مؤتمرمنظمة العمل العربي يواصل أشغاله بالرباط

استلهام تجربة الحوار الاجتماعي في المغرب

الأحد 26 فبراير 2006 - 15:18
ادريس جطو

تتواصل أشغال المؤتمر 33 لمنظمة العمل العربي بالرباط، والذي انطلقت أشغاله يوم السبت بحضور مكثف للوفود العربية، بتدارس مختلف التقارير واستعراض التجارب العربية في مجال الحوار الاجتماعي.


ومن المنتظر أن ينكب المؤتمرون على دراسة مختلف التقارير والمشاريع المخصصة للمؤتمر من أجل تقييم حصيلة العمل العربي في مجال الحوار والتشاور بين مكونات الإنتاج والحكومات العربية، قصد الوصول إلى "مفهوم عربي موحد للحوار يفضي إلى وضع اتفاقية عربية في الموضوع خلال الدورة القادمة" على حد تعبير المدير العام للمنظمة إبراهيم قويدر.

ويتضمن جدول أعمال المؤتمر الذي يستمر ستة أيام مناقشة عدة مواضيع من بينها تقرير المدير العام لمكتب العمل العربي حول الحوار الاجتماعي ومتابعة الاستراتيجية العربية لتنمية القوى العاملة والتشغيل وتطبيق اتفاقيات وتوصيات العمل العربية ومذكرة المدير العام لمنظمة العمل العربية حول الدورة 95 لمؤتمر العمل الدولي الذي سينعقد في جنيف الصيف المقبل.

كما سيبحث المؤتمرون عددا من القضايا التي تهم العمل والعمال في الوطن العربي بما يعزز مسيرة منظمة العمل العربية وتحقيق أهدافها القومية.

المؤتمر سيعرف أيضا مراجعة المواثيق العربية الخاصة بالعمل والتشغيل، واستعراض التقارير العربية حول مد، تنفيذ الاتفاقيات الموقعة في إطار المنظمة، واستعراض خطة عمل المنظمة خلال سنتي20072008 .

المغرب الذي يترأس أشغال هذه الدورة، سيقدم تجربته في مجال الحوار الاجتماعي التي تبقى في نظر العديد من المشاركين وعلى رأسهم المدير العام للمنظمة "تجربة رائدة في الوطن العربي، بالنظر للآليات والمؤسسات التي باتت تؤطر الحوار الاجتماعي في المغرب".

وفي هذا الإطار، جرى توزيع وثيقة حول التجربة المغربية خلال المؤتمر، ستشكل لا محالة موضوع نقاش وتقييم من طرف المؤتمرين، خاصة وأنها تشهد اليوم دينامية على أرض الواقع بعد الوصول إلى توافق حول مدونة الشغل.

الوثيقة تستعرض مسار تطور الحوار الاجتماعي بالمغرب على مستوى الترسانة القانونية وآليات الحوار، وكذا الاتفاقات الاجتماعية الموقعة خلال السنوات الأخيرة بين مكونات الحوار الثلاثة.

وتعتبرالوثيقة أن سنووات التسعينيات شكلت منعطفا حاسما في تاريخ العلاقات المهنية، حيث تعزز رصيد الحوار الاجتماعي بالوقيع على ثلاث اتفاقيات اجتماعية أسفرت عن مكتسبات مهمة بنسبة للشغيلة في ميدان حماية الحقوق الأساسية والحريات النقابية والحماية الاجتماعية وتحسين الأجور.

واستعرضت الوثيقة المؤسسات الوطنية الخاصة بالحوار من قبيل المجلس الأعلى للاتفاقيات الجماعية واللجنة المركزية للأسعار والأجور والمجلس الأعلى لليد العاملة والمجلس الاستشاري لطب الشغل والمجلس الاستشاري للحوار الاجتماعي، بالإضافة إلى ضمان مشاركة ممثلي الأجراء في المؤسسات العمومية وشبه العمومية وفي المجلس الإداري للضمان الاجتماعي، أو من خلال اللجن الإدارية المتساوية الأعضاء.

وتستعرض الوثيقة مضامين الاتفاقيات الثلاث الموقعة بين النقابات وأرباب العمل والحكومة المعروفة باتفاق فاتح غشت 1996 واتفاق 19 محرم 23 أبريل 200 واتفاق 30 أبريل 2003 وهي الاتفاقيات التي عمقت من ممارسة الحوار في التعاطي مع المطالب والنزاعات في أوساط الشغل، كما مكنت من تحسين أوضاع الشغيلة وتحسين ظروفها والحد من التوترات الاجتماعية التي تنعكس على نشاط المقاولات.

والمفيد في التجربة المغربية أنها لم تقف عند المستويات الوطنية للحوار، بل جرى التأسيس لها على المستويات القطاعية والمحلية والجهوية، مما انعكس إيجابا على محيط الأعمال، حيث تعبأت الأطراف الثلاثة لتحسين المحيط الاقتصادي والاجتماعي للمقاولة والنهوض بالاستثمارات الوطنية.

هذه الإصلاحات المتواصلة في قوانين الشغل ومحيط الاستثمار، مكنت المغرب اليوم من جلب الاستثمارات الأجنبية، ووضع استراتيجية لإنعاش الشغل ومحاربة البطالة ودعم التكوين المستمر لفائدة العمال والموظفين.

