التأم، الجمعة، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، ثلة من الخبراء والباحثين والمتخصصين في العلوم الجنائية، خلال ندوة دولية حول موضوع "مداخل التجديد الفاعل للفكر العقابي، الأبعاد، الإشكاليات، الحدود"، لمناقشة وتبادل الأفكار حول القضايا الحيوية في مجال الفكر العقابي، لتطوير المعرفة وتعزيز التعاون الأكاديمي والعلمي في هذا المجال، وتسليط الضوء على مختلف المداخل التي تؤدي إلى تجديد الفكر العقابي خصوصا في المغرب.
ويشكل هذا اللقاء العلمي الدولي، المنظم على مدى يومين، من طرف مختبر البحث في السياسة الجنائية والقانون المقارن بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة القاضي عياض، وجمعية عدالة من أجل الحق في مكالمة عادلة، فرصة للمشاركين من أجل استعراض وجهات النظر والرؤى المختلفة حول أسئلة جوهرية، من قبيل ماهي الغايات الأساسية للعقوبة؟ وكيف يمكن أن تتكيف مع التحولات المجتمعية السريعة، وهل نجحنا في جعل العقوبة أداة حقيقية للإصلاح والردع، أم أننا بحاجة إلى إعادة التفكير في فلسفة ممارستها.
وخلال الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة الدولية، أعلنت السعدية مجيدي، مديرة مختبر البحث في السياسة الجنائية والقانون المقارن، عن تأسيس الجمعية الدولية للباحثين والأكاديميين في العلوم الجنائية، كما سبق التشاور والتوافق بشأنها مع مجموعة من الأساتذة في لقاء الرباط المتعلق بالمنتدى الدولي حول "دور البحث العلمي في قياس اتجاهات الجريمة وتحليل الظواهر الإجرامية".
وأكدت مجيدي، في كلمة ألقتها، بالمناسبة، على أهمية إصلاح المنظومة الجنائية، وجعلها أكثر إنسانية وفعالية، كما شدد على ذلك جلالة الملك محمد السادس، حيث دعا جلالته فيما مرة إلى خلق منظومة عقابية تسهم في حماية المجتمع دون المساس بكرامة الأفراد وحرياتهم.
وأوضحت مجيدي أن الفكر العقابي هو مساءلة حية لمكنونات المجتمع الإنساني بكل مقوماته وخصوصياته الهوياتية، وفي كل أبعاده النسقية، مشيرة إلى أن القصد من تجديد مداخل الفكر العقابي هو التداع الحر مع المعرفة العقابية من مناظير علمية متعددة وحقول معرفية مختلفة.
وخلصت إلى أن مرد هذا التعاطي المنهجي يكمن في مدى التعقيد والتركيب الذي يطبع المجتمع الإنساني المتحول في مختلف الأبعاد من جهة، وهاجس تحقيق العدالة وحفظ الكرامة الإنسانية ، الذي يواري خلفه أزمات الفكر العقابي في سبيل الجواب العلمي عن أسئلة العقاب حاضرا ومستقبلا من جهة أخرى.
من جانبه، أوضح بلعيد بوكادير، رئيس جامعة القاضي عياض، أن هذه الندوة الدولية التي تناقش موضوع مداخل التجديد الفاعل للفكر العقابي، يعكس أهمية الفكر النقدي في تحليل القضايا المرتبطة بالعدالة والعقاب، باعتباره مجالا تتقاطع فيه الأبعاد القانونية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية.
وأكد بوكادير على ضرورة اعتماد مقاربات متعددة التخصصات تستوعب أبعاد الجريمة والعقوبة، من خلال دمج المعارف القانونية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية والتكنولوجية في التعامل مع الظاهرة الإجرامية والعقابية، بهدف إيجاد حلول فعالة ومتوازنة.
وأضاف رئيس الجامعة أن تنوع محاور هذه الندوة الدولية من تأثير الغايات العقابية على العدالة وحقوق الإنسان إلى الجوانب الاقتصادية والسيكولوجية للعقوبة، يظهر مدى عمق هذا الموضوع وأهميته في تحقيق توازن بين السلطة والحريات في مجتمع يسعى نحو الإنصاف والتنمية المستدامة.
وفي هذا الإطار، أشار بوكادير إلى أن الجامعات من ضمنها جامعة القاضي عياض، تلعب دورا أساسيا في بناء الطاقات البشرية القادرة على التعامل مع هذه القضايا المعقدة، مؤكدا أن الجامعة هي فضاء للتعليم والبحث العلمي وهي، أيضا، منصة لتشكيل وعي جديد لدى الطلبة والمجتمع بأهمية العدالة وفلسفة العقوبة والغايات الكبرى للسياسات العقابية، من خلال برامجها العلمية وأنشطتها التوعوية.
بدوره، أكد رئيس شعبة القانون الخاص بكلية الحقوق بمراكش، في كلمة ألقاها نيابة عنه سليمان المقداد، على أهمية موضوع الندوة وراهنيته لكون تجديد الفكر العقابي في المغرب هو مسعى يتماشى مع التطورات الحقوقية والاجتماعية على الصعيدين الوطني والدولي، مشيرا إلى أن المغرب يسعى، في هذا الإطار، إلى ملاءمة منظومته القانونية مع التزامات حقوق الإنسان والتحديات الحديثة.
وتوقف مدير مديرية الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل، في كلمة ألقيت نيابة عنه، عند القانون المتعلق بالعقوبات البديلة، الذي يجسد رؤية متقدمة ونقلة نوعية في فلسفة العقاب استجابة للتوجيهات الملكية السامية الداعية إلى نهج سياسة جنائية جديدة تواكب التطورات المعاصرة، ويأتي لمعالجة التحديات الملموسة التي تواجهها المؤسسات السجنية، خاصة في ما يتعلق بارتفاع الساكنة السجنية وتأثيرها على برامج الإدماج وإعادة التأهيل، بالإضافة إلى الضغط المتزايد على المنظومة الجنائية بصفة عامة.
وأجمعت باقي المداخلات على أهمية تكثيف الجهود للوصول إلى التكامل المعرفي المفضي الى فهم الظاهرة العقابية ومحاولة علاجها، سيما مع سرعة التحول الذي يشهده العالم في مختلف المستويات، سواء الفكرية أو الحقوقية أو الثقافية بهدف تجديد الفكر العقابي. ويتضمن أشغال هذه الندوة الدولية مجموعة من المواضيع البالغة الأهمية، جرى توزيعها إلى ستة محاور، تهم مداخل تجويد السياسة العقابية وسؤال المرونة والفعالية، تأثير الغايات العقابية في تطوير قواعد العدالة وضمان حقوق الإنسان، العقاب والمتغيرات الاجتماعية "رؤية من زاويتي السوسيولوجيا والأنتروبولوجيا"، اقتصاد العقوبة "ديالتيك الاقتصادي والقانوني"، أدب العقاب "بين عوالم النص الأدبي وصرامة النص القانوني"، سيكولوجية العقاب" تحليل نوازع الجريمة وآثار العقوبة من منظور علم النفس".