصعب الظروف، حتى ولو كانت على عجلات في قلب إقليم الحوز.