وعلى ذكر التشغيل، فقد أضحت إشكالية مطروحة النسبة لجميع الدول العربية، على الرغم من الإمكانيات المالية والاقتصادية التي تتوفر لبعضها، بسبب ضعف الاستثمارات العربية البينية الكفيلة بخلق فرض الشغل، وهي الإشكالية التي ستحظى أيضا بالنقاش خلال المؤتمر، وتطوير المبادرات العربية في مجال التشغيل بهدف تشجيع خلق المقاولات وتسهيل إدماج الباحثين عن العمل ووضع مخططات في مجال التشغيل، وهي المقترحات التي بلورتها مبادرات التشغيل المغربية خلال لقاء شتنبر 2005 الماضي، والتي حظيت بتشاور وحوار عميقين بين الحكومة وأرباب العمل والباحثين والمؤسسات المعنية بالتشغيل، حيث يجري الإعداد لتنفيذ توصياتها.

الحوار الاجتماعي هو الأسلوب الأنجع لدرء إكراهات العولمة

أكد الوزير الأول إدريس جطو أول أمس السبت بالرباط أن ترسيخ قواعد الديمقراطية الاجتماعية والحوار الاجتماعي يعد الأسلوب الأنجع لدرء إكراهات العولمة.

ودعا في الوقت ذاته إلى النهوض بالحقوق الأساسية في مجال العمل لتفادي الاختلالات الاجتماعية التي يمكن أن تؤدي إليها العولمة.

وأبرز في كلمة ألقاها بمناسبة افتتاح أشغال الدورة الثالثة والثلاثين لمؤتمر العمل العربي المنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن المناخ الدولي المطبوع بالعولمة وحرية المبادلات يطرح "رهانات كبرى مرتبطة بمدى قدرتنا ودرجة استعدادنا لمواجهة الانعكاسات المحتملة على هياكل الإنتاج وعلى الأنماط الجديدة للعلاقات الاجتماعية والمهنية".

وشدد في هذا السياق على "تضافر جهود الجميع، حكومات ومنظمات دولية وجهوية مختصة وشركاء اجتماعيين، من أجل تأهيل فضائنا الاجتماعي وتوفير محيط يساعد على النمو الاقتصادي ويعطي وجها إنسانيا للعولمة".

ونبه جطو إلى التحديات الكبرى المرتبطة بالهجرة داعيا إلى العمل على مواجهتها "وفق مقاربة شمولية ومندمجة تأخد بعين الاعتبار كافة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية بعيدا عن أي توظيف سياسي".

وأضاف أن محاربة الفقر والبطالة بشكل عام تعدان من الانشغالات الكبرى التي تستدعي عناية فائقة، مؤكدا في هذا الصدد على ضرورة العمل على "بلورة إطار عربي شمولي يروم التصدي لهما إشكاليتي الفقر والبطالة من خلال وضع سياسة إرادوية وبلورة تدابير عملية تكفل الترابط بين النمو والتشغيل".

واستعرض الوزير الأول الجهود التي يبذلها المغرب من أجل الارتقاء بعلاقات الشغل وتحسين الضوابط والقواعد القانونية المنظمة لهذا الميدان من خلال تحديث التشريع الوطني في هذا المجال ونهج الحوار والتشاور والعمل على تفعيل الجيل الثاني من حقوق أطراف الإنتاج والمتعلقة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية.

من جانبه اعتبر وزير التشغيل والتكوين المهني مصطفى المنصوري أن الحوار الاجتماعي "يشكل الإطار الأنسب لبناء تعاقدات اجتماعية وإرساء قواعد متينة توفر من جهة المناخ الملائم لتطوير الإنتاج وتمكين المقاولات من مواجهة التحديات الاقتصادية التي تفرضها إكراهات العولمة والتنافسية، وتساعد من جهة أخرى على تحسين ظروف العمل وإقرار السلم الاجتماعي".

وأضاف أن الحوار الاجتماعي احتل في المغرب مكانة خاصة إذ أصبح يقوم بدور مهم وأساسي في مجال العلاقات المهنية وأن التشاور بين أطراف الإنتاج "أضحى القاعدة الأساسية لمعالجة المشاكل الاجتماعية وتحسين وتنظيم علاقات الشغل" مما مكن، حسب الوزير، من وضع منظومة جديدة لقانون الشغل تتضمن مجموعة من آليات التفاوض سواء على صعيد المقاولات أو على المستويين الوطني أو الإقليمي، وذلك على شكل لجان ومجالس لتفعيل الحوار بين أطراف الإنتاج.

أما المدير العام لمنظمة العمل العربية، إبراهيم قويدر، فاعتبر بدوره أن الحوار الاجتماعي يعد أداة قوية لإيجاد سبل ملموسة لإقامة التماسك الاجتماعي والحفاظ عليه وتحسين الإدارة، فضلا عن كونه يساهم في خلق قاعدة عريضة من الإصلاح تنعكس من خلال خدمات ذات جودة عالية للعاملين والمتعاملين على السواء.

وأبرز أن تهيئة الظروف من أجل حوار اجتماعي ناجح يتطلب بالخصوص مراعاة إعادة النظر في العقبات الدستورية والتشريعية التي تحد من تنفيذ الحوار الاجتماعي وأن تكون منظمات أرباب العمل والعمال قوية ومستقلة وتمتلك الإمكانات التقنية للانخراط في الحوار الاجتماعي الهادف والإيمان الكامل والالتزام الصادق من قبل السلطات في المجتمع بأهمية الحوار الاجتماعي والمشاركة فيه بفاعلية وشفافية.

وأعرب كل من ممثل جامعة الدول العربية محمد خير القاضي ووزيرة القوى العاملة والهجرة بمصر عائشة عبد الهادي نيابة عن رئيس مجلس إدارة منظمة العمل العربية في كلمتيهما عن أملهما في أن تتوج أشغال المؤتمر بقرارات "بناءة" و"قابلة للتنفيذ" من شأنها أن تساهم في تعزيز العمل العربي المشترك وترسيخ التشاور والحوار بين أطراف الإنتاج لدفع مسيرة منظمة العمل العربية على طريق تحقيق أهدافها.




تابعونا على فيسبوك