معرض الفرس للجديدة.. قصة السقاط الصانع منقذ حرفة السروج من الاندثار

الصحراء المغربية
الخميس 02 أكتوبر 2025 - 11:30

من بين أصوات الحوافر ورائحة الجلد الممزوج بالخيوط والزخارف، يشد هشام السقاط، صانع السروج التقليدية بمدينة فاس، خيوط حكاية ورثها عن والده وحوّلها إلى جزء من حياته اليومية.

مشاركته في الدورة السادسة عشرة لمعرض الفرس بالجديدة، الممتدة إلى الخامس من أكتوبر، يصفها بـ"المثمرة"، لأنها تعطي للحرفة المهددة بالاندثار دفعة جديدة للبقاء، وتعيد الاعتبار لصناع ظلوا سنوات طويلة يشتغلون في الظل.

يقول السقاط: "السرج الواحد يشارك في صنعه ما بين 14 و17 حرفيا، ويتكون من نحو 34 قطعة. كله عمل يدوي يستغرق إنجازه بين أربعة أشهر وسنة ونصف، حسب نوع الجلد والزخرفة." ثمن السرج يبدأ من خمسة آلاف درهم، لكنه يرتفع مع جودة المواد ودقة الزينة.

رحلة هشام مع الحرفة بدأت مبكرا، حين كان في الرابعة عشرة من عمره يساند والده المريض داخل الورشة. "كنت أراقب خطواته بين الجلد والخيوط والزواقات، ومع مرور الوقت أصبحت خير بديل له. ومن يومها صارت السروج جزءا من حياتي"، يقول بابتسامة تخفي الكثير من الاعتزاز.

 

انقاذ الحرفة من الاندثار

قبل سنوات، كان صناع السروج التقليدية يعدّون على أصابع اليد، يشتغلون في ورشات ضيقة بعيدا عن الأضواء. لكن معرض الفرس غيّر المعادلة، فبفضل فضاءاته المخصصة للصناعات المرتبطة بالفروسية، وجد الحرفيون أنفسهم أمام جمهور واسع من عشاق الخيل والمهتمين بالتراث، واستعاد السرج المغربي مكانته كقطعة فنية لا مجرد أداة للفارس.

المعرض، كما يقول السقاط، ليس فقط مناسبة للتسويق، بل لحظة لإعادة الاعتبار لهذا الإرث. تكريم الحرفيين ومنحهم جوائز جعل شبابا كثر يغيّرون نظرتهم إلى المهنة، بعدما كانوا يرونها مرهقة وغير مربحة.

 

دار الصانع .. ذاكرة الفروسية

لم يكن الطريق ممهدا دائما، لكن تدخل مؤسسات داعمة مثل "دار الصانع" أعطى الحرفة نفسا جديدا. فالمؤسسة تسهر على حماية ثلاث صناعات تقليدية مرتبطة بالفروسية: السرج، "البزيوي" و"المكحلة". هذا الدعم الرسمي جعل الحرفة تنتقل من مرحلة التلاشي إلى آفاق التطوير.

الزائر لفضاء السرج في معرض الفرس يكتشف أن هذا المقعد التقليدي ليس مجرد قطعة جلد وخشب، بل تحفة فنية تتداخل في صنعها عدة أياد، ومنها "الرشام" الذي يبدع الزخارف، و"صانع الأساس" الذي يضع البنية الأولى، و"المطرزة" التي تنسج الخيوط الذهبية والملونة، و"الخياط" الذي يجمع الأجزاء بدقة متناهية.

وراء كل تحفة يتداخل فن الدباغة والصباغة والنقش المعدني، ليكشف المعرض سروجا مكتملة وأخرى مفككة تعرض بنيتها الداخلية، في رحلة بصرية تعيد الزائر إلى ذاكرة التبوريدة المغربية وطقوس الفروسية الأصيلة.

اليوم، لم يعد السرج المغربي مجرد أداة للفروسية، بل صار رمزا للشرف وجزءا من هوية ثقافية تحفظ علاقة الإنسان بالخيل. إنه حرفة تصمد أمام الزمن بفضل صناع متشبثين بها ومعارض أعادت إليها الحياة.

 




تابعونا على فيسبوك