الربح والخسارة في أزمة سوريا / بهجت قرني

الجمعة 20 يناير 2006 - 17:27

من داخل كواليس السلطة شهّر عبدالحليم خدام بالحكم في دمشق، ولكن هذه الحلقة الأخيرة من "الأزمة السورية" يتعدى مغزاها دمشق نفسها ليثير مشكلة رسم السياسة في كثير من الأنظمة العربية، اشتداد "الأزمة السورية" لا يرجع كله إلى مؤامرة خارجية، بل يعود في جزء منه إلى

بعد الحصار الدولي المتزايد المفروض على سوريا، ثم قرارات مجلس الأمن، ثم الاتهامات شبه المباشرة من لجنة التحقيق الدولية، ثم انتحار وزير الداخلية السابق كنعان، تأتي الآن تصريحات غاية في الخطورة من جانب عبدالحليم خدام، وكما نعرف فإن خدام ليس بالشخصية العادية التي يمكن تجاهلها، فهو من أعمدة السلطة في حزب "البعث"أو كنائب لرئيس الجمهورية منذ أكثر من ثلاثين عاماً هو رجل إذن يعرف الكثير، ولذلك سينصت له الكثيرون، في الخارج بالطبع ولكن في الداخل أيضاً.

بعض كلام خدام ليس جديداً، مثل الانفراد بالسلطة أو انتشار الفساد أو سياسة اليد القوية في لبنان، ولكن تصريحاته لقناة"العربية" هي محددة وبالتالي تصبح من العيار الثقيل، فمثلاً قال خدام، إن الرئيس بشار الأسد أخبره أنه هدد الحريري مباشرة بسحقه إن لم يوافق على التمديد لرئيس الجمهورية اللبناني إميل لحود.

هناك إذن ثروة من المعلومات تحت يد لجنة التحقيق الدولية والأطراف اللبنانية المعارضة لسوريا، والتي بالتالي تضع دمشق في موقف صعب للغاية، ولكن الأخطر هو أن سيل المعلومات لتشريح النظام السوري وسياساته ـ في لبنان وخارج لبنان ـ لن يقف عند هذا الحد، بل نحن بالتأكيد في بداية مرحلة جديدة لمحاولة حصار النظام السوري، فالكلام مثلاً عن غياب القانون في سوريا واستبداله بالرشوة والصفقات وعلاقات المصالح سيستمر.

ويشتد ويطول كثيراً من الشخصيات الرئيسية في النظام السوري وحتى خارج سوريا
من الرابح ومن الخاسر في هذه المعركة؟ الرابح لاشك هم خصوم النظام السوري الذين لديهم الآن كنز من المعلومات المحددة يساعدهم في دقة التصويب ضد دمشق_ وهناك إشاعات عن اتصالات مع خدام ـ من جانب باريس أو واشنطن ـ وحتى لو لم تصدق هذه الشائعات، فإن موقف الحكم في دمشق يزداد صعوبة وبشدة، وربما يفقد جزءاً من مصداقيته ليس فقط في المسألة اللبنانية، ولكن أيضاً في الداخل_ فمن المؤكد أن كلام خدام عن انفرادية السلطة والفساد سيكون له صدى في الشارع السوري، بالرغم مما يقوله أعضاء مجلس الشعب السوري وقيادات حزب "البعث".

وماذا عن خدام؟ أعتقد أن خسارته أكبر بكثير من ربحه، فحتى المتعاطفون مع ما يثار حول فساد الحكم وتخبط السياسات، يعترضون على توقيت مثل هذه التصريحات التي تضع كل الذخيرة الحية في يد خصوم سوريا لتشديد الحصار عليها، وما ثمن كل هذا؟ ثم هناك عامل أهم يضعف من مصداقية نوايا خدام : لماذا لم يتكلم قبل الآن؟ لماذا لم يزح الستار عن مثل هذا الفساد وهو نفسه في كواليس السلطة لأكثر من ثلاثين عاماً، مع حافظ الأب ثم بشار الابن؟ أليس هو جزء من النظام الذي يهاجمه، وخاصة عندما يتكلم من قصره المهيب في باريس؟ هل هناك ثأر شخصي مع بعض أقطاب النظام وأن كلامه حق يراد به باطل؟ وسيستمر سيل المعلومات بعد انشقاق عبدالحليم خدام أحد أكبر رموز السلطة في سوريا، فهذه الحلقة الجديدة في "معركة سوريا" لا تزال في بدايتها.

كاتب مصري
باشتراك مع الاتحاد الإماراتية




تابعونا على فيسبوك