ها هي العاصمة الاقتصادية للمملكة تتحول مجددًا إلى ورشة كبرى، وهذه المرة على وقع التحول الرقمي والعدالة المجالية. فقد أعلنت جماعة الدار البيضاء عن إطلاق مشروع وُصف بأنه "الأضخم من نوعه"، يحمل اسم "كازابلانكا تك فالي" (Casablanca Tech Valley)، وسيقام في منطقة سيدي عثمان، ليضع هذا الحي الشعبي على سكة التحول نحو المستقبل، تمامًا كما حدث مع منطقة عين السبع قبل عقدين عندما أبصرت كازا نيرشور النور.
المشروع الذي سيمتد على ستة هكتارات ونصف من الأراضي، يطمح إلى خلق أكثر من 20 ألف منصب شغل، وهو رقم يترجمه أصحاب المشروع بأنه استثمار في الإنسان قبل البنيان، لا سيما في قطاعات التكنولوجيا الحديثة والابتكار الرقمي والخدمات الموجهة نحو الخارج.
من العدالة المجالية إلى السيادة الرقمية
في حديثهم عن المشروع، يؤكد مسؤولو الجماعة، وعلى راسهم عمدة المدينة نبيلة ارميلي، أن المشروع هو أكثر من مجرّد استثمار عقاري أو حضري. بل هو ترجمة فعلية لمفهوم العدالة المجالية، حيث تنتقل المشاريع المهيكلة من المركز إلى الأطراف، ويصبح لسيدي عثمان موقع في خارطة الاستثمار والاهتمام بعد أن كان يُختزل في صور نمطية عن التهميش والعشوائية.
تحالف مؤسساتي نادر
ومن بين أبرز ما يُلاحظ في هذا المشروع، هو التحالف غير المسبوق بين عدد من المؤسسات. فقد كان لوالي جهة الدار البيضاء سطات، محمد امهيدية، دور محوري في إطلاق المشروع، إلى جانب عامل عمالة مولاي رشيد، الذي واكب المسار من بدايته.
ولا يمكن في هذا الصدد إغفال الدور الذي لعبه رئيس مقاطعة سيدي عثمان، محمد حدادي، الذي دافع بشراسة عن ضرورة إدراج هذا النوع من المشاريع في منطقته، وكذلك نائب عمدة الدار البيضاء المكلف بقطاع الممتلكات، لحسين نصر الله، الذي سهّل عمليات تعبئة العقار.
أما شركة إيوان للتنمية، التابعة لصندوق الإيداع والتدبير (CDG)، فستتكفل بإنجاز المشروع، بدعم مباشر من المدير العام للصندوق، الذي رأى في هذه المبادرة فرصة لإعطاء نفس جديد للجهود الوطنية في مجال الرقمنة وتحفيز المقاولات الناشئة.
نموذج قريب من كازا نيرشور... لكن برؤية جديدة
وبحسب المعطيات الرسمية، فإن المشروع سيحاكي من حيث الفلسفة والتموقع، تجربة كازا نيرشور، لكن مع تركيز أكبر على قطاعات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، الابتكار في مجال الخدمات الرقمية، والحاضنات الموجهة للشباب والمقاولين الذاتيين.
بداية الأشغال خلال الأشهر المقبلة، على أن يتم تسليم أولى الوحدات في أفق سنة 2026، ما سيحوّل تدريجياً المنطقة إلى نقطة جذب للمستثمرين المحليين والدوليين، خاصة في ظل الاهتمام المتزايد للمغرب كمركز رقمي للقارة الإفريقية.
من الهامش إلى المركز
بإطلاق مشروع "كازابلانكا تك فالي"، تنتقل سيدي عثمان من الهامش إلى المركز، ويصبح الحي عنوانًا لتحول حضري واقتصادي في مدينة تتغير بسرعات متباينة. المشروع لا يعد فقط بخلق فرص الشغل، بل أيضًا بإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، من خلال مشاريع تُحدث الأثر حيث لا يتوقعه أحد.