في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحولات رقمية غير مسبوقة، بدأ اسم تطبيق "ديسكورد" يطفو على السطح كأحد الأدوات الجديدة التي يعتمدها جيل "زد" للتعبير عن مواقفه وتنظيم نقاشاته، وحتى احتجاجاته، في عدد من البلدان. وبينما وُلد هذا الجيل في حضن التكنولوجيا، فإن اختياره لهذه المنصة بالذات لم يأت من فراغ.
"ديسكورد" هو تطبيق تواصل اجتماعي ظهر سنة 2015، وكان في بدايته موجها لعشاق ألعاب الفيديو، قبل أن يتحول إلى مساحة تفاعلية مفتوحة للنقاشات الجماعية والمحادثات الصوتية والمرئية. يتيح التطبيق إنشاء ما يسمى بـ"السيرفرات"، وهي فضاءات مغلقة تجمع أفرادا يتقاسمون الاهتمامات نفسها، ويتواصلون دون أن يظهروا بهوياتهم الحقيقية، مما يمنحهم حرية كبيرة في التعبير والتنسيق بعيدا عن الرقابة.
كيف يستعمل المحتجون هذه المنصة؟
في تجارب دولية عديدة، مثل فرنسا والنيبال وهونغ كونغ، تحول "ديسكورد" إلى وسيلة فعالة للتنسيق بين المحتجين، بفضل ما يوفره من سرية وسرعة في التواصل. يتم عبره تبادل الخرائط الميدانية، والخطط التنظيمية، والمحتوى التعبوي كالشعارات والملصقات الرقمية، في إطار ما يشبه غرفة عمليات رقمية يصعب تتبعها أو التحكم فيها من الخارج. ديسكورد في السياق المغربي في المغرب، ورغم أن المنصة لم تتحول بعد إلى أداة تعبئة مباشرة، إلا أن عددا من الشباب بدأ يستعملها لتنظيم نقاشات مغلقة حول قضايا اجتماعية واقتصادية تهم الجيل الجديد. هؤلاء الشباب، الذين ينتمون إلى ما يُعرف بـ"جيل زد"، لا يثقون كثيرا في القنوات التقليدية للتعبير، كالسياسة والإعلام، ويفضلون فضاءات رقمية أكثر حرية وأقل رقابة.
وبهذا المعنى، فإن "ديسكورد" يمثل بالنسبة لهم مختبرا للأفكار والنقاشات التي قد تنتقل لاحقا إلى الفضاء العام.
في مقابل هذا الواقع، هناك من يرى أن استعمال مثل هذه المنصات قد يشكل تحديا للأمن الرقمي، في ظل انتشار المعلومة غير المؤكدة وسرعة التعبئة العاطفية. لكن خبراء التواصل يرون في الظاهرة أيضا فرصة لإعادة بناء جسور الثقة مع الشباب، وإدماجهم في النقاش العمومي من خلال أدوات يفهمونها ويتفاعلون بها. فالرهان اليوم، كما يقول عدد من المختصين، ليس في محاصرة الفضاءات الرقمية، بل في تحويلها إلى قنوات للحوار والوعي، بما يخدم استقرار المجتمع وتطوره.
رأي خبير مغربي في علم الاجتماع الرقمي وفي تعليق على الظاهرة، قال خبير مغربي في علم الاجتماع الرقمي، فضل عدم ذكر اسمه في ظل الأحداث الجارية بالبلد، إن "جيل زد يعيش مرحلة انتقالية بين الرقمي والواقعي، ويعبّر عن مواقفه بلغة مختلفة عن الأجيال السابقة، تجمع بين السرعة والرمزية". وأضاف أن "استخدام تطبيقات مثل ديسكورد لا يعني بالضرورة ميولا احتجاجيا، بل هو شكل جديد من البحث عن الانتماء والمشاركة في الشأن العام، داخل فضاءات يشعر فيها الشباب بالأمان والتقدير".
وختم بالقول إن "المجتمع المغربي مطالب اليوم بقراءة هذا التحول بعمق، لأن مستقبل التواصل السياسي والاجتماعي سيتشكل من رحم هذه المنصات الرقمية".