سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن الفضاء الرقمي أصبح اليوم حاضنا للحريات، حيث تتبلور في سياقاته قيم جديدة تشكل إطارا لانخراط الشباب ومشاركاتهم وتعبيراتهم السلمية على مطالب حقوقية أساسية ومشروعة، وذلك في سياق خلاصاته بشأن الاحتجاجات التي تشهدها عدد من المدن المغربية.
تعبيرات رقمية محرضة على العنف
في المقابل، رصد المجلس، في إطار تتبعه للفضاء الرقمي، العديد من التعبيرات الرقمية سواء داخل منصة "ديسكورد" أو منصات تواصل اجتماعية أخرى، عبارة عن حسابات حديثة، وأخرى مغلقة، وأخرى لا تنشر أي محتوى، ولا اشتراكات بها، وحسابات عديدة، تتضمن محتوى مضللا، وأخرى تتضمن دعوات صريحة وخطيرة للعنف والتحريض عليه، والدعوة إلى إحراق مؤسسات ومبان حكومية واستهداف أماكن إقامة مسؤولين، والتهديد باللجوء إلى التصفيات.
كما رصد في هذه التعبيرات الدعوة للمس الصريح بكرامة أشخاص غير راغبين في المشاركة في المظاهرات أو يدعون في تعليقاتهم ومحتواهم إلى الالتزام بنبذ العنف والحرص على الالتزام بالسلمية، خاصة النساء.
وأوضح المجلس في بلاغ صادر عنه، أمس الخميس، توصلت "الصحراء المغربية" بنسخة عنه، يشمل خلاصات وتوصيات بخصوص "احتجاجات الشباب" أو ما يعرف بـ "جيل زد" وما رافقها من عمليات تخريب وعنف وإضرام للنار في عدد من المؤسسات والمباني في عدة مدن مغربية خلال هذا الأسبوع، أن أغلب هذه التعبيرات الرقمية الصادرة عنها هذه الدعوات، تحمل قاسما مشتركا، إذ يتبين من خلال التدقيق في معلوماتها وسلوكها ومنشوراتها أن أصلها من دول أجنبية - يتم الانتباه إلى بعضها في بعض الأحيان.
احتجاج سلمي تطور لأعمال عنف
الخلاصات جاءت عقب اجتماع موسع عقدته رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آمنة بوعياش، يوم الأربعاء فاتح أكتوبر 2025، مع رئيسات ورؤساء اللجان الجهوية لحقوق الإنسان، ومديرين ومكلفين بمهام لدى الرئاسة، حيث خصص للتداول في آليات دعم الرصد والتتبع الميداني والرقمي، في ظل التطورات التي تشهدها الاحتجاجات بعدد من المدن المغربية.
وخلص إلى أن احتجاجات الشباب انطلقت بدعوات للاحتجاج، حيث التزمت في بدايتها بالتجمع السلمي، غير أن بعضها عرف بعد ذلك أعمال عنف، بما في ذلك بعض أشكال التدخل غير الملائمة أو المناسبة، وأشكال عنف خطيرة أخرى، إلى جانب انحرافات تمثلت في الرشق بالحجارة والسرقة وإحراق سيارات وإتلاف ممتلكات عمومية وخاصة.
وأوضح المجلس أنه كان قد شكل فرقا للرصد والتتبع الميداني والتدخل الحمائي منذ انطلاق دعوات الاحتجاج، وذلك على ثلاثة مستويات: جهويا من خلال لجانه الجهوية بالجهات الاثنتي عشرة، ووطنيا، وعلى مستوى الفضاء الرقمي، بما في ذلك التواصل الميداني مع السلطات المحلية أو مع الشباب في أماكن التظاهر.
توصيات بضمان الالتزامات الحقوقية
وأكد المجلس، في توصياته، على ضرورة ضمان الحق في التجمع السلمي باعتباره مكسبا ديمقراطيا وحقوقيا، مع تحمل المسؤولية المشتركة بين المنظمين والداعين للاحتجاج والسلطات العمومية في حفظ النظام العام وضمان ممارسة الحق في التعبير.
كما أوصى بإعمال التأويل الحقوقي للحق في التجمع السلمي، بغض النظر عن التصريح أو الإشعار، وربطه بسلمية التجمعات واستحضار خصوصيات التعبيرات الرقمية الناشئة، داعيا في الوقت ذاته إلى تعزيز حماية المواطنات والمواطنين وضمان سلامتهم الجسدية سواء كانوا محتجين أو عناصر من القوات العمومية.
وجدد المجلس التذكير بالحق في حرية التعبير باعتباره حقا كونيا ودستوريا وقاعدة أساسية للتمتع بمجموعة من حقوق الإنسان الأخرى، شريطة ألا يمس بحقوق الغير أو الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة، مبرزا أن التجمع السلمي كما تقره المنظومة الدولية لحقوق الإنسان يتعارض مع أي تجمع يتسم بعنف واسع النطاق، ولا يجوز ممارسته باستخدام العنف.
تشديد على التحقيق في الانتهاكات
وأشار المجلس إلى أنه واصل رصده على المستويات الوطنية والجهوية والرقمية، حيث سجل احتجاجات سلمية بعدد من المدن، عرف بعضها مشاركة واسعة للأطفال القاصرين في سلا والراشدية والداخلة وتارودانت والرباط، فيما شهد بعضها الآخر أعمال عنف خطيرة.
وأعرب عن أسفه الشديد لوفاة ثلاثة أشخاص في القليعة بعمالة إنزكان نتيجة الأحداث، إلى جانب إصابات في صفوف محتجين وقوات عمومية.
كما سجل إصدار بلاغ للرأي العام بخصوص ملابسات سقوط ضحيتين بالرصاص الحي، قبل أن يرتفع العدد إلى ثلاثة أشخاص.
ورحب المجلس بإطلاق سراح عدد كبير من المحتجين، وأدان في المقابل محاولة اقتحام وإضرام النار بمركز الدرك الملكي بالقليعة حيث تقطن عائلات في الطابق الأول، معتبرا ذلك عملا خطيرا يهدد الأرواح.
وشدد على ضرورة فتح تحقيق في جميع الحالات التي كان فيها مس بالحياة أو السلامة الجسدية، مؤكدا أنه سيواصل عمليات الرصد والتتبع الميداني وتدخلاته، فضلا عن ملاحظة المحاكمات المرتبطة بالأحداث.