شهدت بلدة أيت عميرة أحداثا متفرقة، ليلة أمس، ارتبطت باحتجاجات ما صار يُعرف بجيل "زد"، لتتحول بسرعة إلى حديث المغاربة على المنصات الاجتماعية. لكن خلف هذا البعد الآني، هناك قصة أعمق عن بلدة لم يأت ذكرها كثيرا في النقاش العمومي، رغم كونها واحدة من أهم الحواضر الفلاحية في المغرب.
أيت عميرة ليست مجرد اسم ارتبط بالترند، بل فضاء يتقاطع فيه الاقتصاد بالهجرة، وحقول الطماطم بالخدمات الاجتماعية. إنها البلدة التي تختزن مفارقة مغربية بامتياز: وفرة فلاحية تقابلها هشاشة معيشية لآلاف العمال الذين يشكّلون عصبها اليومي.
قطب فلاحي بامتياز
الأرقام تكشف بوضوح مكانة البلدة في المشهد الفلاحي الوطني: أكثر من 15 ألف هكتار مخصصة للزراعات العصرية، خاصة الطماطم والفلفل والفاصوليا والبطيخ. قطاع يشغّل في ذروة المواسم ما يزيد عن 40 ألف عامل وعاملة. ويكفي أن نعلم أن ما يقارب 45% من صادرات المغرب من الطماطم نحو الاتحاد الأوروبي مصدره أيت عميرة وحدها، لندرك وزنها في تأمين موقع المغرب كأول مصدر للطماطم.
هذه الدينامية جعلت من البلدة قبلة للاستثمارات الزراعية الكبرى، وساحة يتحرك فيها الفلاحون الكبار وشركات التصدير بحثاً عن أسواق جديدة وعوائد بالعملة الصعبة.
الهجرة والعمالة الوافدة
لكن الوجه الآخر لأيت عميرة يتبدى في طابعها البشري. فخلال العقدين الأخيرين، تحولت البلدة إلى نقطة جذب للهجرة الداخلية. آلاف الرجال والنساء جاؤوا من الجنوب الشرقي، ومن جبال الأطلس، ومن الريف والرحامنة وعبدة. هكذا تضاعف عدد السكان من نحو 40 ألفاً مطلع الألفية إلى ما يفوق 85 ألف نسمة اليوم.
هذا التوسع البشري جعل من أيت عميرة فسيفساء اجتماعية متعددة الهويات. غير أن هذه الدينامية رافقها ضغط متزايد على البنيات التحتية: مدارس مكتظة، ومستوصف محلي يئن تحت ثقل الطلب، وسكن عشوائي يتوسع بوتيرة أسرع من التخطيط العمراني.
هشاشة اجتماعية
في الظاهر، أيت عميرة قصة نجاح فلاحي مغربي. لكن خلف الصورة المشرقة لحقول الطماطم والفلفل، هناك واقع آخر يعيشه آلاف العمال الزراعيين. أجور يومية تتراوح غالباً بين 80 و100 درهم، ظروف عمل صعبة، وهشاشة اجتماعية مستمرة.
إنها مفارقة واضحة: بلدة تُدرّ الفلاحة منها أرباحا بملايين الدراهم، لكنها تعجز عن توفير خدمات أساسية تحفظ كرامة العمال والوافدين.
وفي نهاية المطاف، تجسد أيت عميرة نموذجا مصغرا للتحولات الكبرى التي يعيشها المغرب الزراعي: فلاحات عصرية موجّهة للتصدير، إلى جانب هشاشة اجتماعية تعصف باليد العاملة التي تُشكّل العمود الفقري لهذا القطاع.
ويبقى التحدي قائماً: كيف نوازن بين العملة الصعبة التي تدرها الفلاحة على البلاد، وبين التنمية الاجتماعية التي تحتاجها بلدة أيت عميرة وسكانها؟ هنا بالضبط تتحدد معضلة الفلاحة المغربية الحديثة.
سعيد أهمان